الثورة في شعر المناضل الشنواح


معاذ القرشي –

الثورة عند الشنواح قبل أن تكون كلمة في قصيدة هي قناعة كامنة في نفسه الرافضة للظلم والطغيان

ألا يستحق مثل هذا المناضل التكريم وأسرته حقها من الرعاية¿

الشجاعة وثقافة نقد الآخر سمة دائمة في شخصية الشنواح وفي شعره.

قصائد الشنواح متحف متنقل يحوي كل الأحداث التي عصفت باليمن شمالاٍ وجنوباٍ

معاذ القرشي

الكلمة تواكب الرصاصة
والوحدة حتمية الثورة وغايتها

تهل علينا أعياد الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر تلكم الثورتان اللتان اخرجتا اليمن من استبداد الحكم الامامي الفردي المستبد وطغيان الاستعمار البريطاني وبهذه الأعياد نتذكر الماضي ونستعرض ملاحم اسطورية من نضالات الحركة الوطنية اليمنية كدرس تستفيد منه الأجيال وبمناسبة اليوبيل الذهبي للثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر نعرض جزءاٍ من عطاء مناضل ناضل بالكلمة والرصاصة في آن واحد من أجل فجر الثورة البسام انه المناضل علي مهدي الشنواح الذي قدم دوره بكل إخلاص وتفان من خلال ما تركه من تراث ودور نضالي مشهود ونكتفي بالحديث عن الثورة في شعر الشنواح ولماذا طغت على اشعاره وكيف استطاع أن يجمع بين العمل الفدائي والقدرة الشعرية.
بداية نعرض أبياتاٍ شعرية للشنواح المغترب في السعودية والذي كان يعمل في جريدة عكاظ تلك الأبيات التي قالها فرحاٍ فور سماعه عن خبر اندلاع ثورة سبتمبر من أثير إذاعة صنعاء.
أهلاٍ حين قمنا في الصباح لصوته عجباٍ
رقصنا في الشوارع كلنا طرباٍ
وغنينا فكان صدى أغانينا لها لهباٍ
وكان الدم يمشي فوقنا سْحباٍ
أحمر من شعاع الشمس
وأرخص من حياة النفس
وأصدق من مرور الماء بين الغرس
الثورة عند المناضل الوحدوي علي مهدي الشنواح قبل أن تكون كلمة في قصيدة هي قناعة كامنة في نفسه الرافضة دوماٍ للظلم والطغيان هذا الرفض الداخلي هو الذي صنع الشنواح المناضل كما صنع الشنواح الشاعر الثائر.
فهو عندما يذكر الثورة في شعره يصفها بعقلية وقناعة الشاعر والمناضل معاٍ.
أنا مانمت يوماٍ في قصور المجرمين العور
ولا ولغوا جواسيس على قلمي
ولا فكري ..
ولا رقصوا على شعري ..
ولم احنو على الاقدام
ولم أغرس يدي في وحلهم يوماٍ من الأيام
فقولوا لي لماذا يا احبتنا نحرتموني ..
نحرتموني ككبش العيد يوم العيد ..
هنيئاٍ فاشبعوا في العيد من لحمي
ومن عرقي ومن ألمي
ولكن عاشت الثورة
ولتبقى إذا لحمي سيبقيها
إذا عرقي سيفديها
إذا ولدي سيحميها
قد ضحيت
وليبقى يعلِمنا ..
يقود سفينتي في البحر
ويكبر ذلك الاعصار
فقولي يا جميلة أن يطول الهجر
ويبقى البحر والبحار
ويكبر ذلك الاعصار

الصرخة الثانية:
أيا ساعات سبتمبر
افيقي صححي أيامه السوداء
أيا أيام سبتمبر
أفيقي صححي أيامه الخرساء
غداٍ تتفجر الساعات والأيام والأعوام في تاريخ سبتمبر
غداٍٍ يتعانق الموال والبيرق
غداٍ يتقابل الشهداء
لنجرأ يا جماهير الجياع الصفر يا فقراء
لنفتح من جديد صفحة لقوافل الشهداء
لنفقأ أعين المستعمرين العور والعملاء
أيامن تحرقون البْن في حقلي
وتقطر من أصابعكم دماء أهلي
غداٍ يتفجر التاريخ في أيام سبتمبر
لنجرأ يا جماهير الجياع فنقتل القتلة
لنفقأ أعين الإقطاع
وعين اليانكي وكل تجار الحروب الحمق والسفلة
غداٍ يتعانق الشهداء
ويمشي مسرعاٍ فرحان يحضن ها هنا عبود
ويذهب بدر من أبين
إلى الآنسي في صنعاء
ويأتي «أمروعي» ليعيش في المحفد
ومبروك العنيد يعيش بين وصاب والحيمة
أتذكر عندما كنا وكنت تموت في البارود¿
وترضع من مآسي شعبك المنكود¿
وتهتف في الماء وتأكل العتمه
يرفرف من جاحك بيرقاٍ للفجر والكلمة
أتذكر يوم كان الجوع ¿
يدق ببابك المصدوع ¿
وتخرج شامخاٍ فتفجر الينبوع¿
تصفي كرسي البندق
وتشهرها إلى صدر البغاء ومعذب الإنسان
أتذكر عندما صلبوك حياٍ داخل الميدان ¿
أتذكر عندما رسموا رصاصهم على ظهرك وفي صدرك
أتذكر بعض شيء من وصيتك النضالية ¿
ألاِ فلينقذ الإنسان من كل العبودية
أتدري أنهم أخفوا وصيتك (الحرامية)¿
ولكنا وجدناها
وفي الثاني والعشرين من يونيو

أخذناها
وبسناها
وفي كل القرارات التي قلنا تلوناها
أتذكر عندما كنا وكنت تموت في البارود¿
وترضع من مآسي شعبك المنكود¿
إذن في هذه الأيام
أذكر كل شيء قلته بالأمس يا عبود
كما أنه عندما يذكر الثورة في قصيدة ما من قصائده القريبة من قلوب الناس العاديين الذين كان يراهن عليهم وعلى وعيهم في صناعة الثورات يبدأ في وصف شامل للمعاناة التي يعانيها الناس بصور شتى بلسان الفلاح تارة وبلسان الجندي تارة أخرى بمشاهد واقعية فيها إحساس وصدق تشعر به في كل كلمة كتبها بل في كل حرف كتبه.

ذكريات
يوماٍ نسيت أبوس ركبة سيدي إبن الإمام
وذكرت إن السوط كان جزاءِ
سبعون جلدة بعدها عشرون عام
جزائي لها عشرون عام
يوماٍ نسيت أرد للشيخ السلام
وأقبل اليد خانعاٍ قبل الكلام
فإذا أنا مربوط في «إسطبل» بسلسلة حديد
والخيل تدعس بطن بطني لا أنام
يوماٍ سرقت حسوك مهرته من المخلاة في قلب الظلام
كانت ألذ سرقة في حياتي كلها
حتى ولو لم تشبع الغليان في جوعي الشديد
وفي الصباح وجدت نفسي فوق صخرة مدفني
من تحتها «الديناميت « والمتفرقعات
فتفجرت فإذا أنا بين السماء والأرض كالريش الصغير
فقذفت حبات الحسوك دماٍ على قصر الأمير
يوماٍ نسيت فقلت يا بنت الأمير
أنا عبدك المملوك أعطيني رغيف
ماعدت اصبر كل جسمي يرتعش
يا بنت مولانا الأمير
ولمحني الجاسوس جاسوس الملك
فوجدت نفسي بالحبال معلقاٍ في شرفة القصر الطويل
وكان انفي تحت تجري فيه رائحة الرغيف
قبحاٍ وتاريخاٍ وجوعاٍ ونزيف
وبعد أن ينتهي من وصف معانات الناس يبدأ في تحديد المسؤول عن تلك المعاناة وكأنه يقول أنا اعرف هذه المعانات ومن يقف وراءها لكن واجبي أن ارشد غيري وهم كثيرون وهم من يعانون وبعد أن يقتنع أن رسالته الإرشادية قد وصلت يبدأ في حشد الناس بضرورة الثورة لأنه لا يمكن لشعب هذا حاله أن يستكين بل عليه أن يقاوم الظلم ويصنع فجر الحرية.
يوماٍ رجعت البيت يسبقني العرق
فرأيت إبني ميتاٍ
وزوجتي تبكي دماٍ
وتقول يسدنا أراد الاعتداء علي يازوجي الحبيب
لكنني أوصدت هذا الباب فيما بيننا
ونسيت إبني خارجاٍ
وقال : إما تخرجين إليِ يابنت الكلاب
اما سأحرق جسم إبنك باللهب
ثم القى جمرة على بطن الولد
ياقهري على إبني الوحيد
يوماٍ صبرنا من رغيف الخبز أسبوعاٍ طويل
وكان آطلب من مرابي قريتي ديناٍ جديد
وقبلت كل شروطه وأنا ذليل
حتى ولو طلب البنات
كجاريات
وبلا ثمن
وبعد أيام قلال
جاء سيدنا المرابي مسرعاٍ ومعطراٍ ومعمماٍ
وقال قد حان القضاء
فقلت محصولي قليل
وقال هذي الأرض أرضي لم تعد لك يافقير
وبعدها هات الكبيرة من بناتك هاتها
لتكون جاريتي الجميلة يا مماطل يا ظلوم
الشنواح عندما يتحدث عن الثورة في قصائده يقوم بدور الطبيب الذي يشخص حالة مريضه ويحدد له العلاج الناجع ولا علاج ناجع لأمراض الأوطان المصابة بالظلم والطغيان وتقسيم الناس إلى سادة وعبيد إلا بالثورة كما أن الشنواح لديه قدرة فائقة على نقد الثورة إذا لم تحقق ما يصبو إليه الناس والنقد الواضح والشجاع في شعر الشنواح كما هو في نضاله صفة دائمة في شخصية وثقافة ونضال الشنواح رغبة في أن يدرك القائمون على الثورة أخطاءهم ويعملون على إصلاحها.
عندما أخلص الشنواح لقضية وطنه المصيرية وهي الوصول إلى الحرية والخروج من تحت رحمة الجلادين لم يكتف بدرب واحد للنضال بل سار في دربين متلازمين طرفيهما الكلمة والرصاصة لم يقدم الكلمة عن الرصاصة ويؤثر السلامة كما فعل البعض ولم ينتقص ذلك من تاريخهم النضالي فالجميع بشر والخوف صفة بشرية لا يستطيع أحد انكارها لكنه أصر على السير في درب الرصاصة والكلمة ليعزز القناعة الرافضة للظلم والطغيان فعزز نضاله الفدائي بنضاله الأدبي.
الشنواح عندما يقول ثورة لا يعني ثورة سبتمبر وثورة أكتوبر فحسب الثورة عند الشنواح سلوك وثقافة يجب أن يبقى طالما بقي الظلم والطغيان نستطيع أن نقول أنه مخزن لروح ثورية هائلة فهو يصف الثورة بأنها قادمة من أسفل حيث يعاني الناس ليس كما صورها البعض بأنها عملية تقوم بها نخبة مثقفة صحيح أنه يمكن أن تقوم بها نخبة مثقفة باعتبارها عملاٍ ماديأٍ مجرداٍ لكن دوافعها والتروس التي تحركها قادمة من الأسفل حيث الضعفاء والكادحين الذين يعانون.

المشاهد الوحدوية في شعر الشنواح
وعندي من بوليفيا شمعة
وعطرَ من كروم الحقل في غزة
وفأسَ من «ظفار» لونه أحمر
وكومة تمر من «سيحوت»
وبذرَ من حقول البْن في المحويت
وموال من البدوية الحسناء في «مِنوِخ»
وقبعةَ بأرض «القطن» مصنوعة
وأعلامَ على «عِمقين» مرفوعة
وعندي من «مناخة» حسنها الفتان
وحبلَ من سعاف النخل في نجران
ومسرجة الليالي
من بنات عسير
وفي وجهي نقوش
من بقايا صفعة الجدري
ومن قبلات «زرنوقية» من كوخها «?بتهامة» ?الخضراء
وبنت «رداع» لازالت تقبلني
وأْخرى من بنات «أبين» تغازلني وتعشقني
لا تخلو قصيدة من قصائد الشنواح ذكر فيها الثورة سواء ثورة سبتمبر أو ثورة اكتوبر إلا وفيها مشهد وحدوي إما بذكر شهيد من سبتمبر وشهيد من أكتوبر أو بذكر مدينة مقابل ذكر مدينة أخرى وكأنه يقدم صورة واحدة ليمن واحد موحد وهي القناعات التي آمن بها كمناضل ومثقف قبل أن يعيشها الساسة انها مشاهد وحدوية غاية في الجمال والروعة والوصف بلغة بسيطة لكنها ثورية تعلو كلما زاد الخطر تلك المشاهد الوحدوية تدلل على أن الوحدة حتمية الثورة وغاية ما بعدها غاية.
يمكن أن نقول أن شعر الشنواح متحف متنقل يحوي كل الأحداث التي عصفت باليمن أرضاٍ وإنساناٍ متحف يمكن أن تعرف كل ما فيه دون تذكره ومع عظمة ما قدمه الشنواح من نضال وتضحية وما آمن به من قناعات من أجل سبتمبر وأكتوبر وحصار السبعين يوماٍ نتساءل ماذا أعطى الوطن لهذا المناضل¿ ألا يستحق التكريم وأن تجمع أعماله ومسيرة حياته النضالية في عمل واحد¿.. أليس الأجدر أن تجد أسرته حقها من الرعاية والاهتمام¿ إنها أسئلة في أشهر الثورة سبتمبر وأكتوبر.. إنها الأعياد التي يذكرنا بها الشنواح حتى بعد موته في قصيدته «?أحلام?»..

أبي: قم إننا في العيد..
لنا بنت جديدة قد أتت كالشمس
جميل ثغرها البسام..
لماذا النومْ يا أبتي¿
وأنت تقول لي بالأمس لا ياسْ ولا احلام
ماذا قلت يا كبدي من الاحلام
صحيح أنني احلم
نعم: قد قلت هذا الشعر يا أبني
ذبحتموني
على أعتاب من حرصوا على ذبحي
قتلتموني
على أعتاب من حرصوا على قتلي

——

حكاية أمكنه

عبد الرحمن مراد

قد يعجبك ايضا