الصراع البريطاني العثماني على البحر الأحمر والمقاومة اليمنية (2)

أنس القاضي
أخذ الصراع البريطاني العثماني على منطقة البحر الأحمر طابعاً شديدا تارة، وهادئا طورا آخر، ورغم العداوة القائمة بين البريطانيين والعثمانيين بسبب المنافسة الاستعمارية فيما بينهما، إلا أنهما كانا متفقين على ان سيطرة أحدهما على تهامة والبحر الأحمر أفضل من استقلال هذه المناطق وبقائها في ايدي اليمنيين.
عَمِد البريطانيون إلى تدعيم نفوذهم في المنطقة وخاصة في الحجاز بعد انسحاب محمد علي باشا من الجزيرة العربية وانقطاع النشاط الفرنسي في المنطقة المحيطة بالبحر الأحمر، وكانت بريطانيا الدولة الأوربية الوحيدة التي تمتلك قنصلية في جدة بعد انقطاع الهولنديين والفرنسيين عن المنطقة.
في عام 1858م ثار بعض أهالي جدة في الحجاز ضد المسيحيين الأجانب، وكانت الحجاز آنذاك خاضعة للسلطة العثمانية، ومن أجل مواجهة هذه الثورة طلبت بريطانيا من قائد سفينتها “سيكلوبس” الاتجاه من السويس إلى جدة، لمعاقبة المسؤولين عن التمرد والثورة ضد المسيحيين الأجانب، وعند وصول السفينة إلى جدة أعطى قائدها مهلة 36 ساعة لتسليم المسؤولين عن التمرد، وبعد 24 ساعة فقط بدأ قصف ميناء جدة، واستمر القصف البريطاني على جدة مدة عشرة أيام، حتى اليوم الرابع من اغسطس 1858م وكان القصف البريطاني لميناء جدة يعني التأكيد على الوجود البريطاني في منطقة الحجاز والهيمنة على البحر الأحمر.
عقب انسحاب محمد علي باشا من تهامة سنة 1840 قام بتسليمها، الى الشريف حسين، ليكون حاكما لها ممثلاً عن الامبراطورية العثمانية، وبادر العثمانيون إلى تأييد الشريف حسين ليحفظوا سيادتهم الشكلية على تهامة.
أرسل السُلطان العثماني تأييده للشريف حسين عن طريق حاكم جدة وأمير مكة، وقد اشترط السُلطان العثماني ان يكون الدعاء للسلطان العثماني على منابر تهامة اليمنية، كما أطلق السُلطان العثماني على الحسين لقب حاكم اليمن حسين باشا، لتثبيت تبعيته للإمبراطورية العثمانية التي كانت تتلبس ثوب الخلافة الاسلامية.
استقر الشريف حسين في مدينة الحديدة، وبدأ بالتوسع فاستولى على المخا وزبيد وحيس حتى امتد نفوذه من المخلاف السليماني في الشمال الى ميناء المخا في الجنوب، ولم ينعم الشريف حسين باستقرار في الحكم، بسبب رغبة حُكام صنعاء في استعادة تهامة اليمنية، وشهدت هذه الفترة عمليات عسكرية يمنية ضد قوات الشريف حسين في تهامة، وهو ما دفع الشريف حسين إلى الاستنجاد بالإمبراطورية العثمانية في نهاية الأمر.
تلقى العثمانيون طلب استنجاد الشريف حسين بسرور بالغ، ووجدوا في هذا الطلب فرصة عظيمة لإعادة الاحتلال المباشر على تهامة اليمنية والسيطرة على البحر الأحمر ثم التوسع نحو صنعاء، وهكذا فقد اصدر السلطان العثماني من الباب العالي أوامره إلى نائبه في الحجاز وإلى أمير مكة بسرعة التحرك إلى اليمن على رأس قوة عسكرية عثمانية لنجدة الشريف حسين، وقد واجهت القوات العثمانية مقاومة شرسة من اليمنيين، فاكتفت بالسيطرة على مدينة الحديدة ومنطقة الساحل اليمني القريبة من الحجاز.
وفي المخلاف السليماني الذي يضم نجران وجيزان، قام الشريف حُسين بقتل ابن عمه الذي كان يحكم المخلاف السُليماني من عاصمته في (ابي عريش)، فأصبح المخلاف السُليماني شبه تابع للسيطرة العثمانية، إلا ان الاهالي رفضوا سلطة الشريف حسين واستنجدوا بأمير العسير محمد بن عايض الذي كانت له طموحات في السيطرة على المخلاف السُليماني، وفي طرد الوجود العثماني من تهامة ومد سُلطانه إليها.
واجهت السُلطة العثمانية في الحديدة مقاومة من القبائل اليمنية، فعجزت عن نجدة الشريف الحُسين في المخلاف السُليماني، وفي تلك الاثناء اقتحم العسيريون منطقة ابي عريش وسيطروا عليها، مما اضطر الشريف حسين الى الفرار وذلك سنة 1863م.
وكانت السُلطات الاستعمارية البريطانية في عدن قد قامت بإرسال السفينة البريطانية “كوين” إلى الحديدة لتكون تحت تصرف الحاكم العثماني، كما ظهرت السفينة البريطانية “الفنسوي” أمام جدة، ورغم المنافسة البريطانية العثمانية والعداء فيما بينهم إلا ان البريطانيين كانوا يرون ان استيلاء العثمانيين على تهامة والبحر الأحمر أفضل من استقلال هذه المناطق وسقوطها بيد أصحابها اليمنيين.
كان للنجاح الذي حققته قبائل عسير في هزيمة الشريف حسين الموالي للعثمانيين دور هام في رفع معنويات سائر القبائل اليمنية وتشجعيها على مقاومة الوجود العثماني في تهامة، ومع وصول خبر هزيمة الشريف حسين في المخلاف السُليماني قام المتصرف التركي في الحديدة “علي ياور باشا” بالاستنجاد بحاكم الحجاز “عزت حقي باشا” وبمجيء القوات العثمانية من الحجاز إلى الحديدة انسحبت القبائل اليمنية الثائرة إلى المناطق الجبلية، وقد ظل الثوار اليمنيون يُسيطرون على بعض المناطق الحصينة في الساحل.
المراجع:
– الصراع الدولي في البحر الاحمر تأليف آمال ابراهيم محمد
– عدن والسياسة البريطانية في البحر الأحمر للدكتور فاروق عثمان أباظة