التنافس الاستعماري في جنوب البحر الأحمر بين بريطانيا وفرنسا

أنس القاضي
اشتد الصراع الدولي حول البحر الاحمر في النصف الثاني من القرن العشرين، فكان مضيق باب المندب وميناء عدن وجزيرة بريم، إحدى ساحات المنافسة الاستعمارية في اليمن.
وفي هذه المرحلة التاريخية الراهنة، يشهد العالم الرأسمالي موجة جديدة من المنافسة الاستعمارية، وتتعرض المياه اليمنية لأخطار استعمارية جديدة، في ظل العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي الراهن.
وتشهد منطقة القرن الأفريقي توسعاً عسكرياً امريكيا وإسرائيليا وسيطرة على الموانئ بغطاء الامارات وشركة دبي العالمية، كما تحتضن منطقة القرن الافريقي قواعد عسكرية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا واليابان وايطاليا والكيان الصهيوني.
بعد احتلال البريطانيين لعدن عام 1839م انتقل الصراع البريطاني- الفرنسي الى سواحل افريقيا الشرقية المطلة على البحر الأحمر، وبحكم وجود البريطانيين في عدن، اتجهت انظار المملكة المتحدة إلى الساحل الافريقي المقابل لعدن، لتكتمل دائرة نفوذهم في البحر الأحمر، وقد كان البريطانيون دائمي التوجس، من ظهور المنافس الفرنسي في البحر الأحمر.
في عام 1840م وصل الكابتن البريطاني مورسبي إلى ميناء تاجورة في جيبوتي حاليا، وعقد اتفاقية صداقة بالنيابة عن شركة الهند الشرقية مع السلطان محمد بن محمود حاكم تاجورة، واشترت بريطانيا جزر موسى، ومثلت هذه الاتفاقية اول نفوذ بريطاني على الجزء الآخر من البحر الأحمر.
ومع نهاية عام 1854م نظمت بعثة بريطانية لغرض كشف المنطقة بين بربرة وزنجبار، إلا ان هذه البعثة تعرضت للهجوم من الجماعات الصومالية، فاكتفت بريطانيا بعقد معاهدات مع القبائل الصومالية، لكن المحاولات الفرنسية للتوسع في الصومال دفعت بريطانيا الى معاودة حملاتها التوسعية في الصومال، ودفاعاً عن نفوذها الاستعماري في الجهة المقابلة من البحر الاحمر في سواحل اليمن.
بدأ النشاط الاستعماري الفرنسي المنافس للاستعمار البريطاني، في الساحل الافريقي للبحر الأحمر في اوائل العقد الرابع من القرن التاسع عشر، وقد ارسلت البعثات الفرنسية الاستكشافية تقارير هذه التقارير تؤكد على فرنسا ان لا تترك هذه المناطق عرضة لاستعمار الدول الأخرى وخاصة بريطانيا.
ارسل الفرنسيون في العام 1846م بعثة ترأسها الكابتن دي فوسيه قصدت ساحل الدنكال وميناء مصوع في الحبشة اريتريا حاليا، وقد رأت البعثة الفرنسية بأن ساحل الدنكال مناسب ليكون مستعمرة فرنسية وحثت البعثة الحكومة الفرنسية على الإسراع اليه.
وبحلول عام 1858م، كانت فرنسا تتطلع الى اليوم الذي سوف تُفتتح فيه قناة السويس، وكانت بريطانيا التي احست بالنشاط الفرنسي، قد قررت ان تقيم قاعدة عسكرية في جزيرة بريم اليمنية.
في اليوم الرابع من شهر يونيو سنة 1859م غرق نائب القنصل الفرنسي في عدن هنري لامبرت، عند عبوره من الحديدة الى ميناء تاجورة في الصومال، ومن هنا وجدت فرنسا ذرائع استعمارية جديدة وعقدت اتفاقاً مع زعماء القبائل الصومالية وحصلت فرنسا على امتياز في حيازة اوبك ومنطقة الساحل من رأس بير الى داميرا.
ومع افتتاح قناة السويس، لم تخف بريطانيا خوفها من الحضور الفرنسي، واعلنت ان هذه المناطق تابعة لسيادة الإمبراطورية العثمانية، وفي تلك الفترة ترددت الاخبار عن نشاطات فرنسية في منطقة بئر أحمد التي تقع في ضواحي مستعمرة عدن، وفي مواجهة الانشطة الفرنسية اشترت بريطانيا شبه جزيرة عدن واعتبرتها جزءاً من محمية عدن وكان ذلك في سبتمبر 1869م.
لم تكتف فرنسا بالسيطرة على منطقة اوبك في الصومال، بل اتجهت نحو اليمن، فقد اشارت الوثائق البريطانية الى ظهور الفرنسيين أمام ميناء المكلا، وسرعان ما سيطرت بريطانيا عل ميناء المكلا استغلت عداوة نقيب المكلا مع جاره السلطان القعيطي فعقدت معه اتفاقية حماية.
في العام 1870م قامت شركة فرنسية تُدعى “بازن بارولان” بإرساء بواخرها عند جزيرة بريم، كما قامت بشراء ثلاثة آلاف هكتار من الأراضي في منطقة الشيخ سعيد الواقعة في مواجهة جزيرة بريم، إلا أن الفرنسيين فشلوا في اتخاذ ميناء الشيخ سعيد نقطة ارتكاز منافسة للوجود البريطاني في ميناء عدن الهام.
جاء فتح قناة السويس كبؤرة استقطاب جديدة للنفوذ الاجنبي في المنطقة حيث تنبهت هذه الدول لأهمية ايجاد موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر، وبحلول العقد الثامن من النصف الثاني للقرن التاسع عشر كانت خارطة البحر الاحمر السياسية تشير الى احتلال بريطاني لميناء عدن وساحله الشرقي، ونفوذ فرنسي في اوبك الصومالية وآخر ايطالي في عصب الاريترية.
عملت فرنسا على نقل قاعدتها من اوبك الصومالية الى جيبوتي واستعدت لتحقيق تطلعاتها الاستعمارية في جنوب البحر الأحمر وعلى سواحل خليج عدن، غير ان التنافس الاستعماري اتجه صوب الغرب الى داخل القارة الافريقية باتجاه اقليم هرر الذي يقع حاليا في اثيوبيا.
وهكذا خرجت فرنسا من جهودها الاستعمارية في جنوب البحر الاحمر بمستعمرة جيبوتي الواقعة على الطرف الغربي لمضيق باب المندب والتي عرفت باسم الصومال الفرنسي وأصبحت جيبوتي مقراً للحاكم الفرنسي العام شرق إفريقيا، وفي العصر الراهن تملك فرنسا قاعدة عسكرية في جيبوتي.
والحقيقة ان المخططات الفرنسية الاستعمارية لم تنجح حيث كانت فرنسا تطمح لربط مستعمراتها في غرب افريقيا مع مستعمراتها في شرق افريقيا، بالسيطرة على وسط افريقيا ووادي النيل الجنوبي والحبشة وخليج عدن حسبما نادى بذلك وزير خارجيتها هانوتو ما بين 1844 الى 1895م .
المراجع:
كتاب الصراع الدولي حول البحر الاحمر للمؤلفة ايمان ابراهيم محمد
كتاب عدن والسياسة البريطانية في البحر الأحمر للمؤلف فاروق عثمان أباظة

قد يعجبك ايضا