خلال ثلاثة عقود ونص العقد من الزمن، واجهت وحدة اليمن التي رفرف علمها في صباح الثاني والعشرين من مايو من العام 1990م الكثير من التحديات والمخاطر والمطبات، لكنها اليوم وهي تكمل العام الخامس والثلاثين من عمرها، تعيش منعطفا هو الأخطر والأكثر تعقيدا في ظل ما أنتجته القوى الإقليمية التي قيل إنها جاءت لدعم الشرعية والحفاظ على وحدة اليمن واستقراره.
-ليس خافيا على أحد حقيقة أن وحدة اليمن لم ترق يوما لبلدان الجوار رغم أن أحداث ووقائع ما بعد مايو من عام 1990م أثبتت للجميع أن الوحدة هي صمام أمان لأمن واستقرار المنطقة وعمق استراتيجي حيوي بالنسبة للأشقاء في الجوار وأن الحديث عن نهضة حضارية شاملة هناك يظل طموحا غير قابل للتطبيق إذا ما تزعزعت اليمن وضربت وحدتها وساد التشظي بين أبنائها وهذا للأسف ما يتعامل معه الإقليم بعيون عمياء وألباب متبلدة.
-الوحدة بالنسبة للوطن اليمني كانت ضرورة ملحة لمعالجة مشاكل متراكمة، نتجت عن عقود من التشطير والصراعات وأخطاء من حكموا الشطرين وعملوا على تكريس الفرقة وعوامل الشك والارتياب بين أبناء البلد الواحد، لكنها تبقى في الوقت ذاته من أهم عوامل الاستقرار للمحيط الإقليمي والدولي ومن يقل ويعمل لغير ذلك، فقد جانب الصواب وسيدفع ثمنا باهظا لأخطائه.
-يوم الخميس المقبل ستحل الذكرى الخامسة والثلاثين لإعادة وحدة اليمن وهي تعيش أجواء حزينة وكئيبة، فهذا الإنجاز الجميل بات على كف عفريت ومحاطاً بمشاريع صغيرة، ومتناهية في الصغر، يقودها مأزومون محليون، بأياد خارجية تدفع لأصحابها وتدفعهم وبلادهم إلى مهاوي الضياع، والصراع الأزلي بين الأخ وأخيه، لا لشيء إلا لإرضاء وإشباع رغبات حكام دول العداء التاريخي لليمن وشعبه ووحدته.
-ما يثير الحزن أكثر أن شعور العداء للوحدة لم يعد مقتصرا على قادة مشاريع الانفصال الممول من الخارج، كما في عصور ما قبل الوحدة، حين كانت أعمال وأخطاء الساسة وممارساتهم الانفصالية لا تعبر مطلقا عن مشاعر الجماهير المتعطشة للوحدة وكسر عوامل العزلة والفرقة، بل أصبحنا نلمس لذلك العداء تمددا غريبا ليلامس صدور شرائح اجتماعية واسعة، فسمعنا نغمات الطائفية وموالات المناطقية من قبل الكثيرين خلال السنوات الأخيرة ووصل الحال إلى الاعتداء الجسدي على بعض من أبناء المحافظات الشمالية من قبل إخوانهم الجنوبيين، في مشاهد تؤلم القلوب وتؤذي المشاعر.
-آخر الحوادث الأليمة جراء الشحن المتواصل لصدور أبناء الجنوب على إخوانهم الشماليين، كانت قبل أيام قليلة وذهب ضحيتها الصياد البسيط نبيل محمد علي محنش وهو من أبناء منطقة أبو زهر بمديرية الخوخة – محافظة الحديدة وكان على متن قاربه بسواحل أرخبيل سقطرى، عندما تعمد زورق بحري تابع لما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي – كما يؤكد شهود عيان – بصدم قاربه من الخلف، ما أدى إلى سقوطه في البحر وسط الأمواج العاتية وتحطم قاربه، قبل أن يواصل أصحاب الزورق طريقهم غير آبهين بالصياد الغريق، ويشير الشهود إلى أن الضحية محنش في العشرينيات من العمر وهو المعيل الوحيد لأسرته المكونة من خمسة أفراد وأبوين مقعدين، وكل ما تعرض له بسبب أنه شمالي فقط كالملايين أمثاله من البسطاء والباحثين عن لقمة العيش في أرجاء اليمن المترامي الأطراف.