الشاعر خالد زيد الشامي: الاستعمار انكسر أمام صمود الشعب اليمني وثقافته

أجرى اللقاء/ حاتم شراح

الشاعر من مواليد مدينة الحديدة 1965م حيث درس بها الصف الأول والثاني بحكم عمل والده ثم انتقل إلى العاصمة صنعاء حيث درس بها حتى تخرج من جامعة صنعاء كلية الشريعة والقانون ، بعدها التحق بدبلوم الدراسات السكانية بكلية الآداب لمدة سنتين ليتسنى له بعد ذلك الالتحاق ببرنامج الماجستير بكلية الآداب قسم علم الاجتماع ليحصل على درجة الماجستير بدرجة امتياز عن رسالته الموسومة بعنوان “مكونات وعي الأسرة اليمنية بحقوق الطفل” ، عام 2013م بعدها تقدم لبرنامج الدكتوراه في نفس القسم .
يعمل بجامعة صنعاء ، وتنقل في عدة وظائف إدارية آخرها أمينا عاما مساعدا لجامعة صنعاء .
صدر له من الأعمال الشعرية : 1ـ وهج الفجر بمشاركة مجموعة من الشعراء ،2ـ مسافات 2001م ، 3ـ من ذاكرة الصمت 2002م ، 4ـ ويبدأ الكلام 2004م ، 5ـ أقمار لسماء واحدة 2006م ، 6ـ ثلاثية الماء والرمال 2010م ، وله مجموعة تحت الطبع بعنوان “من المهد إلى الميلاد”.
له العديد من الابحاث العلمية ، والاجتماعية
وله ديوان غير مطبوع خاص بالأطفال، إضافة إلى ديوان قصائد الثورة (تحت الطبع)
كتب في العديد من الصحف اليمنية من بداية الثمانيات .
شارك في كثير من الصباحيات والأمسيات الشعرية والمهرجانات كما أن له حضور في الساحة الثقافية ، وله دور في تنظيم المهرجانات والفعاليات الثقافية في جامعة صنعاء .
وهو عضو في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وعضو في نقابة المحامين اليمنيين.
كان لنا معه هذا اللقاء الشيق الذي تناولنا فيه عدداً من القضايا واستعراضنا تجربته الشعرية .. وإليكم الحصيلة:
* الاستاذ / خالد زيد الشامي من الشعراء الذين كان لهم حضور في فترة كانت تعج بالشعراء منذ الثمانينيات حتى اليوم، نريد منك أن تحدثنا كيف كانت بدايتك مع الشعر ؟
– بدأت الشعر في سن مبكرة متأثرا بقراءات شعرية لعدد من الشعراء سواء القدامى مثل المتنبي، ابن الفارض ، جرير ، أو المعاصرين مثل الجواهري ، و الأخطل الصغير ، و البردوني ، والمقالح ، والسياب ، وسعيد عقل ، وغيرهم ثم ازداد تعلقي بالشعر عندما التقيت بالعديد من الشعراء في العاصمة صنعاء وبحكم سكني في المدينة ، وكنا نشارك في إحياء بعض الفعاليات والأمسيات الشعرية ، في عدد من المؤسسات الثقافية ، وفي جامعة صنعاء على وجه الخصوص .
توظيف القصيدة
* أين تجد نفسك بين الشعراء ؟
– أجد نفسي مع الذين مازالوا يحبون الشعر ، ويستنشقون القصيدة ويتوقون إلى كتابتها ، ويخلصون لها على أن لا تظل ترفا ، ولا أظل أدور مع الشعر بلا طائل ، فالقصيدة التي تصل إلى الناس أو تكتب اللحظة ، وتشارك في الهم العام هي القصيدة المطلوبة والتي طالما بحثنا عنها ، ولم تهيأ لها الظروف ، ولكن في ظل هموم حقيقية على الشاعر أن يقتصها ، ويشارك بما يستطيع في توصيف وتوظيف القصيدة ويجعل منها ولها شأنا عظيما .
* ما هو الانطباع الذي يجده الشاعر بعد كتابته للقصيدة ؟
– أجدني بعد أن أكتبها في راحة نفسية ، لأني قلت ما كان يدور في خواطري.
* هل أخذ منك العمل الإداري شيئأ حال بينك وبين القصيدة ؟
– لقد أخذ مني العمل الإداري وإخلاصي للوظيفة العامة الوقت والعمر حيث قضيت في الوظيفة العامة 33عاما ، ولم أستطع التفنن الكامل في كتابة القصيدة ولكن الشعور الحي الكامن في داخل الشاعر كان يعينني ويساعدني على أن أكتب وإن انقطعت لفترات قد تطول وقد تقصر .
* فعلا ، لقد كتبتم في نهاية الثمانينيات والتسعينيات وما بعد الألفين ما عَنَّ لكم من الشعر كيف تجد الشعر الآن ؟
– أجده ثورة حقيقية تتزامن مع الثورة التي يعيشها البلد ، أجده وقد تجدد فيه الشباب ، وأصبح هناك من الشعراء من يشكل لغة طالما حلمنا بها ، واشتقنا إليها ، فتغلب الشعر الثوري والجاد على الشعر التأملي المنكفئ على الذات ، سواء في شعراء الفصيح أو الشعبي .
* أجد في دواوينك الشعر الفصيح غير أن لك في معظم دواوينك قصيدة أو اثنتين أو ثلاثا على الأكثر من الشعبي والحميني ، ما الذي تجسده لديك القصيدة الشعبية في ظل هذا الزخم العام لهذا النوع من الشعر؟
– كما لاحظت في الدواوين إجمالا هناك خليط من الشعر الفصيح والشعبي لكن كانت القصيدة كما شاءت أن تكون يحاول الشاعر أن يلقيها بأي صفة ونوعية ، وهي التي تفرض نفسها ضمن سياقات زمانية ومكانية معينة ، فأحيانا نبحث عن القصيدة الشعبية أو الفصالفصحىيحة ، فنكتبها ، وأحيانا لمناسبات شتى تهاجمنا القصيدة فتعطي للشاعر خيالا جديدا لأن موضوعها ونوعيتها تفرض نفسها ، في لحظة معينة ، وبالتالي عندما جاء عصر الثورة ـ وأخص ثورة 21سبتمبر ـ وجاء شعر الثورة ، وجاء شعراء ولدوا كبارا وكبرت معهم أحاسيسنا ومشاعرنا وتطلعات الناس وهمومهم ، واكتملت الصورة الفنية الشعرية الرائعة بوجود لطف القحوم رحمه الله وعيسى الليث صاحب الحنجرة الذهبية والجبهة القتالية المتحركة في كل بيت ومدينة وقرية وساحة وفي جبهات القتال ، وبالتالي هذه المرحلة لاشك أنها أضافت للشاعر اليمني ، مثلما أضافت لي ولغيري الكثير لأنها لغة متعددة الجوانب ، فهي لغة شعرية ، يقولها ثوار ، لغة سماعية ، ينشدها ثوار أيضا ، يصدحون بهموم الشعب وتطلعاته .
* إذاً ما دام الأمر كذلك هل من فجوة بين اللغة الشعرية في مرحلة ما قبل الثورة وما بعدها ؟
– استطيع أن أقول عدم وجود فجوة ، ولكن وجد ما هو أهم ، فعلى سبيل المثال كنا نصدر دواووين كشعراء ، ولكن نادرا ما كان هذا الديوان يشبع رغبة القارئ والمتلقي ، لأنها كانت تصدر عن هم ذاتي ، وهموم الشاعر فقط ، وإن جاء هذا أمرا بديهيا ، باعتبار أن الشاعر يختزل عالمه الخاص ، ويريد من الآخر أن يشاركه في هذا العالم ، الذي يرسمه، فبالرغم من كثرة الدواوين التي يكتبها الشاعر لا يقرأ إلا نادرا، ومن خلال الأصحاب والمهتمين بالشعر ولقصائد معينة يرغب القارئ في قراءتها، أما ،يقال على لسان الشعراء في الوقت الحاضر فهو هم عام ، يظهر الموروث الشعبي ويظهر بواطن النقاء والأصالة للثقافة اليمنية ، ويقول للعالم إن تراث هذا الشعب ومخزونه الثقافي قادر على أن يذكي العقول والأفئدة ، لهذا تجد جمهورا واسعا وعريضا حتى من صغار السن والأطفال يتلقفون ويحفظون كثيراً من القصائد، لأنه يعبر عن هوية شعب يدافع ببسالة وشجاعة عن تراثه وتاريخه وأصالته ، ولهذا فأي شعب يمتلك حضارة وأصالة يستطيع أن يصل إلى العالم بلغته ، بل ويتصدى لأي ثقافة تدميرية تحاول أن تطمس هويته وثقافته وتاريخه .
* أشتم من كلامك رائحة علم الاجتماع ، من هنا هل تجد ثمَّة علاقة بين الشعر وعلم الاجتماع ؟
– علم الاجتماع هو جانب أدبي ومعرفي ، وابن خلدون من أكبر علماء الاجتماع، بل يكاد يكون المؤسس ، تحدث عن لغة المجتمع والعمران ، وكان يصف المجتمع بكل جوانبه ، دولة ، وشعبا ، وتاريخا ، ولغة ، وثقافة ، ويغوص في لغة المجتمع بكل جوانبه ، لكن المشكلة أن علماء الاجتماع العرب اعتمدوا على النظرة الغربية المحضة ، التي تجعل من مناطق العرب ودولهم محط تجارب لاستخدامها في تهيئة استعلائية وتطويع البلدان ذات الحضارة والتاريخ للأقوى ، لكن بلداً كاليمن أثبت على مدار التاريخ القديم والحديث أنه غير بلدان أخرى تم تطويعها.
استهداف الثقافة والمجتمع
* في ظل هذا الوضع الراهن هناك استهداف للبنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع لتحقيق الاهداف الاستعمارية ، ما دور الشعر في مقاومة هذه المشاريع ؟
– الاستهداف لبلد عظيم كاليمن لم يتوقف منذ قرون خلت ، لاسيما الاستعمار البريطاني الذي نعاني الآن اسقاطاته في بعض المحافظات الجنوبية ، والمحاولة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء من قبل المستعمرين الجدد ، أما في الشمال لم تستطع حتى الامبراطورية العثمانية أن تؤثر على هوية الشعب اليمني وثقافته ، رغم أنها بسطت نفوذها في أنحاء العالم ، لكن المستعمرين الجدد كانت لهم تدخلات منذ ما قبل ثورة 26 سبتمبر ، وما بعدها وبكل الوسائل والسبل ، وعندما لم تفلح وأدركت أن هذا الشعب لا يلين قررت أن تصب جام غضبها على الشعب اليمني عبر الحرب .
* نعود إلى الشعر تكلمنا عن بعض دواوينك ماذا كتبت عن الثورة وأخص ثورة 21 سبتمبر ؟
– كتبت ديوان الثورة ، و”من المهد إلى الميلاد ” ، و قصائد ذات طابع شعبي وفصيح اكتماله كوني لا أزال اكتب في هذا الموضوع .
* من ترى من الشعراء الشباب استطاع أن يواكب هذا الموضوع ؟
– أرى أن الشاعر معاذ الجنيد ولد شاعرا، تمكن بلغة قوية تزامنت مع ثورة اليمنيين في 21 سبتمبر ، وأصبح شاعر الثورة بقصائده التي شنفت الآذان ،وأصبحت منارات للشعراء والمجاهدين ، ومن الشعراء الذين كانت لهم اسهامات في الكتابة في مضمار الشعر الثوري مصطفى المحضار بصوته الرائع ، وضيف الله سلمان ، وغيرهم ممن لا تتسع الذاكرة لهم الآن ، أما فيما يتعلق بالشعر الشعبي فهم من الكثرة بحيث يصعب ذكر البعض وإغفال البعض الآخر حيث أن لهم الإسهام والتمكن والإجادة بحيث أنهم معروفون وموجودون بقوة .
* هل ترى الجو الثوري واكبه حضور ثقافي ؟
– نعم بل أخرج الشعب اليمني من أعماقه كنوزا ثقافية يندر وجودها في أي شعب من الشعوب ، فوجود حنجرة ذهبية كحنجرة المجاهد عيسى الليث وقبله المجاهد الشهيد لطف القحوم ، وغيرهما ، أظهرت أن بإمكان الشعراء وبمصاحبة عيسى الليث وغيره من المنشدين الذين حولوا هذا التراث اليمني ، إلى جبهة ثقافية أظهرت أن اليمن بلد حضارة وتاريخ وتراث عريق ضاربا بجذوره في أعماق التاريخ .
البردوني واعداء اليمن
* لو كان البردوني حيا ماذا تراه سيكتب ؟
– من الملفت للانتباه أنك تجد في قصائد البردوني العديد مما قاله يهاجم أعداء اليمن وكأنه يستشرف المستقبل ، لذلك فله حضور كبير في الجبهة الثقافية ، وكأنه حاضر بيننا ، وهناك من الشعراء من لا يقل أهمية عن البردوني وهو الاستاذ حسن عبدالله الشرفي الذي كان لي شرف اللقاء به قبل أيام واستمعت منه إلى قصائد في الثورة تعبر عن شاعر عظيم في عنفوانه الشعري رغم بلوغه ما بعد الستين ، ومعروف أنه استاذ لأجيال متوالية من الشعراء وغيرهم من القامات الشعرية ، ولو كان البردوني حاضرا لكتب من عجائبه ما يدهش ومن قصائده ما يستحق التقدير والإعجاب التي ملأ بها قلب هذا الشعب الشاعر بفطرته .
تقول في إحدى قصائدك :
تعب الرحيلُ من الرحيلِ
وأنهكَ السفرُ السفر
خبأتُ في عينَيَ أغنيةَ الصباح ِ
وبعضَ أسرارِ المدينة ِ
خبأتُ في لغتي عناقيدَ النهارِ
فرغتُها من بعد ِعام من أصيحابي الذين أحبهم
ويغادرون أصابعي مثل احترافِ الحلمِ في ليلِ الشتاء .
* أجد تأثرا بالشاعر محمود درويش هل تقرأ له ؟ وما مدى تأثرك به؟
– محمود درويش شاعر فلسطين الكبير تأثرنا به في الثمانينيات والتسعينيات وقرأنا له كمجموعة من الشعراء ، وله حضور طاغ في الساحة الشعرية العربية نظرا لأنه كرس شعره لقضية فلسطين ، قضية الأمة العربية والإسلامية برمتها ، والتأثر طبيعي إلا أني شخصيا أتهرب من الإتكاء على الشاعر والتأثر غير الاتكاء ، لأن التأثر يشجع على الاستمرارية أما الإتكاء فيشجع على الخمول والارتهان إلى الآخر لأن كل شاعر له طابعه الخاص الذي يميزه عن بقية الشعراء. .
* منذ 33عاما وأنت موظف في الجامعة ما الذي أضافه إليك هذا العمل من الناحية الأدبية ؟
– الجامعة كانت سببا رئيسيا في اثراء وإضافة العديد من المعارف الأدبية والعلمية ففيها تشكلت نسبة كبيرة من شخصيتي التي ساعدتني على التعرف بمختلف الأجيال ، فبالإضافة إلى لقائي بالعديد من الشعراء والزملاء ذوي الميول الأدبية شاركنا ومنذ وقت مبكر في إحياء العديد من الندوات والفعاليات الأدبية داخل الجامعة ، والتعرف على العديد من الشعراء الوافدين إلى اليمن باعتبار الجامعة محطة هامة لهؤلاء ،سواء كزائرين أو كمقيمين في الجامعة للتدريس ، كما أن الجامعة باعتبارها المكان التنويري الهام في المجتمع تعرفت على مجتمع متنوع من الأجناس ، والثقافات المختلفة ، كما اتيحت لي فرصة مواصلة الدراسات العليا .
* في نهاية هذا اللقاء ما الذي يريد أن يقوله الاستاذ خالد زيد الشامي ؟
– أولا أوجه الشكر والتقدير لك أستاذ حاتم شراح أديبا وتربويا وشاعرا عرفته منذ ما يزهو على العشرين عاما ، والشكر والإمتنان لصحيفة “الثورة” التي نشرنا عبرها العديد من القصائد والمقالات في الثمانينيات والتسعينيات وما بعد الألفية ، وأتمنى كل التوفيق والنجاح .
قصائد متفرقة للشاعر/ خالد زيد الشامي
العراف
أمامكَ في كلِ الزوايا المدجَّجةْ
وخلفكَ في كلِ النواحي مُسَيَجَة ْ
طيورٌ أبابيلٌ .. ونسرٌ مُجنَحٌ
وغزوٌ فضائيٌ ودارٌ مؤدلجة ْ
ولونٌ كلونِ البحرِ من دونِ زرقة
ترانيمهُ مثلُ التواشيحِ مسرجة ْ
أمامكَ عشقٌ للبداياتِ وحدها
تفسرهُ حتى النهاياتِ محرِجةْ
أمامكَ شرقٌ لا يكلُ من الأسى
وغربٌ به كلُ التفاصيل ِمزعجة ْ
أمامكَ أشواقٌ تذوبُ وتختفي
ونهرٌ من الأسرارِ ثكلى ومبهجة ْ
وخلفكَ لا تنظرْ ألى كلِّ شامتٍ
ولا تزدري هذي القلوب المثلجة ْ
………………………………
يادارة المجد
يا دارةَ المجِد يا عينِ الميادينِ
يا قلعةَ البلدِ المسكونِ في عيني
يا دارةَ النصرِ في وجهِ الغزاةِ إذا
تجهَّم الليلُ من صوتِ البراكين
يا دارةَ البحرِ كان اللحنُ في دمِنا
وصوتُ فيروز بين الحينِ والحينِ
نحن اليمانيون تشجينا
وتطربنا
مآذنُ القدسِ والنصرِ الفلسطيني
…………………………
بغداد
من علَّم الفصحى وأسرجَ خيلَها
غيرَ العراقِ مدائناً وبوادي
ما كانَ لي بغداد في لغةِ الهوى
شغفٌ وحظي في القصيدةِ عادي
ما غيرَ انسجتي تخيطُ قصائداً
هي فوق أخيلتي ونشوةَ ضادي
هذا سلامي كلما لاحتْ لنا
بغدادُ وانسابتْ بعطرِ الوادي

قد يعجبك ايضا