البساطــــة والقناعــــة سمــــة عيديــــه بقيـــت فـــي الماضــي


> صنعاء القديمة من أكثر المناطق تمسكا بالعادات والتقاليد العيدية

> علم النفس : برود المشاعر وغياب الألفة بين الناس سبب في غياب العادات الإيجابية في العيد

> علم الاجتماع :الحالة الاقتصادية ساهمت في اختفاء بعض التقاليد العيدية المتوارثة

للعيد نكهته الخاصة المميزة والتي شكلتها العادات والتقاليد ضمن طقوس فريدة لا يزال بعضها يقاوم التلاشي محافظاٍ على أواصر الود والمحبة والتواصل الأسري العائلي.. لكن ما بين عيد بالأمس و اليوم هناك طقوس أصيلة تلاشت وأخرى لم تعد تطبق الا عند اشخاص عاصروا الماضي ولا يزالون محتفظين في جعبتهم بكثير من العادات والتقاليد اليمنية الاصيلة في الأعياد ..
من خلال هذا التحقيق نناقش ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اختفاء الكثير من تلك العادات العيدية القديمة المتوارثة وظهور عادات جديدة دخيلة على مجتمعنا .

بدأنا الحديث مع الحاجة آمنة عبدالله ( 67عاماٍ ) من الذين عاشوا لحظات العيد بتفاصيله وأجوائه القديمة حيث استذكرت لنا شيئاٍ منها قائلة : العيد كان متواضعاٍ نكتفي باستقبال الضيوف بمائدة بسيطة فيها شيء من ” الكبان والذمول والقهوة “.
وسردت لنا بعض التفاصيل التي طغت عليها البهجة والسرور رغم قلة الموارد وضعف الإمكانات إلا أن أهم ما شعرت الحاجة آمنة بافتقاده في عيد الحاضر هو الألفة والتكافل الأسري حيث قالت ” كان جميع أفراد العائلة يجتمعون في بيت الأب الكبير ونحتفي بالعيد معاٍ من صباح العيد وحتى المغرب أما اليوم فكل أسرة تحتفل بالعيد بعيداٍ عن العائلة وتكتفي بسلام العيد في وقت قصير “..
أهازيج للحجاج
ومن مدينة صنعاء التاريخية ( القديمة ) يحدثنا الوالد يحيى قاسم سرور ( 50 عاماٍ ) والذي عاصر العيد بين جيلين قائلاٍ : ” كان عيد الأضحى المبارك في الماضي جميل ورائع كانت الابتسامة لا تغادر الوجوه وكان الرضا والقناعة تملأ النفوس والناس جميعهم كانت البساطة والطيبة والتكافل المجتمعي يطغى على الجميع صغاراٍ وكباراٍ”.
ومن الطقوس الجميلة التي بدأت تتلاشى وتختفي ” المدرهة ” والتي كان لها أهازيجها الخاصة التي تبدأ بتوديع الحجاج وتستمر لحين استقبالهم حتى في يوم العيد كانت الأهازيج عامرة في أحواش منازل صنعاء القديمة للنساء وفي الأزقة والحارات للرجال وكان من ضمن الأهازيج التي تردد في المدرهة ( وحجنا قد سار يحج الله يعوده سالم شبدع بقول الله الواحد القهار واثني بالرسول محمد العدنان ) حتى الفن في الماضي كان له طابعه الخاص إذ لا يكتمل العيد بدون صوت الفنان علي الآنسي وهو يغرد بأغنيته الشهيرة للعيد ” آنستنا يا عيد ” من كلمات الراحل عباس المطاع (مش وقت قالت قال ودحس عال العال وما يهم البال خليه لبعد العيد) هكذا كان الفن الذي يشعرنا بطقوس العيد وأجواءه ولهذه الأغنية مكانة في قلوب كل اليمنيين والتي للأسف لم يعد الاهتمام بها كالسابق كانت أجواؤنا مفعمة في العيد ..
ويضيف : ” كانت أضحية العيد عامرة في كل بيت وكانت العائلة تتشارك بأضحية واحدة من باب التكافل الأسري والعائلي كما أن أفران المنازل بالحطب كانت عامرة بكل المخبوزات في كل بيت من أحياء مدينة صنعاء كان لكل شيء مذاقه ونكهته المميزة و مائدة العيد بمحتواها من الكعك والكْبان وجعالة العيد البسيطة كنا نشتريها بريالين للأسرة الواحدة “.
العيد في الريف
وللعيد قديماٍ نكهته الخاصة والمميزة في الأرياف يحدثنا عنها محمد أحمد الغانمي (45عاماٍ) – من قرية الحضن بريمة فيقول : مع اقتراب العيد يبدأ الأطفال بجمع الحطب وبقايا الأعلاف ووضعه في مكانه المتوارث عليه حتى ليلة العيد بعدها يأتي إليها الأطفال ويقومون بإشعالها كانت بمثابة الألعاب النارية اليوم بترديد أهازيج ترحيبية بالعيد أما الكبار فيقومون بإيقاد شعلة على أسطح المنازل وإطلاق الأعيرة النارية إعلانا واحتفالاٍ بالعيد..
ويضيف : ” وفي يوم العيد يتجه المصلون لأداء صلاة العيد ولقاء بعضهم وتبادل التهاني والمصافحة ثم العودة الى البيوت لتناول الإفطار وتبادل سلام العيد بين الآباء والأمهات والأخوة وتوزيع العيدية والحلوى على الصغار.. ومن ثم تتوزع المهام بين أفراد الأسرة فمنهم من يتجه للذبح أو جلب اللحم.. ومنهم من يكلف بزيارة الأرحام وتقديم التهاني و الهدايا ..وبعد الظهيرة تجتمع العائلة في جلسة مقيل ويستمر الحال طوال أيام العيد.
وأردف : كما يستغل العيد للغائب فيعود للديار ويفد بعض أبناء القرية الساكنين في المدن في زيارات للأهل والأقارب و تواكب أفراح العيد مناسبات أخرى كالخطوبة وعقد الزواج.. والأعراس وهذه مقتطفات من مظاهر العيد في الحاضر.. ومثلها كان في الماضي.. إلا أن هناك عادات وتقاليد خفت ضوؤها كالبرع والرقص و الزوامل الشعبية واجتماع الناس في المقيل.. وترديد قصائد المديح والأناشيد الدينية واختفت أيضاٍ الأزياء الشعبية في أوساط النساء وحل محلها الملبوسات المتداولة في المدينة.
معنى العيد
ويذكر علم النفس أن فرحة العيد في الماضي كانت تشمل الغني والفقير ولذلك تجلى التكافل والتآخي بين أفراد المجتمع حين كان الموسرون يبسطون أيديهم بالجود والسخاء والناس تعمر نفوسهم بالشفقة والرحمة وتسري في قلوبهم روح المحبة والتآخي لذلك لم يكن في الناس الضغائن التي بدأت تتجلى في حاضرنا…
وحين يستلهم الناس من معنى “العيد” الذي هو بمعنى الرجوع والعودة في أن نعيد إلى النفس البشرية صفاءها الفطري وأخلاقها الحميدة فنفس الإنسان في الأساس نفس صافية ونقية مما ينعكس بالضرورة على السلم المجتمعي فحين تصل الأرحام ويتزاور الأهل فيما بينهم تسود مشاعر الحب والأخوة والمودة بين الناس جميعاٍ..
قد يتساهل الجميع لخطورة ما تسببه التكنولوجيا ووسائل التواصل المجتمعي حين ترسل التهاني العيدية سواء كان برسالة أو تهنئة فقط حيث تسبب برود المشاعر وذهاب الألفة بين أفراد الأسرة الصغيرة ومنها للمجتمع الكبير .. إذا لابد من التواصل المباشر الذي ينم عن الألفة الحقيقية والتآخي الصادق ويعمق قيم المحبة والإخاء..
غلاء المعيشة
الباحثة الاجتماعية /تقية العماد تقول : كانت الأواصر الأسرية قوية جداٍ فمن ايجابيات العيد قديما أن يتم في أول يوم للعيد الاجتماع لدى كبير الأسرة والاحتفال بالعيد معاٍ أما الآن فلم يعد لهذا التقليد مكان لدى الناس إلا فيما ندر ممن لايزالون محافظون على التقاليد القديمة ..
كان هناك إحساس ببهجة العيد رغم بساطة كل شيء كانت القناعة ماثلة والحياة تبتسم للجميع لكن وحين طغت كثير من الهموم الحياتية لجيل الحاضر وزادت المسؤوليات وتعددت المتطلبات فقد رب الأسرة ومعه الأسرة الإحساس بالسعادة وقلت بدورها الأواصر والتماسك الأسري الذي كان سائداٍ فيما مضى كذلك تبادل الزيارات بين الجيران والمعاريف قل بنسبة كبيرة واقتصر على الأهل المقربين فقط..
وتضيف : وبسبب غلاء المعيشة والحالة الاقتصادية الصعبة وسوء دخل الفرد لم يعد بمقدوره شراء الأضحية حيث كان في السابق الجميع يأخذ الأضحية من زريبة المنزل أو شراؤها بثمن بمقدور الجميع اقتناؤها ويتم توزيع جزء منه للجيران أو الأقارب المعسرين..
وقالت العماد:أن سبب اختفاء بعض المظاهر التي كانت في الماضي ترجع للظروف التي نعيشها في الوقت الحاضر بسبب الحالة الأمنية والمادية وكذلك دخول عادات جديدة من باب التطور وأيضاٍ مجارات الحياة الحضرية وحب الإنسان للتغيير والتجديد..
الاستقلالية والميل لتكوين أسر صغيرة للحصول على نوع من حرية العيش بدون سلطة ممتدة لكبير الأسرة لأنه في السابق الأسرة الممتدة كان الرأي الأول لكبير الأسرة ولا يستطيع أحد مخالفته أو تغيير كلامه . كل ذلك سبب نوعاٍ من هشاشة التماسك الأسري الذي بدوره أدى لضعف التكافل المجتمعي ككل .. فالعيد يجدد الاجتماع والتلاقي بالأسرة مع بعضها..

قد يعجبك ايضا