القضاء وإجراءاته في الإسلام

 

العلامة/عبدالرحمن شمس الدين

الأصل فيه قول الله تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب﴾[ص:26] وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء:58] وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾[النساء:105] وغيرها من الآيات الكريمة وورد في القضاء أخبار مختلفة بعضها ترغيب فيه، وبعضها تنفير عنه، فمن الترغيب قوله صلوات الله عليه وعلى آله: «لأجر حاكم عدل يوماً أفضل من أجر رجل يصلي في بيته سبعين سنة» ولأن فيه أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، ولأن الله تعالى أمر رسوله صلوات الله عليه وعلى آله بالحكم فحكم، وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام، وأئمة الهدى عليهم السلام حكموا؛ ولأن في تركه ضياع كثير من الأموال وتمكيناً لأهل الظلم، وفي ذلك فساد البلاد والعباد، ومن التنفير عنه قوله صلوات الله عليه وعلى آله: «ليأتين على القاضي يوم يود أنه لم يقض بين اثنين في تمرة»؛ ولأنه تحمل تكليف شديد ودخول في خطر عظيم.
ما يجب على القاضي:
يتقيد القاضي في قضائه بمبدأ الحياد.
أن يكون جيّد التمييز فيفرق بين المدعي والمدعى عليه وبين الدعوى الصحيحة والباطلة، صليباً في أمر الله ولا يصرفه الحياء عن الحق فيستوي فيه القريب والبعيد، والشريف والدنيء، والغني والفقير، ولا يكون جباراً بحيث يهابه الخصم فلا يستوفي حقه، ولا هيناً ضعيفاً بحيث يجترئ عليه الخصوم ويطمعون فيه، فيغلب القويٌّ منه الضعيف، ويكون حليماً، وافر العقل، لا يستفزه الغضب، ولا يستخفه الطيش؛ لأن ذلك يؤدي إلى اضطراب رأيه واختلاف تمييزه، فيشتبه عليه الحق بالباطل.
اتخاذ أعوان لإحضار الخصوم المترافعين ودفع الزحام والأصوات عن موقفه.
التسوية بين الخصوم في السلام والكلام، والمصافحة والتعظيم والإقبال والسماع، ورفع الصوت إلا على من ساء أدبه، أو تعدى على صاحبه، ويساوي بين الخصمين في المجلس ولو أحدهما مؤمناً والثاني فاسقاً، إلا بين المسلم والذمي، فيرفع مجلس المسلم.
سماع الدعوى أولاً من المدعي، ثم الإجابة من المدعى عليه.
التثبت في الأمور وهو أن يتفهم الدعوى ما تضمنت وهل هي صحيحة أم لا؟ وفي حكم الجواب هل أفاد الإقرار أم لا؟ ثم في الشهادة وما يصح العمل بها وما لا يصح، ثم في كيفية تحليف المدعى عليه وما ترد منها وما لا ترد.
الطلب من المدعي تعديل بينته المجهولة، وبعد تعديل البينة وتمكين المشهود عليه من الرد عليها يطلب من المنكر درئها، ويمهله ما رأى.
حجز القضية لإصدار الحكم عند صلاحيتها له للنطق به.
إصدار الحكم بعد استكمال المرافعة.
الأمر للمحكوم بتنفيذ الحكم إذا طلبه المحكوم له.
حبس من تمرد من تسليم الحق إذا طالبه صاحب الحق.
ما يندب للقاضي:
الحث للخصمين على الصلح بقدر استطاعته.
ترغيب الخصمين إلى التصادق في المدعى فيه، وبعد التصادق وثبوت الحق يرغب من له الحق بعد إعلامه بثبوته على إسقاط بعضه على جهة المسامحة وطيبة النفوس.
اتخاذ عدول ذوي خبرة بالناس يسألهم عن حال من جهل متكتمين.
ترتيب الواصلين إلى مجلس الحكم الأول فالأول.
تمييز مجلس النساء عن مجلس الرجال.
تقديم سماع حجة أضعف المدعيين جسماً أو عشيرةً، إذا كان كل واحد منهما مدعياً ومدعى عليه، وتقديم حجة ساكن البادية على ساكن الحاضرة.
ألا يجهد نفسه، بل يجعل لنفسه وقتاً يستريح فيه عن الناس.
استحضار العلماء في مجلسه الإجتماعي، أو حضوره مجلس العلماء؛ ليتراجعوا فيما التبس أمره.
ما يحرم على القاضي:
تلقين أحد الخصمين حجته، إلا أن يأمره بتقوى الله تعالى، والإنصاف لخصمه، وتلقين شاهده إلا تثبتاً منه بأن يقول: صحح دعواك أو شهادتك.
الخوض مع أحد الخصمين في قضيته؛ لأن ذلك يورث التهمة.
أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر.
الحكم بعد الفتوى منه في تلك المسألة.
الحكم في حالة تأذٍ بأمر من الأمور أو ذهول.
الحكم لنفسه أو شريكه في التصرف على غيره، بل يرافع إلى غيره.
يحظر على القاضي فتح نزاع حسم بحكم قائم صدر من ذي ولاية قضائية، أو من محكم صالح للحكم متراضي عليه، أو فتح نزاع في شيء قد تراضى به الطرفان موافقاً للشرع.
ليس للقاضي أن يقضي بعلمه المستفاد من غير مجلس قضائه.
للقاضي القضاء باليمين مع الشاهد الواحد في الحقوق والأموال.
للقاضي القضاء بالشهرة في النسب، والنكاح، والموت، والوقف.
يجوز للقاضي أن يحكم على غائب بريداً أو صغيراً أو مجنوناً بعد النصب عنهم حيث لا ولي ولا وصي.
إذا كان الغائب في مكان مجهول لا يعرف أين هو، أو كان في موضع لا ينال أو كان حاضرا في البلد، وهو متمرد عن الحضور إلى مجلس الشرع فللحاكم أن يحكم عليه بعد الإعلام، وينصب عنه من يجيب الدعوى وغيرها.
إذا قامت الشهادة على غائب ثم حضر قبل الحكم لم تجب إعادة الدعوى والبينة، بل يملى عليه ما قد تم من إجراءات في غيابه؛ لإبداء ما لديه.
للقاضي الإيفاء من مال الغائب والمتمرد والمجهول مكانه والذي لا ينال، وإن احتاج إلى بيع شيء منه باعه مع التكفيل من المطالب بذلك.
ليس للقاضي وقف التصرف في المتنازع عليه، أو رفع يد الثابت عليه إلا بحكم رضائي أو قضائي، وله وقف المتنازع عليه الذي لا يد لأحد الخصمين عليه في الحال.
إذا اختلف الخصمان في الحاكم الذي يتحاكمان إليه، فالحق للمدعي، فيجاب إلى من طلب إليه، إذا كان في البريد أو دونه، لا فيما فوق البريد إذا كان في البريد حاكم غيره.
إذا كان الخصمان اعجميين أو أحدهما، والقاضي عربي أو العكس، فلابد من عدلين للترجمة.
إذا تعارض الحكمان فإن أمكن الترجيح فهو الأولى كأن يكون أحدهما عاماً والآخر خاصاً عمل بالخاص فيما تناوله وبالعام فيما بقي وإن حصلت قرينة تدل على بطلان أحدهما عمل بها، أو قامت قرينة على انتقال ملك صاحب الأول عمل بالآخر، وإن تعارضا من كل وجه ولا مرجح، قسم.
ما ينعزل القاضي:
بالجور وهو: الحكم بغير الحق عالماً، أو من غير تثبت بل هجوماً وخبطاً وجزافاً ولو وافق الحق.
ثبوت الإرتشاء.
إذا خالف القاضي أصول مهنته وآدابها المنصوص عليها في هذا النظام، أو أخل بشرفها حوكم جنائياً أو تأديبياً.
(الحكم)
الحكم: هو فصل الخصومات ممن له الولاية بحكم الشرع إلزاماً وبطرق مخصوصة.
(أركان الحكم )
أركان الحكم أربعة:
أن يكون مكتوباً باللغة العربية ومشتملاً على البيانات والمكونات اللازمة له.
أن يكون صادراً ممن له الولاية.
أن يكون صادراً في خصومة معينة، أو مسألة متفرعة عنها، ومعنى صدوره في خصومة: أن يتنازع خصمان أو أكثر حول حق ما أمام القضاء ليفصل بينهما بحكم للنزاع.
أن يكون حاسماً لما صدر بشأنه غير مقيد بوقت ولا معلق على شرط منهياً للخصومة.
الحكم لا يكون معدوماً إلا إذا انعدم ركن أو أكثر من تلك الأركان.
أما إذا شاب أيَّ ركن منها خللٌ فيكون الحكم باطلاً؛ إذ أن الحكم يدور مع أركانه وجوداً وعدماً، صحة وبطلانا.
(أقسام الأحكام)
أقسام الأحكام ثلاثة:
الحكم الصحيح: وهو الحكم السليم شكلاً وموضوعاً، ولا يكون الحكم كذلك إلا إذا كان فاصلاً لما صدر بشأنه، مصيباً فيما قضى به شرعا، مانعاً للظلم الواقع على الخصم من خصمه، متقن البناء، محكم الصياغة.
الحكم الباطل: وهو الحكم المختل موضوعاً، أو الذي شاب الخلل ركن من أركانه وإن كان سليماً شكلاً.
الحكم المعدوم: وهو الحكم الذي انعدم ركن أو أكثر من أركانه.
(المراحل التحضيرية لإصدار الحكم)
تتمثل المراحل التحضرية لإصدار الحكم في مرحلتين:
المداولة.
تحرير مسودة الحكم.
(المداولة)
هي تناول أعضاء الحكم مجتمعين للقضية المحجوزة للحكم بالبحث والمناقشة السرية لوقائعها، ولأسباب الحكم ومنطوقه.
ومن الشروط الواجب توافرها لضمان صحة المداولة الآتي:-
إقفال باب المرافعة.
اكتمال هيئة الحكم إذا كان هناك أكثر من قاضٍ، وعند تعذر اكتمال هيئة الحكم للتداول لأي سبب كان وجب على هيئة الحكم أن تعيد فتح باب المرافعة كي تتم بحضور عضو الهيئة الجديد.
لا يجوز للمحكمة أثناء التداول أن تسمع أحد الخصوم، أو أن تقبل أوراقاً في الخصومة دون اطلاع الخصم الآخر وإلا كان العمل باطلاً.

قد يعجبك ايضا