قتل الأصل فرعه.. جريمة بشعة تستوجب الإعدام

عبدالرحمن الزبيب
انتشرت وبشكل خطير جرائم قتل الأبناء من قبل الآباء وآخرها الشخص الذي قام بقتل بناته صغيرات السن، وذلك بإغراقهن في خزان مياه، وقبلها كثير من جرائم القتل التي انتشرت اخبارها في وسائل الاعلام وتطرق لها عدد كبير من القانونيين والناشطين ومنهم الاستاذه هيفاء وغيرهم، وطالب الجميع باتخاذ إجراءات رادعة للحد من استسهال البعض في جريمة القتل بمبرر أن القتيل ابنه أو ابنته.
ثار المجتمع وصدم بهذا الخبر الخطير الذي يهدد سلامة وأمن المجتمع، والجميع يتوقعون إنزال اشد العقوبات بحق هذا القاتل الذي سمحت له نفسه بأن يقتل بناته الصغار بإغراقهن في خزان مياه بشكل متعمد.. كيف طاوعته نفسه؟ كيف استطاع ان ينظر إلى اعينهن وهن يغرقن وتفيض أرواحهن كيف قام بجرجرتهن نحو خزان المياه؟ لم تكن البنات يتوقعن ان يقوم والدهن الحبيب بهذه الجريمة البشعة.. البعض يطرح ان هذا يعتبر مؤشرا على عنف قائم على النوع الاجتماعي واستضعاف الرجل بناته لقتلهن كونهن فتيات ولو كانوا صبيانا لم يكونوا ليسمحوا لوالدهم باغراقهم في خزان المياه.
الجميع في المجتمع يتوقع ان هذا المتهم سينال عقوبة صارمة اقلها الاعدام ولا يعرفون أن القانون يحميه، نعم القانون يحمي القاتل بسبب خطأ في نصوص قانون العقوبات يسهل افلات المجرم من العقاب لأنه قتل اطفاله, ولا يقتل الاصل بفرعه وووو… الخ.
ناقشنا هذا الموضوع مع بعض الاصدقاء ووصلنا إلى ان من يقتل اطفاله يستحق الاعدام تعزيراً كونه خان الامانة وهؤلاء الاطفال أمانة عنده وأي تفريط فيها أو إزهاق لارواحهم يجعل من ذلك ظرفاً مشدداً يستوجب تشديد العقوبة وليس تخفيفها.
وللتوضيح نطرح مثالا الحارس الشخصي اذا قام بقتل من يقوم بحراسته، كيف تكيف جريمته وهل ذلك ظرف مشدد أكثر من شخص قام بالقتل بعيد عن المقتول ولا صلة له به وهكذا بالمثل الأب أو الام عند قتل أحدهما طفله أو أطفاله يعتبر ذلك جريمة خطيرة وخيانة امانة تستوجب اقصى العقوبات.
الردع الخاص لمرتكبي الجرائم والردع العام للمجتمع لكي لا ترتكب تلك الجرائم هو جوهر القانون وحماية الانسان في المجتمع؟ ولن يتحقق ذلك في ظل وجود ثغرات قانونية في المنظومة القانونية الوطنية تحفز على القتل بسبب ضعف وغياب الردع خصوصاً قتل الاصل فرعة، بمعنى قتل الأب أولاده أو الأم أولادها والاجداد احفادهم، وللأسف الشديد ان المنظومة القانونية الوطنية هي التي فتحت هذه الثغرة الخطيرة التي اهدرت دماء الابرياء.
القرآن الكريم أوضح بجلاء أهمية الردع وأن الردع الحاسم والصارم في وقائع القتل يساهم في الحفاظ على حياة افراد المجتمع، قال تعإلى: ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب ) بمعنى أن القصاص من القاتل يردع افراد المجتمع عن الايغال في دماء الأبرياء لأن القانون سيلاحقه ولن يسمح له بالافلات من العقاب، للأسف الشديد أن القانون الخاطيء هو الذي يسمح للقاتل بالافلات من العقاب وهو يستسهل ازهاق الروح المعصومة.
بالرغم من النصوص القانونية الواضحة في قانون العقوبات الوطني الذي ينص صراحة على الاعدام قصاصاً لكل من يقتل نفساً معصومة عمداً، بمعنى أن الأطفال معصومو الدم ولم يتم اهدار دمائهم البريئة بمبرر أن القاتل أب أو أم للضحية، كما أن قانون العقوبات الوطني أوضح أنه حتى اذا سقط القصاص لاي سبب يتم إعدام الجاني تعزيراً في حالات ثمان أوضحها كالتالي :
يجوز أن يصل التعزير إلى الاعدام اذا:
1 – كان الجاني معروفا بالشر.
2 – ارتكب الجريمة بوسيلة وحشية.
3 – كان الاعتداء على شخصين أو أكثر.
4 – سبق أن ارتكب جريمة قتل عمد.
5 – كان الفعل توطئة لارتكاب جريمة أخرى.
6 – تم إخفاؤها.
7 – كان الاعتداء على امرأة حامل.
8 – كان الاعتداء على موظف أو مكلف بخدمة عامة اثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته أو خدمته.
ومعظم هذه الحالات تتوافر في من يقتل اطفاله، لذلك يستلزم أن يتم إعدامه تعزيراً واعتبار ذلك ظرفاً مشدداً.
وللتوضيح اكثر نورد نص المادة المشار إليها آنفاً في قانون العقوبات الوطني وهي كالتالي :
المــادة(234): من قتل نفسا معصومة عمدا يعاقب بالاعدام قصاصا إلا أن يعفو ولي الدم، فإن كان العفو مطلقا أو بشرط الدية أو مات الجاني قبل الحكم حكم بالدية ولا اعتبار لرضا المجني عليه قبل وقوع الفعل.
ويشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم وأن يتوافر دليله الشرعي، فإذا تخلف احد الشرطين أو كلاهما واقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم، أو اذا امتنع القصاص، أو سقط بغير العفو يعزر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات.
ويجوز أن يصل التعزير إلى الحكم بالاعدام اذا كان الجاني معروفا بالشر أو ارتكب القتل بوسيلة وحشية، أو على شخصين فأكثر، أو من شخص سبق أن ارتكب قتلا عمدا أو توطئة لارتكاب جريمة أخرى أو لاخفائها أو على امراة حامل أو على موظف أو مكلف بخدمة عامة اثناء أو بسبب أو بمناسبة تادية وظيفته أو خدمته حتى لو سقط القصاص بالعفو.
المــادة(235): اذا عفا ولي الدم مطلقا أو مجانا أو بشرط الدية جاز للمحكمة تعزير الجاني بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، ويجوز ان تصل العقوبة إلى الاعدام في هذه الحالة اذا توافر مع القتل احد الظروف الواردة في الفقرة الثالثة من المادة السابقة.
وبالرغم من تلك النصوص القانونية الواضحة في المنظومة القانونية الوطنية العقابية الا انه للاسف الشديد يوجد ثغرات قانونية تحفز قتل الآباء والأمهات أطفالهم وإفلاتهم من العقاب, ما يستوجب إعادة النظر في هذه النصوص الخاطئة التي اهدرت دماء الاطفال الابرياء وحفَّزت استسهال قتلهم وإفلات القتلة من العقاب.
حيث نص قانون العقوبات الوطني على عدم عدم القصاص من الاصل بفرعه وتحويلها إلى جريمة غير جسيمة ودية وأرش وعدم الاعدام.. كنا نتوقع أن هذه النصوص جاءت بشكل خاطئ لكنها تعمَّدت تشريع افلات القتلة من العقاب وحرمان الضحايا من العدالة والانصاف، بمبرر أن القاتل هو أب أو أم الضحية ويا لبشاعة هذه الجريمة لكنا تفاجأنا بأنه لا يوجد نص واحد فقط يشرعن افلات قتلة الاطفال من العقاب بل مادتين قانونيتين هما المادتان ( 59 – 233 ) من قانون العقوبات الوطني واللتين نصتا على التالي :
المــادة(233): اذا اعتدى الاصل على فرعه بالقتل أو الجرح فلا قصاص وإنما يحكم بالدية أو الارش، ويجوز تعزير الجاني في هذه الحالة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة في القتل وبالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر أو بالغرامة في الجرح ما لم يحصل عفو.
المــادة(59): لا يقتص من الاصل بفرعه وإنما يحكم بالدية أو الارش على حسب الاحوال.
ربما من قتل بناته الثلاث كان قد طالع تلك الثغرات القانونية التي تسهل افلاته من العقاب، وجميع من سيطالعها ستحفزه للقتل، لأن دماء الاطفال البريئة مهدرة اذا كان القاتل والدهم أو والدتهم حتى الوحوش المفترسة في الغابات تحمي اطفالها من أي اعتداء ولا تقتلهم لانه لا يطبق هذا القانون في الغابات وعند الحيوانات، وانقلبت المعادلات حيث كان يقال للقوانين الخاطئة قانون الغاب، ولكن هنا قانون الغاب اكثر عدالة وإنصافا من قوانين الحضارة الانسانية التي تشرعن قتل الاطفال وتهدر دماءهم بمبرر أن القاتل أب أو أم الضحية.
نقاش طويل وطويل جداً من المفترض ان يتمخض عنه تعديلات قانونية عاجلة تلغي هذه النصوص التي تفتح ثغرات كبيرة لتحفيز القتل في المجتمع وتحول القانون من حام وحارس للانسان إلى مهدد وحافز للقتل.
ارتفاع جرائم قتل الآباء أطفالهم والأمهات أطفالهن لن يتوقف الا بردع قوي وحاسم ضد من يخون امانة الله ويفرط فيها ويعتدي عليها.
وفي الأخير :
اناشد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بسرعة الاهتمام بحماية أرواح المواطنين وتعديل النصوص القانونيه المهددة لحياتهم والمحفزة على القتل تحت مبرر لا يقاد الاصل بفرعه والذي يستغله الكثيرون كثغرة قانونية للقتل والافلات من العقاب وأن يتم اعتبار ذلك ظرفاً مشدداً يشدد العقوبة لا يخففها.
ارتفاع عدد حالات ووقائع القتل في جميع المحافظات والمناطق يستوجب أن يدق ناقوس الخطر، ليس فقط لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، بل لمعالجة اسبابها التي تجعل منها ظاهرة خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع، ومن العيب ان يكون القانون حامياً وحارساً للقاتل وبوابة كبيرة للافلات من العقاب وآخر الوقائع قتل أب بناته الثلاث صغيرات السن بإغراقهن في خزان المياه, والجريمة رغم بشاعتها إلا أن القانون الذي يشرعن ويسهل تلك الجريمة ابشع من الجريمة نفسها، وإن تتم معالجة الأسباب بسرعة ستتعاظم وتتفشى جرائم القتل بمبرر لا يقاد الاصل بفرعه وستكون الشماعة التي يتعلق بها المجرمون للافلات من العقاب تلك الجريمة البشعة ليست الأولى فقد سبقها الكثيرمن الجرائم, ولن تكون الاخيرة بل سيتلوها طوفان من جرائم قتل الآباء والامهات أطفالهم اذا لم يتم الحسم واغلاق هذه النافذة والثغرة السوداء التي شوهت المنظومة القانونية العقابية وانحرفت عن حماية الانسان إلى تهديد حياته، سيتفكك المجتمع وتتلاشى الثقة بين الآباء والامهات واطفالهم، وسيتحول الأمن والامان في احضانهم إلى خوف وفزع من القتل سيفقد الاطفال اهم عناصر الامان ويتحول الامن إلى خوف وفزع وتهديد وتتفشى الامراض النفسية الخطيرة بسبب تلك النصوص القانونية الخاطئة.
يجب أن يتوقف تمييع وتبرير انتهاك حق الإنسان في الحياة تحت أي مبرر، فليس بمبرر أن القاتل أب أو أم تهدر دماء الأطفال، من يفترض به ان يحمي أولئك الاطفال هو من يزهق ارواحهم، هذا ظرف مشدد للعقاب يستوجب العقاب الصارم المشدد وليس ظرفاً مخففاً كون قتل الاصل فرعه جريمة بشعة وخيانة تستوجب التعزير الصارم والعدالة.

قد يعجبك ايضا