غزة .. أيقونة الصمود ومرآة الخذلان

مبارك حزام العسالي

 

تستمر غزة، هذه البقعة المباركة من أرض فلسطين، في كتابة فصول جديدة من الصمود الأسطوري في وجه آلة القتل والدمار الإسرائيلية. تحت قصف متواصل وحصار خانق، يسطر أهلها أروع قصص البطولة والتضحية، مؤكدين للعالم أجمع أن الإرادة أقوى من الحديد والنار، وأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.

في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة العدوان على غزة، وتُرتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين العزل، يقف العالم – إلا قلة قليلة – موقف المتفرج العاجز، بل إن بعض الأنظمة العربية والإسلامية تمارس صمتًا مطبقًا يكاد يرقى إلى التواطؤ. أي خزي وعار يلاحق أمة تملك من الإمكانات ما يكفي لزلزلة الأرض تحت أقدام المعتدين، لكنها تكتفي ببيانات الشجب الخجولة والمساعدات الهزيلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟

إن غزة ليست مجرد قطعة أرض محتلة، بل هي ضمير الأمة الحي، هي الاختبار الحقيقي لمدى تمسكنا بقيمنا ومبادئنا. أطفال غزة، بنظراتهم الثابتة وعزيمتهم التي لا تلين، يوجهون إلينا سؤالًا قاسيًا: أين أنتم؟ أين نصرتكم؟ أين غيرتكم على حرماتنا ودمائنا؟

لقد سقطت أقنعة كثيرة في معركة غزة. انكشف زيف الشعارات البراقة عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، وتبدت حقيقة القوى التي تدعم الاحتلال وتمنحه الغطاء السياسي والعسكري لمواصلة جرائمه. كما انكشف ضعف الأنظمة التي تدعي تمثيل شعوبها، وعجزها عن اتخاذ موقف حازم يردع العدوان ويحمي المقدسات.

لكن في المقابل، أضاءت غزة لنا طريق العزة والكرامة. رأينا فيها نماذج فريدة من الصمود والإيمان، رجالًا ونساءً وأطفالًا يرفضون الاستسلام والخنوع، ويقدمون أرواحهم فداءً للوطن والقضية. رأينا كيف يمكن للإرادة الصلبة والإيمان العميق أن يتغلبا على أعتى الترسانات العسكرية.

إن غزة اليوم ليست بحاجة إلى دموعنا وكلماتنا الرنانة فحسب، بل هي بحاجة إلى فعل حقيقي، إلى تحرك جاد على كافة الأصعدة. هي بحاجة إلى ضغط شعبي ورسمي يجبر العالم على التحرك لوقف هذه المجزرة. هي بحاجة إلى مقاطعة حقيقية للكيان المحتل وداعميه. هي بحاجة إلى موقف عربي وإسلامي موحد وقوي يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في صدارة الأولويات.

إن صمود غزة هو رسالة واضحة لأمتنا: لا تيأسوا، فالحق سينتصر مهما طال الظلام. إن التخاذل ليس قدرًا، وإن النهوض ممكن إذا صدقت النوايا وعزمت العزائم. غزة تعلمنا أن القوة الحقيقية تكمن في الإيمان بالحق والوقوف بثبات من أجله، وأن التضحيات مهما عظمت هي الثمن الضروري لنيل الحرية والكرامة.

فلنجعل من غزة أيقونة للوحدة والعمل، ومرآة تعكس خذلاننا وتقصيرنا، ودافعًا قويًا لنا للتحرك وتغيير هذا الواقع المرير. لنتذكر دائمًا أن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، وأن الأجيال القادمة ستسألنا: ماذا فعلتم لغزة؟ وماذا قدمتم لفلسطين؟ فليكن جوابنا مشرفًا يليق بتضحيات أهلها وصمودهم الأسطوري.

 

 

قد يعجبك ايضا