” دور الإسلام في مواجهة التحديات”

 

حسن الدبعي

\\المتأمل في حالة المسلمين هذه الأيام يصاب بالصدمة والإحباط بكل معانيه.. ويقر أن الأمة الإسلامية في طريقها للانقراض والتآكل بسبب التناقضات غير الموضوعية التي تتكاثر يوماً بعد يوم، فالمسلمون مشغولون بأنفسهم مع بالغ الأسف وتركوا ظهورهم نهباً للأعداء والمتربصين الذين يسعون جاهدين لطمس الإسلام من على الكرة الأرضية.
أمام هذا الوضع التشاؤمي لابد لأي مسلم أن يطرح على نفسه سؤالين جوهريين ملحين: هل تكمن علة التخلف في قصور عقول المسلمين عن إدراك المعاني الحقيقية والعميقة لتعاليم الإسلام؟ أم أنها تكمن في القصور الذاتي لتعاليم الإسلام عن مواكبة التطور البشري والتكيف مع حقائقه العلمية وتطلعات الإنسان المستقبلية والمساهمة في تقديم الحلول المجدية لمشكلاته المادية والروحية في زمن يخضع فيه المجتمع الإنساني كله لتبدلات عميقة وسريعة في مفاهيمه وأخلاقياته وعاداته وتقاليده وثقافته وأسس تفكيره برمتها؟..
السؤالان ليسا بجديدين إلا أن الإجابة عليهما تزداد أهمية يوماً بعد يوم نظراً للمكانة الاستراتيجية التي يحتلها العالم الإسلامي في الجغرافيا البشرية والاقتصادية المعاصرة من ناحية وإلى اعتقاد المسلمين الراسخ بتعاليم الإسلام كمنهج أبدي للحياة والمجتمع، وما يثيره واقعهم المتردي والسائر نحو فريد من القهقرى، كما يتوقع الخبراء والمحللون وما نشاهده على أرض الواقع من ناحية أخرى.
يشكل المسلمون اليوم كتلة بشرية ضخمة تعدادها يقارب الملياري نسمة أي نحو ربع سكان العالم يعيشون في بقاع شاسعة من الأرض يحوي بعضها ثروات طبيعية هائلة تشكل عصب الحياة والتطور للمدينة المعاصرة، ومع ذلك مازالوا إحدى الخلايا الميتة في حركة التطور الحضاري المعاصر وهذا ما دفع بعض الإصلاحيين المسلمين في القرنين التاسع عشر والعشرين إلى محاولة تجديد مفاهيم الإسلام لتتكيف مع متطلبات العصر ظنا منهم أنهم يستطيعون بذلك إنقاذ المجتمعات الإسلامية من تخلفها وسباتها اللذين طالا أمدهما، لكن جهودهم لم تعط الآمال المرجوة كما يؤكد الواقع المرير لهذه المجتمعات.. حيث اتسعت الهوة كثيراً بين المسلمين وازدادت حدة البغضاء والتناحر في أوساطهم وجعلوا من المذهبية آلة جديدة تفتك بأوصال الأمة.. يقول المولى جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ).. وما يجري على الأرض وعلى جميع المستويات يقتنع تماماً أن مستقبل الإسلام غامض مالم يتدارك المسلمون أنفسهم ويتشبعون بقيم الإسلام الرائعة القائمة على التفاهم والتسامح والأثرة بعيداً عن هذه التجاذبات العقيمة وأدخلت الإسلام في دائرة الشبهة ووسمه بدين التخلف والإرهاب والهمجية.. إن مواكبة التطور الإيجابي الذي يعيشه العالم من حولنا ضروري جداً حتى يستعيد الإسلام عافيته وهيبته.
إن مستقبل الإسلام والمسلمين في عالمنا المعاصر وفي المستقبل متوقف على كيفية تطبيق هذه القاعدة الدقيقة على الحياة المعاصرة من قبل فقهاء مسلمين متنورين بالفكر العلمي الحديث ومناهجه ومنفتحين على مشكلات هذا العصر وقضاياه، فقهاء يقرأون الإسلام بعقول وقلوب وعيون مفتوحة بعيدة عن الجمود والتحجر وعصور الانحطاط التي ترزح بأثقالها على الإسلام والمسلمين .. ولا شك في أن عدم وجود مرجعية مؤسساتية للإسلام – كالفاتيكان بالنسبة للمسيحيين – تضم كبار المفكرين والمشرعين المسلمين دينيين ومدنيين تقوم عن طريق الاجتهاد بتطوير مفاهيم الإسلام وتجديدها لتتكيف مع تطورات العصر ومفاهيمه السياسية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية ومناهجه البحثية هو أحد الأسباب الرئيسية لأزمة الإسلام والمسلمين مع هذا العصر.. ولو كانت مثل هذه المرجعية موجودة لما وصلت الأزمة إلى ما وصلت إليه الآن بين العالم الإسلامي والغرب وتداعياتها الخطيرة، ولما راجت الفتاوى الدينية كلون من ألوان التجارة المعاصرة التي ضحاياها البسطاء من الناس ولما كان للأصولية هذا الدور المدمر على الإسلام والمسلمين لمصالح شخصية أو سياسية لا تمت إلى الإسلام بصلة وهذا ما يجعل الإسلام يقف على مفترق طرق مصيري وخطير.
إن صراع الإنسان الطويل من أجل التقدم إنما يهدف إلى تحقيق تلك المثل التي تكلم عنها القرآن الكريم وألحّ عليها كقواعد للسلوك البشري، وعندما يبطل اعتبار هذه المثل من أساسيات التفكير الإنساني والحياة الإنسانية يصبح الإسلام تراثاً من الماضي وعبئاً ثقيلاً على اتباعه، فالقرآن يحوي صوراً رائعة من ذلك الحوار الأزلي بين الله والإنسان، والإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والكون ومخلوقاته، وهو بذلك يربط الإنسان مع الله والكون برباط روحي وثيق يجعل لوجوده معنى تحت الإشراف الإلهي (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، (يَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى)، ثم إن الإنسان في المفهوم القرآني ليس مخلوقاً مادياً تطور عبر ملايين السنين من تركيب مادي خاص إلى ما هو عليه اليوم وإنما هو مخلوق إلهي وجد لغاية وينتهي إلى غاية وهو خليفة الله على الأرض؛ لأن الغاية الأساسية للإسلام هو تحقيق اقتران ناجح بين المادة والروح لقيام مدنية قوامها القوة والرحمة، القوة المادية تحت إشراف قلب رحيم وبذلك تقوم دولة الإسلام الكامل.
فيا أيها المسلمون أعرفوا مصالحكم مع غيركم وتراحموا فيما بينكم واعملوا قدر المستطاع أن تكونوا أمة ذات قيمة في هذا الزمن المتقلب الذي لا يجيد سوى لغة المصالح ومصلحتكم أن تكونوا متآخين متحابين.

قد يعجبك ايضا