صفقة التطويع/ عرب إسرائيل 1-2

 

محمد ناجي أحمد

ليس هناك من صفقات مطلسمة ،فكل شيء يترجم على الأرض ،فنحن في الزمن الإسرائيلي بامتياز ،حيث تتجلى الصفاقة الامبريالية الأمريكية بقراراتها دون مداهنة أو مواربة ،فكل ما يمكن إسرائيل يخدم المشروع الغربي ،وما إسرائيل إلاّ كيان وظيفي بدرجة شريك من الدرجة الثانية ، ونسقط في الوهم إذا تصورنا العربة تقود الحصان !
ولأن الصورة التي نشاهدها هي انعكاس لما في الأذهان من تراكم للمعارف والمعتقدات ،فإن علينا أن نتحرر من ذلك الركام الذي أصبح يوجه إدراكاتنا وجهة خاطئة ،حين نضخم من دور الكيان الصهيوني المسمى إسرائيل ،فنزعم أنه هو الذي يصنع القرارات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص .
تنبه الغرب منذ نابليون وهو على أبواب عكا إلى أهمية توظيف الأساطير الصهيونية المتعلقة ب(دولة اليهود ) في فلسطين ، ومنذ تلك اللحظة الامبريالية راكم الغرب هذه الأساطير كي تتخلق ذراعا امبريالية متقدمة في المنطقة العربية والآسيوية .
تماما كما حدث لعرب 1948م من تهجين ،و(أسرلة ) أي تحويل المواطنة الإسرائيلية غاية لعرب فلسطين ،ولم ينالوا من وهمهم الاندماجي سوى أن يلتحقوا هامشا في تخوم المواطنة الإسرائيلية المبنية على اليهودية ،فإسرائيل بحسب تعريف الكيان الصهيوني ،وبحسب وثيقتهم التي سموها (وثيقة الاستقلال) :دولة يهودية ديمقراطية !وهي في كتاب نبيهم (هرتزل ) (دولة اليهود )!وعلى هذه الاستراتيجية سيتم إلحاق العرب كهامش وظيفي وخدماتي في مصلحة الصهيونية ،بمركزها المتقدم حربيا إسرائيل !
ما يقوله الدكتور عزمي بشارة في كتابه (العرب في إسرائيل –رؤية من الداخل ) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2008م وكانت طبعته الأولى قد صدرت في رام الله بعنوان الخطاب السياسي المبتور-عام 1998م- ما يقوله بخصوص (نواب الخدمات) في الكنيست الإسرائيلي ينطبق تماما على الغاية التي سوف يصل إليها بقية العرب لو ساروا وراء سياسة تطويعية مؤسرلة بحجة الواقعية ،وهي في حقيقتها واقعية انهزامية ،لا واقعية نقدية فاعلة !
واقعية منفعلة ومهجنة ،لا واقعية فاعلة ومؤثرة ،ومتفاعلة مع ظروف وتحديات اللحظة كزمن معطى غربيا ، والفرق بين الواقعيتين فرق في الدرجة لا في نوع المواقف .
يقول بشارة “أما الموقف الوطني عند هؤلاء فمسألة تمارس خطابة في الإعلام العربي . فالقوى السياسية “العربية الإسرائيلية ” لا تتخلى عن الرغبة بكسب كافة العوالم ،بما فيها خطاب الولاء لإسرائيل ،والخطاب النضالي الوطني في وسائل الإعلام العربية .ويبدو هذا السلوك ممكنا ،خاصة أنه في ظروف نشوء تيار في الدول العربية المحيطة يجاهر بالتطبيع ،و”يناضل ” من أجل فرص تسوية غير عادلة على الفلسطينيين « .
لقد انتقل الرأي العام العربي إن كان هناك رأيا عاما ،وإنما هناك شارع موجه –من موقف تخوين عرب الداخل إلى موقف اعتبار كل ما يقوله عربي بصوت عال داخل إسرائيل بطولة .في ظل كيان صهيوني ،وإعلام خليجي يوفر لمثل هؤلاء ولغيرهم من القاطنين في إسرائيل حرية تعبير وضجيج ،طالما أن ذلك لا يهدد الكيان الصهيوني بل يخدم مؤسساته ،وتسويقه على أنه ديمقراطي ،تنافسي في انتخاباته .
خطاب (نواب الخدمات ) بحسب توصيف عزمي بشارة لهم ،وهو كان أحد هؤلاء النواب في الكنيست الإسرائيلي ،بل ومرشحا لرئاسة حكومة إسرائيل- لا يعمل على المحافظة على الهوية العربية الفلسطينية ،وينعكس ذلك في لغتهم ،ولكنتهم التي أصبحت مستعربة ،ولا تحول خطاب الحقوق إلى خطاب معاد للصهيونية ،بل تعزز من المؤسسات الصهيونية وقوانينها ودستورها !
يتحدث عزمي بشارة في كتابه آنف الذكر “عن عملية ” أسرلة «موضوعية ناجمة عن البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية ،وأن هذه العملية تولِّد «أسرلة « ثقافية تؤدي إلى تشويه الثقافة العربية ،دون أن تتحول إلى ثقافة عبرية ،كما تتجلى في تحويل الاندماج إلى مطلب، وذلك على هامش دولة تُعَرَّف نفسها كدولة يهودية ،ولا تقبل بدولة مواطنة اندماجية.ص21.
ويعمل الدعم المالي الخليجي ،والغربي على تعزيز نزعات التعايش مع الصهيونية ،دون تغيير في سياسات الكيان الصهيوني .
عمل الحزب الشيوعي الإسرائيلي والحزب الديمقراطي العربي وغيرهما من الأحزاب التي أسسها عرب 48م وحزب العمل بما يفضي إلى أسرلة العرب ، أي تحويل العرب إلى هامش مساعد وخادم للمشروع الصهيوني ،دون أن يكونوا إسرائيليين في المواطنة ،فإسرائيل دولة يهودية ،وهو ما يجعل المؤسرلين في هامش هذا الكيان ،دون اندماج فيه .وهذا هو واقع العلاقة بين إسرائيل ومشيخات الخليج ،من حيث أنها تخدمه وهي على هامش كيانه ومنافعه .

أمضى مؤسس الحزب الديمقراطي العربي عشرات السنين عضوا في حزب العمل « ثم عاد ليبحث عن خصوصية عربية إسرائيلية ،وليؤكد انتماءه إلى الشعب الفلسطيني –ما يجعل الوشائج بين حزب العمل والحزب الديمقراطي العربي مفهومة ،في خداع للواقع المعقد والمركب بحسب تعبير عزمي بشارة في كتابه آنف الذكر « لقد تحول السير الحذر على الحبل الدقيق بين الانتماء إلى الأمة وطلب الأمان في إسرائيل ،إلى فن الرقص على الحبل «ص47.
مع توجه منظمة التحرير الفلسطينية منذ نهاية سبعينات القرن العشرين ،وتبنيها لبرنامج (الدولة الفلسطينية )في الضفة والقطاع «تحول العرب في إسرائيل عمليا إلى قوة ديمقراطية مساعدة داخل المجتمع الإسرائيلي « ص50.
فمن كانوا يوصفون بالمتعاونين والعملاء من عرب 48م صاروا اليوم نجوم القنوات الفضائية العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص ،بل «أبطال النضال»من داخل مؤسسات الكيان الصهيوني !وفي استغفال للعقل الجماهيري يتم تقديمهم على أنهم الصوت المناهض للصهيونية ،فكيف يكون ذلك وهم بصراخهم ومعاركهم الانتخابية يعززون من قوة المؤسسات الصهيونية في إسرائيل! أو أليست إسرائيل (عام إسرائيل ) تعني (شعب إسرائيل ) أي (الأمة اليهودية )فقط ،وبالتالي فالفلسطيني لا يشكل مع اليهود أمة إسرائيل بل يظل ضمن التعريف الصهيوني (غير اليهود ) وهذه هي المهانة التي تقودنا إليها مشيخات التطبيع والكيانات العربية التي تدور في فلك الصهيونية .
إن توصيف من يشاركون في الانتخابات الإسرائيلية بعرب إسرائيل توصيف دقيق ،سواء من يشاركون في الانخراط الطوعي في الجيش الإسرائيلي ،أو الانخراط في الكنيست الإسرائيلي .فهؤلاء لا يريدون أكثر من أن يتسع لهم الكيان الصهيوني كمهمشين يعيشون في تخوم المواطنة الإسرائيلية،فيقاطعون جلسات البرلمان ويقاطعون رؤساء الحكومات والوزراء «فهل هذا دليل على وطنية فلسطينية ،أم دليل توطيد الجانب الإسرائيلي الواثق في النفوس المبتورة ؟أم هو تقليد عربي للإسرائيلي الواثق من نفسه في دولته ؟ العربي الإسرائيلي يمثل دور الإسرائيلي ؟ومن ناحية أخرى تراهم يهنئون الوزراء والرؤساء في يوم (استقلال إسرائيل)في حفلات أعدت خصيصا للتهاني «بالعيد …تسمح إسرائيل للعربي الإسرائيلي لا بتهنئتها من خارج الاحتفال فحسب ،وإنما بالمشاركة في الحدث المركزي ليوم الاستقلال .لقد أفردمكان لعربي واحد في كل مرة لإشعال واحدة من الاثنتي عشرة شعلة التي تمثل قطاعات الحياة المختلفة في إسرائيل « ص63. هذا هو المشهد المصغر داخل إسرائيل الذي يتم تطويع جماهير الدول العربية للانخراط فيه بإكراهات فضائيات عربية وعالمية ،ومواقع التواصل الاجتماعي ،ومواقع مختلفة في شبكة الانترنت !
هذا هو المنحدر الذي يتحدث عن الفرص المهدرة ،وما من فرص سوى محطات عديدة في طريق الصهينة والاستسلام . من جلد الذات العربية لأنها رفضت تقسيم فلسطين ،إلى فرض واقع هزيمة 5حزيران 1967م ،إلى أوسلو وحكم ذاتي قطاع غزة والضفة الغربية ،،وأصبحت غاية الفلسطيني داخل الخط الأخضر هي أن تقبل به إسرائيل على هامش مواطنتها اليهودية !
شرط أن يقبل الفلسطيني في إسرائيل بكونه وفق التعريف الصهيوني (غير يهود) ،ليسوا قومية ولا أقلية ولا مواطنين ،بل (غير يهود) .
يرى عزمي بشارة في كتابه آنف الذكر أن ما يحدث في فلسطين داخل الخط الأخضر هو قبول بالدولة اليهودية على أساس أن ذلك تعامل مع الواقع ،ويتساءل ما هي الثقافة إن لم تكن كيفية التعامل مع الواقع ؟ «هذا النوع من التعامل مع الواقع هو الثقافة العربية الإسرائيلية –أو ما أسميه بعميلة الأسرلة –وهي باختصار عملية التشكيل الثقافي والنفسي للقبول بوضع نصف مواطن من ناحية ونصف جماعة من الناحية الأخرى…الواقع مثل التعامل معه ليس معطى.وإنما ناشئ ومتكون ،والقبول به جزء من تكونه «ص70.
رفع العلم الإسرائيلي بمناسبة ما يسمى ب(عيد الاستقلال ) في إسرائيل من قبل الفلسطينيين في الداخل ،وبصورة ملفتة في تسعينيات القرن العشرين وما بعدها ،يعكس التشوهات التي وصلنا لها باسم الواقعية «ظاهرة رفع العلم الإسرائيلي على السيارات العربية احتفالا(!!)بيوم الاستقلال ظاهرة مشوهة ومتناقضة ،ولكن هذا التحديد وحده لا يجدي لأنه يتجاهل دلالاتها ومدلولاتها .إنها محاولة تظاهرية لإبراز الهوية الإسرائيلية .ورغم إدراك المواطن العربي أنه لا يمكن أن يكون إسرائيليا كاملا ،فإنه مستعد لأن يحتفل بكونه نصف إسرائيلي ،أي عربي إسرائيلي « ص77.
المشاركة في المعركة الانتخابية في إسرائيل بوهم أن ذلك يجعل العرب أكثر تأثيرا بحسب عزمي بشارة عضو الكنيست الإسرائيلي سابقا ،والمقيم في قطر حاليا «يحولهم إلى عرب إسرائيل» لا أكثر .وبشروط عديدة منها عدم دعم الكفاح المسلح لدولة أو شعب ضد إسرائيل ،ومنع أي حزب من المشاركة في الانتخابات لا يعترف بإسرائيل دولة يهودية ديمقراطية .أي الاعتراف بأنه ليس جزءا أصيلا من كيان (دولة اليهود).
هي انتخابات تجرى وفق قرار أن «جوهر الدولة هو أنها يهودية ،نظام الحكم فيها نظام ديمقراطي «أي أنها انتخابات يهودية في الجوهر ديمقراطية في الشكل .وعلى هذا فكل المشاركين في الانتخابات الإسرائيلية هم في الجوهر يخدمون (دولة اليهود ) وليس لهم حق المواطنة الإسرائيلية الكاملة ،كونهم غير يهود !
علام الضجة المفتعلة ضد إعلان قرار يهودية الدولة الإسرائيلية،وذلك نص قديم تتضمنه ما سموه(وثيقة الاستقلال) وثابت في قوانين تنفيذية في إسرائيل ،وهل اعتراف أمريكا ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل أو اعتراف بوش الابن بيهودية إسرائيل ،أو اعتراف ترامب بضم الجولان المحتل للكيان الصهيوني –هل هذه الإعلانات تشكل فارقا وجوديا لحقيقة استعمارية مفروضة منذ عقود ؟الأمر ليس أكثر من ترويض وتطويع للعرب كي يعترفوا بالواقع الاستعماري ليس غير !

قد يعجبك ايضا