“الفـقــر” وصنــاعــة الإرهـــاب


■ دائماٍ ما تميل النفس البشرية للبحث عن الأمن والاستقرار, ولكن ثمة أموراٍ وأسباباٍ تدفعه إلى مخالفة فطرته والخروج عن دينه وعاداته وتقاليده وامتهان الجريمة والشر ومن أبرز هذه الأسباب وأهمها على الإطلاق ” الفقر” الذي يعد أكبر وأقوى الدوافع التي تدفع الناس إلى القيام بأعمال غير قانونية تنافي فطرتهم السليمة وطبعهم السوي.

فبحسب التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن للعام 2013م, فقد بلغ الرقم المقدر لإجمالي عدد السكان 25.23 مليون حيث يطغى على السكان الطابع الشاب بما يقدر بـ 42% من السكان ويتوزع السكان على المناطق الريفية بواقع 71.1% من إجمالي السكان في 2011م, في حين طال تأثير الفقر ما يقرب من ثلث سكان اليمن في عام 2006م فإن هذا المعدل ارتفع إلى أكثر من نصف السكان ( 54.4%) في عام 2011م وينبغي الإشارة إلى أن الفقر ازداد في المناطق الريفية إلى 59% في 2011م من مستوى 47.6%.
ارتفاع البطالة وانعدام الأمن الغذائي
وقد أدت الأحداث التي شهدتها اليمن في العام 2011م بحسب نفس التقرير إلى ارتفاع معدلات البطالة ويعزى ذلك إلى خسارة عدد متزايد من العاملين في القطاع الخاص لوظائفهم كما تأثر موظفو القطاع العام بشكل غير مباشر مع أن معظمهم احتفظوا بوظائفهم وذلك بسبب انخفاض القوة الشرائية نتيجة لارتفاع معدلات التضخم وتأخر دفع الرواتب ونزوح الموظفين من مناطق النزاعات.
من جانب آخر أظهرت دراسة لبرنامج الغذاء العالمي للعام 2011م أن عدد الأسر التي عانت بشدة من انعدام الأمن الغذائي تضاعف تقريباٍ بين عامي 2009 و2011م حيث ارتفعت النسبة من 12% إلى 22% من السكان بحلول ديسمبر 2011م وهذا يعني أن 2.7 مليون يمني إضافي باتوا يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي وقد انخفض مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 17.9% في عام 2013م على الصعيد الوطني ولا يتوفر لدى 60% من الأسر ما يكفي من الغذاء في عام 2013م ما يدفعهم إلى الاستمرار في استخدام استراتيجيات مواجهة متعلقة بالاستهلاك من قبيل تناول أطعمة أقل قيمة غذائية ووجبات أصغر وخفض عدد الوجبات في اليوم.. كما أظهرت مسوحات برنامج الغذاء العالمي للعامين 2011 و2013م أن الفئة التي تعاني أكثر من غيرها من انعدام الأمن الغذائي هي الأسر الأصغر حجماٍ والأسر التي تعيلها النساء والأسر غير المتعلمة والأسر المعتمدة على العمال الزراعيين بالأجر والأسر الأشد فقراٍ والمثقلة بالديون.
استغلال قوى إرهابية
وإذا نظرنا إلى ظاهرة الإرهاب والقتل وقطع الطرق والسطو على الممتلكات العامة والخاصة والتهريب وعمالة الأطفال وغيرها من الجرائم والسلبيات فغالباٍ ما يكون الفقر هو الواقف خلفها والدافع إليها والمسئول الأول والأخير عنها.. وهو ما أكدته الكثير من التقارير الدولية وكذا الدراسات والبحوث.. وحيث أن الإرهاب أعلى درجات الإخلال بالسلم المجتمعي فالفقر بحد ذاته يمثل أرضية خصبة لنشأته عبر استغلال القوى الإرهابية لعوز الفقراء والعاطلين عن العمل وتوظيفهم للعمل الإرهابي.
فخ الإرهاب والإجرام
فالفقر إذ يعد أحد أسباب صناعة الإرهاب وتكاد تكون الدول أو المجتمعات الفقيرة المرتع الخصب لنموه وتصديره إلى دول العالم ومع ذلك فليس كل فقير إرهابي ولكن هناك من يدفعه فقره للمال بالتزامن مع افتقاره للإيمان إلى الارتماء في أحضان الجماعات الإرهابية التي تستبيح الدماء وتزهق الأرواح وتثير الرعب والخوف في أوساط المجتمعات وتخلف الخراب والدمار وانعدام الأمن والاستقرار حيث تستغل الجماعات الإرهابية الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للفقراء وتعمل على تجنيدهم في صفوفها مقابل إغرائهم بالمال قبل أن يتحولوا إلى مشاريع انتحارية.
ولنا في اليمن تجارب مريرة مع الإرهاب حيث لعبت الأوضاع المعيشية الصعبة دوراٍ بارزاٍ في انجذاب بعض الشباب باتجاه الجماعات الإرهابية والتي جعلت منهم عناصر إرهابية مستغلة لإمكاناتها المادية التي تمتلكها في إغرائهم فكان الفقر بالنسبة لهؤلاء الشباب أحد أهم أسباب انحرافهم وسقوطهم في فخ الإرهاب والإجرام..
وآخر تلك الجرائم بشاعة ما حدث في التاسع من أكتوبر إذ راح ضحيته ما يقارب الـ 67 قتيلاٍ منهم 47 في انفجار انتحاري بشارع التحرير استهدف مظاهرة لجماعة أنصار الله “الحوثيين” وأيضاٍ ما حدث في محافظة حضرموت من استهداف لمقر عسكري ما أسفر عنه مقتل ما لا يقل عن عشرين جنديا وإصابة عدد آخر, هذه الحوادث وغيرها لازالت تهدد أمن المجتمع اليمني واستقراره مادامت تلك النزعات الشيطانية والأطماع الإجرامية هي المسيطرة والساعية لتقتل النفس التي حرم الله بأبشع الطرق والوسائل.
ونجد أن العلاج – بحسب تقارير ودراسات عدة في هذا المجال – يكمن في التنمية الاقتصادية والمجتمعية والإسهام في تحسين أوضاع المواطنين المعيشية وخلق فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل كل هذه الخطوات ستسهم في محاصرة الإرهاب في اليمن وستعود بالنفع على الوطن والمواطن.

قد يعجبك ايضا