تونس/ وكالات
لا يستبعد سياسيون ومراقبون وكذلك غالبية التونسيين أن تقود الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها يوم الاحد القادم إلى “خيبة انتخابية” تفرز برلمانا لا يعكس إرادة الناخبين بقدر ما يعكس “سطوة الخطاب التحريضي التعبوي” و”سطوة المال السياسي” في ظل مراهنة الأحزاب السياسية الكبرى على “قواعد انتخابية ثابتة” منظمة ومنضبطة تبدو جزرا ضيقة ومغلقة إيديولوجيا فرضت “التهميش الانتخابي” على قطاعات واسعة من مجتمع يتوق إلى إرساء برلمان يحظى بالتأييد الشعبي.
وعلى مسافة أقل من أسبوع من إجراء الانتخابات يتوجس غالبية التونسيين من أن تكون النتائج محسومة سلفا لتتقاسم مقاعد البرلمان القادم الأحزاب السياسية الكبرى في مقدمتها حركة النهضة الإسلامية وحزب حركة نداء تونس والائتلاف الحزبي اليساري “الجبهة الشعبية” فيما تكتفي بعض الأحزاب الأخرى بعدد محدود من المقاعد تتوزع عليهم وفق نظام “البقايا”.
ويقول المراقبون إن التخطيط لنتائج الانتخابات “بدأ مع الحملة الانتخابية التي بدت باهتة بل ومفرغة من محتواها يجدف فيها قادة الأحزاب خارج دائرة مشاغل التونسيين ومشاكلهم” متوسلين خطابا سياسيا ذا مسحة إيديولوجية عاجزة عن استقطاب ناخبين يطالبون ببرامج اقتصادية واجتماعية قابلة للتنفيذ على الأرض لا وعودا تذروها الرياح بمجرد جلوس الكتل النيابية على مقاعد قصر باردو.
وبالفعل إذا ما استثنينا ملصقات القائمات الانتخابية التي لا تجلب إلا اهتمام المترشحين والمترشحات وإذا ما استثنينا ما تيسر من اجتماعات الأحزاب الكبرى التي لا يحضرها غير الأنصار وإذا ما استثنينا محاولات المال السياسي لشراء الذمم فإن الناخب يكاد لا يعثر على أثر يقنعه بأن البلاد على مشارف انتخابات تشريعية يفترض أن تكون نتائجها مفصلية في تحديد ملامح تونس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وتبدو الحملة الانتخابية باهتة خافتة وخجولة لا تعكس بالمرة حركية مشهد سياسي متنوع تتنافس فيه 1327 قائمة انتخابية على مقاعد البرلمان القادم البالغ عدد 217 مقعدا تماما كما لو أن تلك الحملة تم تجريدها من تنافس مفترض بين أحزاب سياسية تعي قبل غيرها أن التشريعية هي أهم بكثير من الرئاسية وفق الصلاحيات التي منحها الدستور مركزا أغلبها تحت قبة قصر باردو فيما أحال البقايا على ساكن قرطاج القادم.
بعض الألسن السياسية اللاذعة لم تتردد في القول إنه تم التخطيط مسبقا بدهاء لـ”تبريد” الحملة في ظل غياب أي تنافس برامجي واضح وأن الأحزاب الكبرى التي تقود الحملة وتحتكرها بفعل الواقع ليست في حاجة إلى حملة انتخابية طالما أنها تراهن على “القواعد الانتخابية الثابتة” وتأتي في مقدمة تلك الأحزاب حركة النهضة.
وعلى الرغم من أن حملة التشريعية هي بالأساس تنافس بين القائمات الانتخابية على أساس برامج انتخابية تستمد عناوينها من مشاغل المواطنين اليومية لم تشد المواطنين سوى حالات من السجال السياسي والتراشق بين زعيم حزب حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي.
ويرجع المراقبون قلق التونسيين من أن تقود نتائج الانتخابات البرلمانية إلى خيبة انتخابية وإلى عجز الأحزاب السياسية على استقطاب الناس ملاحظين أن تلك الأحزاب لا تستقطب سوى 4% فقط من الشباب.
ويضيف المراقبون أن “مشكلة الأحزاب السياسية هي أنها لم تستفق بعد من غفوتها لتتحسس أن ما يعني الناخب ليس قائمات الحزب الفائزة ولا حتى طبيعة الحكومة القادمة وما إذا كانت حزبية أو حكومة وحدة وطنية أو حكومة ائتلاف وطني.
ويشعر الناخب التونسي بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على الثورة بالإحباط حتى أنه فقد الثقة في العملية الديمقراطية ما يعني الناخب برامج تنموية اقتصادية واجتماعية تحرك التاريخ وتقدم حلولا لمشاكلها على الأرض إضافة إلى ذلك فإن الناحب على قدر كبير من الوعي السياسي ما يجعله يتوجس من خطاب لا يسوق إلا للمثل والقيم أي للإيديولوجيات المحنطة”.
ويشدد المراقبون هنا على أن الانتخابات “ستحسمها القواعد الانتخابية الثابتة للأحزاب وهي قواعد لا تتجاوز نسبة 50% من العدد الإجمالي للناخبين أما نصف الناخبين الباقين فإنهم سيجدون أنفسهم على هامش الاستحقاق الانتخابي وهو أمر كفيل لوحده بأن يجد التونسيون أنفسهم أمام “خيبة انتخابية” تجهض العملية الديمقراطية وتعمق حالة تهميش اجتماعية وسياسية من شأنها أن تغذي موجة من الاحتقان ستلقي بضلالها على تونس ما بعد الانتخابات لتزج بالبلاد في أزمة سياسية “
Prev Post
قد يعجبك ايضا