أمريكا في قلب العاصفة..!

طه العامري..

 

على مدى سبعة أشهر من بدء معركة (طوفان الأقصى) في فلسطين انخرطت الولايات المتحدة الأمريكية في العدوان الصهيوني كشريك فعلي وأساسي تنشط في ميدان المعركة العدائية للشعب العربي الفلسطيني، معلنة وبسفور دعمها للكيان الصهيوني المحتل ضد أصحاب الحق والأرض الباحثين عن حريتهم واستقلال وطنهم من براثن الاحتلال الاستيطاني الجاثم على صدورهم منذ أكثر من ثمانية عقود خلت بدون وجه حق.
ويعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين هو آخر احتلال استعماري على سطح المعمورة، بعد أن استقلت كل شعوب الأرض ماعدا الشعب العربي في فلسطين، أمريكا التي لم تكتف في هذه المعركة بدعم الكيان المحتل بالمال والسلاح بل هذه المرة سخرت واشنطن كل قدراتها العسكرية والمادية والاستخبارية والسياسية والإعلامية وانخرطت بصورة كلية في العدوان كشريك فاعل مانحة الكيان غطاء سياسياً وإعلامياً أمام كل المحافل الدولية، لدرجة أنها استخدمت حق النقض الفيتو داخل مجلس الأمن أكثر من خمس مرات خلال فترة العدوان، ناهيكم عن رسائل التهديد والوعيد التي أطلقتها ضد دول المنطقة والعالم محذرة من أي تعاطف قد تبديه هذه الدول مع الشعب الفلسطيني الذي يذبح بقذائف أمريكا وصواريخها في معركة غير متكافئة، وأن كانت إرادة الشعب الفلسطيني تجاوزت كل قدرات الكيان وأمريكا، وصمد المقاومون بأسلحتهم البسيطة والمصنعة ذاتيا أمام اعتى جيش في العالم، وأضخم أسلحة تنتجها المصانع الأمريكية والغربية، ورغم التحركات الشعبية العالمية المناهضة للعدوان الصهيوني بعد أن ذهب أكثر من مائة وعشرين الف شهيد وجريح ومفقود من أبناء فلسطين، وتشريد أكثر من مليوني فلسطيني من منازلهم التي دمرتها القذائف الأمريكية، ورغم الرحلات المكوكية للمسؤولين الأمريكيين بدءا من رئيس أمريكا أبى وزير دفاعه ورئيس مخابراته ومسؤول الأمن القومي إلى وزير الخارجية وجميعهم جاؤوا ومعهم رسائل تهديد ووعيد، ومارسوا كل أشكال الضغط على المقاومة والشعب الفلسطيني من أجل الإفراج عن رهائن الصهاينة حتى ادخلوا المساعدات الإنسانية من المياه والأغذية والوقود والمستلزمات الطبية في أجندة الضغوط المساومة وبرعاية أمريكية كاملة، غير أن ما حدث مؤخرا في أمريكا من قبل طلاب الجامعات اربك البيت الأبيض واجبرها، أن تظهر بصورتها الحقيقية التي كانت تغطيها بأوراق التوت والشعارات الكاذبة عن الحقوق والحريات، لتأتي نصرة الشعب الفلسطيني من عقر دار أمريكا ومن ارقى مؤسساتها التعليمية التي تصنع قادتها ومسؤوليها وصناع القرار فيها _الجامعات والمؤسسات الأكاديمية _في واقعة غير مسبوقة، واقعة دفعت أمريكا ومعها المنظومة الغربية إلى مغادرة متحف الديمقراطية والحريات والحقوق الإنسانية، إلى إسطبل الديكتاتورية القمعية ليظهر (مكارثي) بأبشع صوره، حتى شاهدنا نشطاء حقوقيين في الولايات المتحدة يشيدون بأنظمة روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، و(دول محور الشر) التي كانت أمريكا تصف بها الدول غير الديمقراطية التي (تقمع شعوبها)، وفيما حاولت المؤسسات القمعية في أمريكا والغرب وصف الحركات الطلابية بأنها حركات (معادية للسامية) خرج من أوساط هذه الحركة نشطاء (يهود) من طلاب وأساتذة واكاديميين يكذبون مزاعم أمريكا والغرب ومؤسساتهم القمعية، معلنين رفضهم لهذه التهم، وأنهم نعم معادون ولكن للصهيونية وجرائمها بحق الشعب العربي في فلسطين..!
لتُسقط الحركات الطلابية من خلال الأساليب التي اتبعت لقمعها كل مزاعم أمريكا عن الحريات والحقوق والقيم الديمقراطية، وكل الأكاذيب التي كانت تسوقها هي والمنظومة الاستعمارية الغربية عن حقوق الإنسان التي اتخذوا منها (سيفا مسلطا) على رقاب شعوب العالم وابتزاز أنظمتهم بذريعتها..!
طوفان الأقصى معركة لم تسقط هيبة وأساطير الكيان الصهيوني، بل أسقطت أيضا قيم وأخلاقيات الغرب وأمريكا، وكشفت حقيقة أكاذيبهم عن حقوق الإنسان والقيم الحضارية والحريات..؟!
قطعاً، لم تكن أمريكا تتوقع ما حدث داخل حرم جامعاتها الأرقي عالميا، ولهذا بدا واضحا حالة الارتباك الرسمي في طريقة تعاطي الإدارة والمؤسسات مع الحراك الطلابي الذي دفعها لإسقاط آخر أوراق التوت التي كانت تخفي بها عوراتها، ومثلها حدث في دول المنظومة الاستعمارية الغربية، وكل هذه الأحداث التراجيدية تضاف لسجل انتصار المقاومة الفلسطينية التي لم تزعزع العرش الصهيوني بل زلزلت عروش المنظومة الاستعمارية، وأسقطت هيبة النظام الدولي، وأثبتت بطولات المقاومة أن الكيان أوهن من بيت العنكبوت بل المجتمع الدولي بقيادة أمريكا بدا أكثر وهناً وهشاشة وبشاعة من ديكتاتورية لم يقدم على مثلها حتى أنظمة في دول العالم الثالث..!
إن كل القيم الأمريكية والغربية والأساطير الصهيونية سقطت تحت أحذية أبطال المقاومة الفلسطينية.
وان دماء أطفال ونساء وشيوخ فلسطين الذين سقطوا في حرب الإبادة التي ترعاها أمريكا والغرب تحولت إلى إعصار مدمر لكل القيم والأخلاقيات التي ما برح يتشدق بها رعاة النظام الدولي بقيادة أمريكا التي أثبتت أنها دولة ديكتاتورية مكارثبة وقحة، لكن يكفي أنها وحلفاؤها وجدوا أنفسهم يدفعون ثمن غطرستهم وتعاليهم، بعد أن أصبحوا في قلب العاصفة المدمرة التي بدأت ولم تتوقف إلا بسقوط أصنامها البشعة..!

قد يعجبك ايضا