الشعراء والخيول الأصيلة

فؤاد عبدالقادر

الحب.. الجمال.. الحقيقة.. الحرية.. الإنسان.. هذا الشاعر نزار قباني.. يموت الشعراء وتبقى الكلمات والمواقف كما تبقى الخصائص.. وقد تفرد عن جيله من الشعراء العرب بامتلاكه لقاموسه اللفظي بمعانيها وصورها.. وبتلك الطريقة البسيطة التي تشبه كلماتها.. الطريقة المائية كما وصفها بعض النقاد وصادق عليها الشاعر.. وقد وظفها توظيفا صحيحا في كل روائعه الشعرية.. وكانت جواز مرور إلى قلوب الناس.. وحققت له الديمومة كشاعر مبدع على مدى خمسين عاماً وأكثر..
عوامل الشيخوخة لم تؤثر في عطائه الشعري من خلال تعطل ملكة الإبداع بل ازداد شعره قوة وأصالة.. جامح كالخيل الأصيل.. حادا كالسيف وأيضا شفاف كلمعان العيون.. الخيول العنفوان.. العروبة.. الثورة الرافض الاستسلام.. المدرسة.. الطبشور.. الزواريب.. الحنطة.. الورود.. الزيتون.. الفساتين.. قارورة العطر.. المعطف.. المنديل..
إن الكلمات والمفردات لم ترد قبل نزار في الشعر العربي ولم يتعود عليها القارئ والناقد، لكن نزار قباني جعل لها حضورا وقوة ومعنى..!!
في استخدامه للتراث والتعامل مع الأمكنة والأسماء تشعر بقوتها وطغيانها قل ّأن تجدها في نصوص أخرى سواء في الشعر السياسي أو الرومانسي..
وقد نختلف ونتفق مع الرجل ومواقفه..
وقد تكون للرجل صفات وزلات إنسانية.. لكن لا مفر من أن تعترف بأنه مدرسة قائمة بذاتها في فن الشعر ولن تتكرر في الشعر العربي المعاصر..
نزار قباني.. شاعر مصادم.. كتب عن الحب والمرأة فكان كمن يدخل معركة غير متكافئة.. مع التقاليد والعادات والتخلف.. والعقليات الجامدة لكنه ورغم ما عاناه من تعسف واضطهاد وصل إلى حد تكفيره تمكن من أن يوصل رسالته وأن يخترق الكثير من الحواجز، وأن يحطم في حياة المرأة تلكم القيود التي كبلتها وجعلتها مجرد دمية ونصف كائن حي، وأن يضع لها عقداً من اللؤلؤ يرصع به جيدها.. وأن يهديها جواز مرور إلى حياة منطقية متوازنة.. ويرسل لها رسالة تقرأها كل صباح ..

قد يعجبك ايضا