بالرغم من محاولات فرض العُزلة والتدمير الممنهج لمقدرات الشباب والرياضيين

منافسات تحت أزيز الطائرات

 

سفينة المنتخب الوطني تجاوزت الحصار.. والناشئون عبروا الحدود وحطموا القيود
• ملاعب التهمت الحمم .. والمعاناة صنعت البطولات

الثورة / خالد النواري

 

جسد الشباب والرياضيون حقيقة المقولة (المعاناة تولد الإبداع) حينما كسروا حالة العزلة التي حاول العدوان فرضها على بلادنا والحصار لكل المنافذ براً وبحرا وجواً خلال الخمسة الأعوام الماضية .. وتحولت تلك المعوقات إلى نقطة انطلاقة نحو الإصرار على المشاركات في مختلف المحافل الخارجية والحضور اللافت لشباب الوطن الذين رفعوا راية التحدي وشكلوا جبهة من جبهات التصدي والصمود في وجه العدوان الغاشم الذي فشل بجدارة في كسر الإرادة اليمنية الصلبة وتحطمت كل محاولاته أمام العنفوان اليمني. وبالرغم من التعقيدات المتعددة التي سعى العدوان لفرضها ، إلا أن الشباب اليمني تحلى بالعزيمة والصمود في وجه العدوان ومقاومته بمختلف الأساليب والحرص على استمرارية العجلة الرياضية بعد توقف اضطراري في الشهور الأولى من العدوان الغاشم في 26 مارس 2015م ، لكن الروح عادت مجدداً إلى مختلف الملاعب والصالات الرياضية وتقاطرت الجماهير إلى المدرجات لتنبض الحياة من جديد وتعلو صيحات المشجعين وهتافاتهم وتطغى على أصوات الصواريخ وأزيز الطائرات التي لم تنل من عزيمة الشباب بل زادتهم صمودا واستبسالاً.

محاولات عبثية

عمد العدوان منذ الوهلة الأولى لقتل الإرادة في قلوب النشء من خلال استخدام القوة المفرطة والقنابل التدميرية التي تساقطت حممها فوق رؤوس المدنيين في مختلف المحافظات ، لكنه لم يؤت أكله واستمر العطاء والصمود في وجه العدوان فعمدت الآلة الحربية السعودية إلى قصف كل شيء ينبض بالحياة ويعبر عن الديمومة والاستمرارية وفي المقدمة ما له علاقة بأنشطة الشباب والرياضيين بهدف قتل آمالهم وطموحاتهم عبر تدمير كل البنى التحتية المخصصة للألعاب الرياضية التي تم تشييدها بمليارات الريالات . وبفعل العدوان وجرائمه المتعددة تراجعت عجلة الرياضة لبعض الوقت وخفت هدير الجماهير في الملاعب وأصبح النشاط الرياضي محدوداً وهو الهدف الذي سعى له العدوان ، وأحجمت أغلب المنتخبات الوطنية عن المشاركة في المحافل العربية والإقليمية ، فيما كانت لعبة كرة القدم الوحيدة التي شاركت بانتظام في جميع الاستحقاقات الخارجية وفي مختلف الفئات العمرية. ومع مرور العام الأول للعدوان بدأت الأنشطة الرياضية تعود بصورة تدريجية في مختلف المحافظات وضمن الإمكانات المتاحة واستعادت المنتخبات الوطنية تحضيراتها للاستحقاقات الخارجية تحت تحليق طائرات العدوان وعلى وقع القصف الذي طال مختلف الأماكن الآهلة بالمدنيين. تداعيات العدوان فرضت تحديات كثيرة وكانت العقبات كفيلة بفرض حالة من الجمود الرياضي ، إلا أنه تم مواجهات تلك العراقيات ومحاولة استعادة الألق الشبابي ولو في حده الأدنى من خلال التجمعات المحدودة في إطار المحافظات والبطولات التنشيطية التي أقيمت بجهود ذاتية وبمساهمة القطاع الخاص في بعض الأحيان ، كما تم تعويض خوض المباريات الدولية للمنتخبات الوطنية داخل الوطن إلى نقلها إلى دول الجوار حرصاً على ضمان المشاركة والحضور في مختلف البطولات عربياً وآسيوياً.

مباريات تحت القصف

ومن المفارقات العجيبة أنه في الوقت الذي كانت طائرات آل سلول توجه حممها إلى صدور المدنيين ، كانت المباريات تجرى في مختلف الملاعب الرياضية ومنها ملعب وحدة صنعاء الذي وصلت إليه الشظايا جراء القصف الذي طال منطقة فج عطان يوم 20 إبريل 2015م بقنبلة فراغية في محاولة لبث الرعب في أوساط القاطنين بالعاصمة صنعاء ، وكذلك القنبلة الفراغية التي استهدفت منطقة نقم والتي امتدت آثارها التدميرية إلى ملاعب أهلي صنعاء و22 مايو.. ورغم ذلك استمرت عجلة الرياضة وأقيمت المباريات متجاوزة كل المخاوف والهواجس الأمنية لتصبح إقامة الأنشطة الرياضية أمراً مألوفاً في أجواء ممزوجة بالقصف ومحاولات التدمير الممنهج للبنى التحتية وفي صدارتها القطاع الشبابي الذي كانت منشآته أهدافاً للعدوان حيث تحولت الملاعب والصالات الرياضية إلى أماكن مهجورة بعدما تصدرت أهداف العدو الذي لا يفرق بين ملعب رياضي وثكنة عسكرية ومنشأة خدمية وأصبح كل شيء ضمن خطته التدميرية دون تمييز بين بشر وشجر وحجر ، وتعرضت الملاعب والصالات الرياضية للتدمير المتعمد وفي طليعتها منشآت بطولة خليجي 20 التي شيدت بأكثر من 120 مليار ريال وخاصة استاد 22مايو الدولي بعدن واستاد الوحدة بأبين ، وملاعب التلال والوحدة والشعلة والميناء والمنصورة بعدن ، وملاعب 22مايو بإب والصقر بتعز والأهلي والوحدة واليرموك واستاد المريسي بصنعاء ومشروع المدينة الرياضية بالحديدة ، وملعب معاوية بلحج وملاعب أخرى في الضالع وصعدة وعمران وحجة والحبيشي بعدن.

كسر الحصار

الحصار والحظر الجوي خلق معاناة كبيرة للمنتخبات الوطنية في ظل منع الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء الدولي من قبل العدوان الغاشم ، ليصبح ذلك العبء في صدارة المعوقات التي تصدرت المشاركات الخارجية للمنتخبات الوطنية لكرة القدم التي واجهت الكثير من المتاعب والصعوبات نتيجة عدم الحصول على رحلات مباشرة إلى أماكن خوض المباريات في دول الجوار أو دول شرق آسيا لتضطر لقطع مسافات طويلة براً تصل إلى آلاف الكيلومترات في إصرار واضح على تحدي مختلف الظروف من أجل تمثيل الوطن والإصرار على المشاركة ورفع علم الوطن في المحافل الخارجية. محاولات المنع

المشاركات الرياضية للمنتخبات الوطنية تعرضت للكثير من المضايقات ومحاولات المنع من السفر ومكثت عدد من البعثات الرياضية أياماً أمام بعض المعابر البرية مع دول الجوار وخاصة منفذ الوديعة الذي أوصدت أبوابه من قبل سلطات جارة السوء أمام نجوم الوطن الذين لم يستسلموا لتلك التعسفات وقابلوها بشموخ يطاول السماء وعنفوان يهز الجبال وإصرار على الحضور والمشاركة ورفع راية الوطن. وأمام محاولات المنع والإقصاء فقد ألغيت عدد من المشاركات الخارجية ومنها مشاركة المنتخب الوطني للطاولة في البطولة العربية بتونس وبطولات أخرى للمنتخبات الوطنية في ألعاب الطائرة والكاراتيه والجودو والجمباز والكونغ فو والملاكمة وتنس الميدان والشطرنج والسلة والمبارزة كرة اليد وغيرها من الألعاب.

خيارات صعبة

الممارسات التعسفية ومحاولات إقصاء الرياضة اليمنية من المشاركات الخارجية قوبلت بالمزيد من الإصرار على الحضور ، فتم اللجوء لحلول بديلة عن السفر جواً بعد إغلاق مطار صنعاء الدولي نهاية عام 2016م ، فكانت الحلول المتاحة تتمثل في السفر براً أو بحراً رغم صعوبتها ومشقتها خاصة بالنسبة لمنتخب الناشئين نظراً لصغر سن اللاعبين وعدم تحملهم مشقة السفر براً ، إلا أن الضرورة الحتمية للمشاركة استدعت سفر بعثتي الناشئين والشباب براً وعبور الأراضي السعودية براً في رحلة مضنية استغرقت ثلاثة أيام.

رحلة بحرية

وفي رحلة تستحق بأن يطلق عليها (رحلة العمر) فقد لجأ المنتخب الوطني الأول لكرة القدم للخيار الأصعب حينما قطع رحلة بحرية من ميناء الحديدة إلى جيبوتي عبر سفينة مخصصة للمواشي ليعيش قرابة يوم كامل في رحلة التحدي والإصرار على المشاركة في التصفيات الآسيوية حيث نجحت البعثة من الوصول في الموعد بعد رسو السفينة في جيبوتي وأخذ قسط من الراحة ليومين قبل الإقلاع جواً للوجهة التالية.

حضور إيجابي

وعلى مدى خمسة أعوام في ظل العدوان فقد سجلت العديد من المشاركات الفاعلة للرياضة اليمنية وأبرزها مشاركات المنتخبات الوطنية لكرة القدم بمختلف فئاتها العمرية (أول ، أولمبي ، شباب ، ناشئين) حيث تمكنت ثلاثة منتخبات من التأهل إلى النهائيات الآسيوية حيث تأهل منتخب الناشئين والشباب إلى النهائيات الآسيوية في المشاركات التي أقيمت في ظل العدوان والحصار ، كما تمكن المنتخب الأول من التأهل التاريخي لأول مرة عقب الوحدة المباركة إلى نهائيات كأس آسيا متسلحاً بالإرادة اليمنية الصلبة التي لا تقبل الانكسار متحدياً الظروف الصعبة التي فرضها تحالف قرن الشيطان. وتقاطر نجوم المنتخبات الوطنية من مختلف المحافظات شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ملبين نداء الوطني مجسدين اللحمة والتوحد تحت راية واحدة متجاوزين كل محاولات التمزيق والتشطير والأقلمة وانضموا لصفوف المنتخب للدفاع عن علم الوحدة والثورة بدافع الحب والانتماء لوطن الثاني والعشرين من مايو المجيد متجاهلين الأصوات النشاز التي صدرت من أصحاب المشاريع الصغيرة التي سوف تتلاشى بزوال المحتل الأجنبي الذي يحاول تدنيس التراب اليمني الطاهر. ويكفي هؤلاء النجوم أنهم تمكنوا من توحيد الشعب اليمني على قلب رجل واحد عند كل مشاركة خارجية وهو ما يؤكد أن ما تمر به بلادنا مجرد كبوة جواد أصيل وأن الشعب اليمني قادر على تجاوزها بثبات واستعادة توازنه وبناء ما دمره هذا العدوان غير المبرر وطي كل تداعياتها ومواصلة رحلة البناء والتنمية وإعمار كل ما خلفه العدوان من دمار لحق بالبنية التحتية. مشاركة المنتخبات الوطنية شكلت تحدياً كبيراً للعدوان وكان اللاعبون في اختبار حقيقي في تلك الاستحقاقات التي تزامنت مع حرب الإبادة والتدمير التي تتعرض لها بلادنا .. إلا أن اللاعبين كانوا عند مستوى المسئولية ومثلوا اليمن بصورة جيدة متجاوزين كل ما يتعرض له وطنهم من عدوان بربري غاشم ، واستشعر اللاعبون المسؤولية وقدموا كل ما لديهم من إمكانات انعكست على نتائجهم بصورة مقبولة.

إنجازات لافتة

وعند إجراء تقييم للمشاركات الخارجية للمنتخبات الوطنية في مختلف الألعاب فقد حققت إنجازات لافتة حيث حصدت (188) ميدالية ملونة في العام 2018م ، وفي العام الماضي 2019م حصد نجوم المنتخبات الوطنية (170) ميدالية ملونة منها (47) ميدالية ذهبية ، و(64) ميدالية فضية ، و(59) ميدالية برونزية في ألعاب (الجودو، الكونغ فو، التايكواندو، الفروسية، تنس الميدان، ألعاب القوى، كرة القدم المدرسية، رياضة المرأة، المصارعة ، الكاراتية ، الجمباز ، كرة الطاولة ،الكونغ فو).

صمود أسطوري

وإجمالاً فقد شكل الصمود اليمني مفاجأة صادمة للعالم حينما تصدى للعدوان بإمكاناته الذاتية ورفض الاستسلام والخنوع أمام العدوان وفضل الموت على الانكسار والعودة تحت الوصاية السعودية ، كما استبسل اليمنيون في الذود عن أرضهم وترابهم الطاهر وتشبثوا بها لتتحول كل أحلام المعتدين إلى سراب وتجسد عنفوان الشعب اليمني وكبرياؤه وشموخه. الشباب اليمني في هذا المشهد كان أيقونةً للتحدي وعنواناً للصمود والاستبسال في مواجهة آلة القتل والتدمير التي طالت كل ساكن ومتحرك على الأرض اليمنية.. هذه الأرض الشامخة كأبنائها والتي تخضبت بدم طاهر تحول إلى حبر يحكي قصة شعب أسطوري تفوق على قوى الكبر والغطرسة. جيل الحاضر وأمل المستقبل تسابقوا في مختلف ميادين الصمود وتنوعت أنشطتهم التي صبت في بوتقة الصمود والدفاع عن الوطن الذي تكالبت عليه قوى العدوان محاولة النيل من وحدته واستقراره ومكتسباته.

قد يعجبك ايضا