منذ أن شهدت تونس ثورة الياسمين أواخر عام 2010م كأول بلد عربي شهد احتجاجات شعبية انتجت نظاما جديدا وحكومة جديدة لكي يتم بناء الدولة على أسس ديمقراطية صحيحة وحتى اللحظة الراهنة لا تشهد تونس مرحلة الثورة وإنما تشهد أعلى درجات الفوضى الخلاقة التي تمر بها تونس حاضرا.
في ظل احتدام الجدل السياسي وما أسفر عن ذلك من حوارات لها بداية و ليس لها نهاية وكأن تونس وبلا شك تعيش حالة من الاضطراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي فمنذ انعقاد المؤتمر الوطني للحوار في ذلك البلد العربي وحتى الآن لا تزال القوى السياسية تتحدث عن الحوار والكبت السياسي الذي كان تشهده تونس في فترة النظام السابق وليس ذلك فحسب بل يتصاعد الجدل حاليا ويتخذ أبعادا مختلفة ذات طابع سياسي محض حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة.
ويتمحور الجدل ويجري حول أيهما أولا الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية ومما لا شك فيه أن مسارات ذلك الجدل في العملية السياسية التونسية ليست إلا مسارات مغلقة كأن الحديث والجدل تحديدا يتراوح بالعملية السياسية بتونس أيهما أولا بالدجاجة أم البيضة ويخوض السياسيون عراكا حول الديمقراطية والتنمية وإن كان في ذلك بعد كبير وتهرب عن حقيقة المشكلة التي تمر بها البلاد وكغيرها من البلدان العربية التي شهدت ما يسمى بثورة الربيع العربي.
على اعتبار أن تونس ليست استثناء ولكن الشيء بالشيء يذكر والمعنى المحدد في نطاق الخصوص يظهر حقيقة تونس في الظرف الراهن والتي تمر بمأزق سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وكانت الحكومة السابقة وعدت بتجاوز التحديات الراهنة وما كان ذلك الاخفاق الكبير على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني إلا نتيجة طبيعية ترتبت عن غياب التشخيص الحقيقي لمشكلة تونس ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
والذي يتراوح في جملة من الاشكاليات المغلقة تبدأ وفقا لاستفسارات مشروعة كيف نتحدث عن تشكيل حكومة فيما لا نناقش حقيقة ثابتة مفادها هل ستكون هذه الحكومة مستقلة أم عبارة عن منتج جديد لعجلة التبعية والارتهان التي تسيطر على ذلك البلد جراء التدخلات الخارجية المعلنة وغير المعلنة.
فلا يمكن لأي حكومة في أي بلد أن تنجح والبلد يعاني من أزمة وعدم استقلال وطني في القرار السياسي والأمني حيث تقف الاشكالية الكبرى ما لم تتمدد علامة الاستفهام عما اذا كانت تونس كبلد عربي مسلم أشعل الثورة الشعبية مستقلة أم لا وعما اذا كان العامل الغربي هو الذي ربط رحم الحركة السياسية التونسية .. وبالتالي تكون قبالة ما يشبه قربة مثقوبة لا يأتيها الماء من الداخل وإنما تتلقى تعليماتها وتوجيهاتها من الأجندة الخارجية التي تتحكم بالمشهد السياسي في تونس الشقيق.
الأمر الذي يتطلب من كافة القوى السياسية في ذلك البلد قبل الحديث عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وكذلك الحديث عن الحوارات المختلفة أن تسأل القوى السياسية أفرادا وجماعات وحكومات متعاقبة نفسها هل البلد مستقل حتى نتحدث عن حكومة بناء وتنمية وانتخابات ديمقراطية حرة أم أن تونس لم تخرج من مرحلة الإرث الاستعماري القديم للقوى الخارجية التي تتحكم بمجريات الأمور ومن الطبيعي أن فاقد الشيء لا يعطيه فلا دولة ولا حكومة في بلد يعاني من مشكلة التدخلات الخارجية ويتستر السياسيون عن تلك الحقيقة ويعيدون تزييف الواقع لتضليل الشعب من جديد.
Prev Post
قد يعجبك ايضا