الجولان السورية والقرارات الدولية والدور العربي

مطهر يحيى شرف الدين
أصبحت البلطجة وعشوائية السلوك السياسي الدولي سيدة الدبلوماسية في العالم وأصبح التهديد والتلويح باستخدام القوة واستعراض العضلات أهم سمات سياسة ترامب الخارجية التي تبدي تأييداً منقطع النظير للمخطط الإسرائيلي الذي يرمي إلى احتلال وبسط شامل لمرتفعات الجولان. إذ ترى إسرائيل في الهضبة أهمية بالغة وأن السعي لاحتلالها أمر لا بد منه. كما تعتبر قضية الجولان من أولويات إسرائيل في هذه المرحلة. بل إن فرض إعادة الجولان إلى السيادة السورية يعرض إسرائيل للخطر ويحطم أحلامها ومخططاتها ولن تقبل هذه الأخيرة أن تكون الهضبة حق لأي بلدٍ عربي.
فللجولان أهمية استراتيجية واقتصادية، فهي تطل على بحيرة طبرية والجليل وتتحكم بالطريق المؤدية إلى دمشق ولها حدود مع الأردن ولبنان. ولذلك ولكي لا يتجه السوريون نحو رحمة الاحتلال وسلطته فإنه يجب عليهم البقاء في وطنهم والحفاظ على هويتهم واثبات انتماءهم العربي إلى أرضهم الجولان.
كما أن صمودهم أمام المحتل الإسرائيلي هو ما يجب أن يكونوا عليه كنوع من مقاومة ومواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي، فليس إعلان ترامب سيادة إسرائيل على هضبة الجولان الذي يعتبر في كل الأحوال مجرد حبر على ورق هو الأول كقرار أحادي الجانب ومعارض لقرارات مجلس الأمن الدولي،
فقد قررت إسرائيل تطبيق قانونها في العام 1981م بضم الجولان إلى إسرائيل واعتبارها جزءاً لا يتجزأ منها في مخالفة لقرارات مجلس الأمن رقم ( 242. 338 ) التي تشير إلى أن هضبة الجولان أرض سورية محتلة وأن احتلالها غير قانوني ولا بد من احترام السيادة السورية على الجولان.
ففي العام 1974م صدر قرار مجلس الأمن رقم 338 الذي تم فيه دعوة جميع الأطراف المعنية بتنفيذ القرار رقم 242 الصادر في 1967م الذي تمت الإشارة فيه إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها.
كما تم التأكيد في القرار على عدم القبول بالاستيلاء على الأراضي بواسطة الحرب وأنه يجب العمل على إقامة سلام عادل ودائم مع اعتراف واحترام سيادة وحدة أراضي كل دولة على أراضيها. كما أن القرار رقم 497 الصادر عن مجلس الأمن سنة 1981م قد دعا فيه إسرائيل المحتلة إلى إلغاء وإبطال قرارها بضم مرتفعات الجولان الذي ليس له أي أثر قانوني دولي. كما جاء في القرار أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ولذلك فإن ثمة تحديات كبيرة في المنطقة تواجه سوريا خصوصاً والعرب عموماً إزاء محاولة تمرير جزء من صفقة القرن الترامبية، إذ يعتبر قرار ترامب إعلان سيادة إسرائيل على الجولان تأسيساً لعمليات استفزازية هوجاء وتعزيز فرص اليمين المتطرف وتمهيد الطريق للنتن ياهو في خوض الانتخابات وفتح شهيته لالتهام ما تبقى من مساحة هضبة الجولان في تخل وانتهاك للقرارات والمعايير الدولية.
فمن منظور ترمب وإسرائيل ليس هناك اعتبار لأي قرارات دولية بشأن الجولان أو تاريخ مليء بالمعاهدات والمفاوضات مما يجعل ممارساتهم تلك بمثابة إهانة للقوانين والأعراف الدولية. وكما قال السيد حسن نصر الله : ” إن عبارات الإدانة والاستنكار لقرار ترامب لم تعد تجدي نفعاً والموقف العربي بحاجة إلى شجاعة ورجولة ولا نستبعد أنه بسبب الصمت العربي أن يعترف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية “.
وإذا كانت قرارات مجلس الأمن قد اعتبرت القرار الإسرائيلي بشأن مرتفعات الجولان لاغية وباطلة فمن الطبيعي أن يكون قرار ترامب بشأن سيادة إسرائيل على الجولان مجرد صوت فقط وليس له أي أثر عملي أو قانوني. لكن ما نستطيع القول أن ما قصده ترمب من اتخاذ ذلك القرار إنما هو لدلالات مقصودة وهي رسالة تحمل في مضمونها استفزاز الشارع العربي وجس نبضه ومعرفة ردة فعله. فإذا كان الصمت العربي إزاء ذلك القرار هو الموقف وهي ردة الفعل فسيسعى الاحتلال دون شك إلى تكثيف حملته في تضييق الخناق على الوطنيين الأحرار المتمسكين بالهوية السورية وملاحقتهم وطردهم أو سجنهم وتعزيز إقامة المستوطنات اليهودية والترويج والادعاء بما يسمى جغرافية إسرائيل الطامحة إلى مزيد من المساحات والمواقع الإستراتيجية في المنطقة.
إضافة إلى ذلك ما سيجعل ترمب أكثر تمادياً في دعم توسع الاحتلال وسعيه إلى ضم الضفة الغربية لصالح جغرافية إسرائيل المزعومة. ولذلك فإنه وفي مواجهة المشاريع الاستعمارية يجب على الزعامات والشعوب العربية إن كان لديها نخوة وحمية على الأرض العربية أن يتخذوا موقفاً جاداً وسريعاً إزاء توسع الاحتلال واتخاذ خطوات تصعيدية كعقد قمم عربية طارئة والدعوة إلى إقامة الاحتجاجات الشعبية المعارضة والمناهضة للمحتل وتسيير المظاهرات المنددة للقرار الأمريكي ومطالبة أهالي الجولان بعدم التخلي عن أي شبر من أرضهم. وعمل حملات إعلامية عربية تؤكد عربية الجولان وتثبت سيادة سوريا عليها.
كما ينبغي إزاء ذلك أن يتخذ سكان الجولان إعلان براءتهم من مشروع تسليم الهويات الإسرائيلية وأن يوحدوا موقفهم وألا يفرطوا في أرضهم أو يتخلوا عن أي جزء منها. كما أن عدم اعتراف سكان الجولان بالمجالس المحلية الاسرائيلية سيضعف حُجة إسرائيل في إدعائها بأي حق ترمي إلى تحقيقه ويقيد نفوذها وتحركها على الأرض الجولانية المحتلة.

قد يعجبك ايضا