مشيخات قبلية حماها التاج البريطاني

30نوفمبر يوم اكتمال النصر في ربوع اليمن

 

 

الثورة  /
محمد العزيزي
ما كان للشطر الجنوبي من الوطن اليمني أن يتنسم عبير وهواء الحرية في الثلاثين من نوفمبر 1967م لو لم يكن الشعور الوطني قد تنامى لدى اليمنيين بكافة شرائحهم وفئاتهم ، ولو لم يكن الإحساس بالذات والتحرر العبودية والاضطهاد قد كبر ، ولو لم يكن المد القومي التحرري قد شاع وتوسع .
هكذا بدأت أولى الحركات الثورية النضالية التي كانت تناهض الاستعمار وتقارعه في عقر داره ، وبإمكانات بسيطة ما كان لها أن تصل إلى حجم المهمة التي أنيطت بالرجال الاوفياء .
كانت قنبلة المطار التي فجرها المناضل الوطني وأحد ثوار الجنوب / عبدالله حسن خليفة قد أعلنت طريق الثورة وبداية سبيل الثوار ، وكانت أيضا إعلان طريق الخلاص ، هكذا تصف وتتحدث الكتب التاريخية الراصدة للتاريخ اليمني الحديث ويرويه عدد كبير من الثوار .

الحياة الاجتماعية
التاريخ الحديث للساحل الشرقي والجنوبي لشبه الجزيرة العربية هو ذاته التاريخ المتأثر بالمد القومي والتحرري والذي أثر على الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية للمنطقة في تلك الحقبة التاريخية والتحول التاريخي .
ويتألف الساحل الشرقي والجنوبي للجزيرة من مشيخات تختلف من حيث كثافة سكانها ومساحتها ودرجة استقلاليتها وكانت معظمها مشيخات قبلية تعتمد في حمايتها على بريطانيا ، وقد ازدادت أهمية هذه المشيخات بحسب المؤرخين بعد أن غادرت بريطانيا مستعمراتها الكبرى في الهند والشرق الأوسط في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وهي تابعة من حاجة بريطانيا إليها للدفاع عن مصالحها المتبقية لها في المنطقة.
وكما يقول الباحثون في التاريخ اليمني إن الأصل كان السيطرة والنفوذ البريطاني في سواحل الجزيرة في القرن التاسع عشر حيث شهد تناميا لتوجه بريطانيا ورغبتها في ترويج مصالحها التجارية والدفاعية عما كانت تسمى بجوهرة التاج البريطاني والهند.
أما في الخمسينيات من القرن الماضي فإن المشيخات العربية أصبحت في الأهمية لبريطانيا بسبب الاكتشافات الكبيرة لمصادر البترول التي تم تطويرها في العقود السابقة لعقد الخمسينيات من قبل الأمريكيين والهولنديين والفرنسيين إضافة إلى البريطانيين أنفسهم.
مستعمرة عدن
كانت عدن مستعمرة التاج البريطاني وهي مؤلفة من ميناء عدن ومدينة الشيخ عثمان المجاورة وجزيرة بريم الواقعة على بعد مائة ميل غرب مدخل البحر الأحمر إضافة إلى أرخبيل جزر كوريا موريا والتي سلمتها بريطانيا لسلطنة عمان قبل رحيلها من عدن والتي تبعد عن عدن بحوالي ثمانمائة ميل إلى الشرق .
و في شهر أغسطس من العام 1957م اقترح حاكم عدن البريطاني ويليام لوس تسريع إجراءات إنشاء حكم ذاتي لمستعمرة عدن وزيادة ملموسة في الدعم المالي للمحميات وهو اقتراح ينسجم مع مطالب قدمها قادة الجمعيات العدنية الذين رفعوا شعار عدن للعدنيين .
تزايد الشعور القومي العربي
كانت الدعوة القومية قد استطارت وانتشر تأثيرها بعد خروج مصر بنصر سياسي بارز في العام 1956م على العدوان الثلاثي الانجلو فرنسي. الإسرائيلي وزادت من تأثيرها الوحدة المصرية السورية عام 1957م وقيام الجمهورية العربية المتحدة ، وقد أثرت هذه الدعوة في العرب جميعا على اختلاف شرائحهم و طبقاتهم الاجتماعية ولا يستثنى من ذلك الملوك والسلاطين .
أثر ثورة 26 سبتمبر
كانت بريطانيا القوة الاستعمارية في جنوب اليمن تحاول لسنوات عديدة إقامة نظام سياسي متماسك بين مستعمرة عدن والمحميات. . وكان تشكيل اتحاد الجنوب العربي من إمارات ومشيخات الجنوب في العام 1959م إحدى عشرة محمية خطوة في هذا السبيل .. ولكن محاولاتها لضم مستعمرة عدن إلى الاتحاد كانت أقل نجاحا ، وكانت خطط ما سمي بدمج مستعمرة عدن بالاتحاد قد تم رسمها في لندن وذلك في يوليو عام 1962م ، غير أن رد الفعل كان سلبيا وفوريا حيث قامت القوى الوطنية التحررية بتنفيذ الإضرابات والتحركات المضادة لكل هذه الخطوات الاستعمارية.
ثورة 14 أكتوبر
وفي الضالع شهد العام التالي قيام ثورة 14 أكتوبر التي أطلق شرارتها الأولى رجال من قبائل المنطقة بعد عودتهم من مهامهم التطوعية لنصرة الثورة في الشمال ،وقد نجحت المخابرات المصرية من مقرها في تعز في تنظيم ثورة مسلحة في الجنوب تمايزت إلى تنظيمين هما الجبهة القومية ومنظمة تحرير جنوب اليمن ،ثم طورتها في يناير 1966م إلى صيغة جبهوية واسعة ضمت بعض شيوخ القبائل جنبا إلى جنب مع قيادات الحركة العمالية وبعض أقطاب السياسة العدنية واستقطبت فئات اجتماعية مختلفة كالتجار والموظفين والعمال والفلاحين وشرائح مختلفة وحتى أولئك العدنيين المنحدرين من أصول أجنبية انتظمت كلها في جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل التي كان يفترض أن تذوب فيها الجبهة القومية التي سيطرت عليها حركة القوميين العرب ..ولكن الجبهة القومية بعد أن قبلت الدمج في البداية أخذت تفتعل أسبابا للمماطلة حتى أعلنت في نهاية العام وذلك في 14 أكتوبر 1966م قرارها العودة للعمل بشكل مستقل ..
ورغم كل ذلك الحراك والتباين بين كل الفصائل و الشخصيات الاجتماعية والقادة السياسيين ، وتتويجا لكل تلك المحطات النضالية والكفاح من أجل الإنعتاق والتحرر من براثن المحتل والمستعمر انتصرت الإرادة الشعبية في يوم 30 نوفمبر ” .. يوم اكتمال النصر في ربوع اليمن .. ورحل من أرض وتراب اليمن آخر جندي بريطاني حين عزفت الموسيقى والأغنية والأهازيج الشعبية ” برع يا استعمار .. برع ” .

رغم مرور 53 عاماً على جلاء المستعمر..
المحافظات الجنوبية ترزح اليوم تحت الاحتلال الجديد

يظل الكفاح المسلح والإصرار والعزيمة لدى الشعوب هو مفتاح التحرّر والانعتاق من الظلم والاستعمار والتجبّر الذي يمارسه كل غاصب ومحتل للأرض والإرادة والقرار ويتحكم بالمصير والثروة والحكم والسيادة للشعوب المحتلة.
النضال الثوري المسلح الذي خاضه الشعب اليمني ضد الغزاة والمحتلين أثمر عن إنجاز الحدث الأهم والأبرز في تاريخ اليمن المعاصر وذلك في مواجهة الشعب اليمني ضد المحتل البريطاني في معارك التحرّر ومواجهة الاستعمار البريطاني وإرغامه على الرحيل وإعلان الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر عام 1967م.
اليوم الشعب اليمني يحتفل بالعيد الـ 53 للاستقلال وجلاء المستعمر عن أرض الوطن الغالي، وبالرغم من مرور هذه السنوات التي تزيد عن نصف قرن من الزمن أصبحت المحافظات الجنوبية ترزح من جديد تحت الاحتلال والتشظي والاختلاف والقتل والدمار وسرقة التراث والمقدرات والتاريخ والحضارة.
وبالرغم من هذا وذاك يظل النضال الشعبي مستمراً لإخراج المستعمر الجديد وكذا الاحتفال بيوم عظيم كافح الشعب اليمني من أجل طرد المحتل وكتابة تاريخ جديد في صفحات نضالاته، إنه اجبر المحتل البريطاني على الرحيل في الـ 30 من نوفمبر 1967م ليكون يوماً تاريخياً وبطولياً خالداً يحتفل فيه سنوياً.
انتهت الإمبراطورية البريطانية
لا يتردد البريطانيون عن الاعتراف بالهزيمة وشراسة الشعب اليمني وجرأته في مواجهة المستعمر البريطاني بكل بسالة وشجاعة، ونتيجة لذلك النضال الجسور في مواجهة أعظم دولة في العالم وبكل ما تملكه من أسلحة فتاكة وعتاد متطور، انتزع اليمنيون الاستقلال والحرية وأصبح عام 1967م نقطة تحوّل حقيقي في التاريخ بالنسبة للشعب اليمني وحوّل ذلك العام الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى مملكة يلاحقها الظلام وكسوف شمسها عن الأرض اليمنية.
نقطة تحوّل
في تصريح صحفي في العام 2003م لم تتلكأ أو تتردَّد السفيرة البريطانية لدى اليمن “فرانسيس جاي” عن قول الحقيقة والاعتراف بعظمة وقوة ونضال الشعب اليمني تجاه المحتل البريطاني وما أظهره من تحد وعزيمة في مواجهة “البريطانيين” وصولاً إلى الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م.. تقول السفيرة “فرانسيس” في ذلك التصريح الصحفي نصاً: “أعتقد أنه عند خروجنا من عدن انتهت الإمبراطورية البريطانية، كما أنه ونتيجة بقاء الإنجليز في عدن فقد تسبب في وجود جالية يمنية كبيرة في بريطانيا والذين أتى معظمهم بسبب وجود بريطانيا في عدن.. ولقد لعبت عدن دوراً مهماً في المستعمرات البريطانية الأخرى، ولكن العام 1967م كان نقطة تحول في التاريخ البريطاني حيث قررت الحكومة العمالية الانسحاب من شرق قناة السويس بمصر، وأرى أن الانسحاب من عدن كان نهاية الإمبراطورية البريطانية”.
لم تقف السفيرة البريطانية “فرانسيس جاي” عند هذا الحد من الاعتراف العلني لوسائل الإعلام الأجنبية واليمنية والذي نقلته صحيفة الجمهورية الصادرة من محافظة تعز في شهر أكتوبر من العام 2003م.. بل قالت :”إن وجود بريطانيا في عدن اقتصر على الاستفادة التجارية من عدن كميناء، وأن الضغط الشعبي والنضال المسلح لليمنيين هو من عجَّل من خروج بريطانيا من عدن وان البريطانيين لا يزال لديهم نوع من العاطفة تجاه عدن”.
تتويج لنضال ثورة أكتوبر
أتى يوم 30 نوفمبر ليغمر أهل اليمن عموماً بالفرح والسرور والبهجة لرحيل المحتل عن الأرض اليمنية وتتويجاً لنضال ثورة 14 أكتوبر 1963م والتي انطلقت شرارتها من جبال ردفان الشماء واستمرت في العطاء النضالي على مدى خمس سنوات من الكفاح المسلح حتى نيل الاستقلال الكامل في 1967م وجلاء آخر جندي بريطاني من عدن.
ليس من باب الذكرى ولا من باب التذكير أن نكتب أو نتحدث اليوم عن الاستقلال الذي تحقق للشعب اليمني شمالاً وجنوباً في ذلك اليوم المجيد، بل يعد هذا اليوم التاريخي نقطة ضوء للأجيال في مواجهة المحتل قديماً أو حديثاً، فهذا التاريخ نستمد منه دروساً وعبراً ومواعظ وطنية ونضالية في مواجهة المحتل الجديد الذي جاء لينفذ مطامع جديدة ليست ببعيدة عن طموح ومطامع المحتل القديم، هم جاءوا جميعاً من أجل الاستفادة والتجارة وتحقيق الأرباح على حساب الشعب اليمني.
تاريخ أبكى البريطانيين
كما أن الحديث عن يوم 30 نوفمبر، هذا التاريخ الذي أبكى أعظم إمبراطورية في العالم حين أخذت عكازها ورحلت عن أرض الوطن الحبيب وهو ما أكدته السفيرة البريطانية لدى صنعاء.. نعم وبكل فخر نحتفل بعيد 30 نوفمبر لأنه أعطى لليمنيين الحق في الحرية والسيادة والانتصار الكامل دون انتقاص.
بل يأتي الحديث اليوم وكل يوم وعام ونحن نسرد العديد من الحقائق التاريخية واللحظات التي سطرها الرجال الأبطال في مقاومة المحتل وحفرت نفسها في عمق التاريخ فهذا الانتصار كان وسيظل نتيجة طبيعية للثورة اليمنية الواحدة سبتمبر وأكتوبر، ولذلك لم يكن أمام المحتل إلا أن يرحل عن أرض الثوار والاحرار الذين وهبوا أنفسهم فداء للوطن، هؤلاء الثوار هم ذاكرة اليمن الحية وتاريخ يمشي على وجه الأرض، وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن نترحم على كل شهدائنا الذين صنعوا لنا المجد والمستقبل وتركوا اليمن أمانة في أعناقنا لنواصل الدرب في النضال ومقارعة المحتلين الجدد ومن يسعى في خراب ودمار اليمن.. والمضي قدماً في بناء مستقبل البلاد للأجيال الحاضرة والتي ستأتي بعدنا وأن نستفيد من هذا التاريخ الذي صنعه لنا المناضلون والثوار في معرفة أحداث الثورة اليمنية والاستقلال واستخلاص الدروس والعبر للحفاظ على هذا الوطن.
وقبل أن نختم موضوعنا هذا نؤكد على أن البوادر الأولى للمقاومة ومقارعة الاحتلال البريطاني وفقاً للمراجع التاريخية تدلِّل على أن أبناء المناطق الوسطى كانوا يميلون إلى نهج المقاومة ضد أي دخيل أو حاكم أجنبي محتل، حيث ارتبطوا بالمقاومة غير المنظمة متخذين من الشطر الشمالي آنذاك مركزاً ومنطلقاً لهم لمقارعة الاحتلال وإطلاق شرارة الثورة ولإمداد الثوار والمقاومين بالسلاح والعتاد والمال حتى وصلت الثورة ونيرانها ورجالها إلى أحياء ومناطق عدن ومن كل الاتجاهات مع تزايد الوعي الوطني الثوري والنضالي لدى كل فئات الشعب اليمني وفي كل مديريات ومدن اليمن حتى تكلَّل هذا العمل الوطني الجبَّار بالانتصار الثوري وطرد المحتل الغاصب ونيل الوطن الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر عام 1967م.

قد يعجبك ايضا