الثورة / محمد عبد الله
في الأسبوع الأول من العدوان على اليمن، أطل المتحدث باسم تحالف العدوان “أحمد عسيري” مُبشراً: تم تدمير إمكانات الجيش اليمني. مضى عام على العدوان لكن هذا الأسبوع لم ينته عند عسيري، ليمتد إلى عشرة أعوام، هُزم فيها تحالف الشر أشر هزيمة.
وأصبحت أهداف قوى التحالف المزعومة بإعادة الرئيس الفار إلى السلطة أو استعادة شرعية المرتزقة، أهدافاً معلنة غلفتها بأهداف خفية استماتت في تحقيقها.
فقسمت البلاد وانقضت على ثرواته وجوَّعت الشعب، وتآمرت على الحجر والشجر، ففرضت الإقامة الجبرية على الرئيس الفار وأخفته عن العيون، ووظفت الشرعية المزعومة كوكلاء وأدوات يشرِّعون احتلالها للبلاد، فاستولت على الجزر والسواحل والموانئ .
أما حكومة صنعاء في المناطق المحررة فتحتفل هذه الأيام باليوم الوطني للصمود اليمني الذي سيبقى ملحمة يمنية تجسد بسالة وصمود وشجاعة الشعب اليمني في مواجهة قوى الاستكبار.. فصمود الشعب اليمني وثباته أمام كل الصعوبات والتحديات واستبسالهم ومواقفهم البطولية منع الغزاة من الوصول إلى أهدافهم الشيطانية..
هذه الذكرى العاشرة ليوم الصمود الوطني، ستظل محطة يستلهم منها أبناء الشعب اليمني معاني التضحية والفداء في مواجهة أعتى عدوان..
وستُخلّد كتب التاريخ الصمود الأسطوري والبطولي للشعب اليمني الذي فرض معادلات جديدة أجبرت دول العدوان ومرتزقتها على التوقف عن نهب الثروات أو التحكم في قرار اليمن السيادي.
فاليمن قبل 26 مارس 2015، ليس هو اليمن بعد هذا التاريخ، حيث أصبح أكثر قوة، يواجه قوى الشر والاستكبار من الصهاينة والأمريكان ومعهم تحالف العدوان، وأصبح ملك البحار يحاصر الكيان الصهيوني، ويدفع الملايين منهم إلى الملاجئ .
تحل اليوم في السادس والعشرين من شهر مارس الذكرى العاشرة لبدء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن ويرى العالم بأسره عجز السعودية والإمارات المدعومتين بآلة الحرب الأمريكية والبريطانية بعد عشر سنوات عن تحقيق أي نتائج تذكر أو كسر عزيمة الشعب اليمني.
لقد انطلق العدوان السعودي الأمريكي فجر الخميس 26 مارس 2015 على أمل حسم سريع لم يتحقق حتى اليوم في ظل مقاومة أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية وصمود الشعب اليمني الذي لا يعرف الركوع أمام الظلم والغزاة.
اليوم، تأخذ ذكرى العدوان السعودي – الأمريكي على اليمن اهتمامًا مضاعفًا واستثنائيًا، كون هذا اليمن اليوم، وبقدراته وبإمكاناته وحضوره الإقليمي، يفرض موقفًا تاريخيًّا غير مسبوق في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني وقضيته، بمواجهة العدوّ الصهيوني في عدوانه على غزّة وفلسطين، والمدعوم من قوى غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
شهداء وضحايا وتدمير
في 26 مارس 2015 وبعد أولى الغارات الجوية على حي سكني في العاصمة صنعاء، تم الإعلان من واشنطن عن تحالف عدواني على اليمن بقيادة السعودية، اتضح لاحقاً أنه يضم العديد من الدول العربية ويحظى بدعم معلن من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أخرى.
هذه الغارات الافتتاحية تلاها مئات آلاف الضربات الجوية والبرية والبحرية التي نفذتها هذه الدول ضد الدولة اليمنية وشعبها دون سابق إنذار.
في الذكرى العاشرة لبدء جريمة العدوان وما تبعه من جرائم فإن عدد ضحايا دول تحالف العدوان على اليمن خلال الفترة من مارس 2015 إلى مارس 2025 بحسب الإحصائيات الأولية للمركز اليمني لحقوق الإنسان وصل إلى أكثر من (51.196) مدنياً، حيث بلغ عدد الشهداء (18,581) شهيداً، منهم (3,127) امرأة و(4,171) طفلاً، بينما بلغ عدد الجرحى و(32.615) جريحاً، منهم (3,622) امرأة و(4,327) طفل.
هذه الإحصائيات ليست أرقاماً، فوراء كل رقم قصة وأحلام وأمنيات وحكايات ماتت مع أصحابها، أو حوصرت معهم، أو دفنت تحت الأنقاض والركام، فخلال (10) أعوام مضت على جريمة العدوان التي ارتكبتها دول تحالف العدوان على اليمن تعددت الأفعال والممارسات التي تندرج في إطار الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف مواثيق القانون الدولي الإنساني كالجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، التي خلفت آلاف الضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح.
استهدفت دول تحالف العدوان مراراً وعلى نطاق واسع المدنيين في الأسواق الشعبية والمساجد والأماكن المخصصة لإحياء المناسبات كالأعراس ومجالس العزاء وغيرها من المناسبات الاجتماعية.
وأدت بعض تلك الهجمات إلى مجازر إبادة مروعة، وشكلت أبشع صور جرائم القتل الجماعي. كما كانت الأسلحة المحرمة خياراً متاحاً في عدد من تلك الهجمات الموجهة ضد المدنيين، فقد تكرر استخدام دول تحالف العدوان لأسلحة وقذائف محظورة تسببت في إحداث أضرار جسيمة وآلام شديدة الأثر .
كما أن الحصار الذي فرضته دول تحالف العدوان على اليمن أدى إلى خسائر اقتصادية فاقمت الوضع الإنساني، وألقت بآثارها على كافة فئات المجتمع اليمني.
الشعب اليمني يلتف حول القيادة الثورية
وبعد انطلاق العدوان على اليمن هب اليمنيون هبة رجل واحد معلنين النفير العام والالتفاف خلف قيادتهم الثورية ممثلة بالسيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي – قائد الثورة – الذي حمل على عاتقه إعلان مواجهة ذلك العدوان، وتشكلت اللجان الشعبية والألوية العسكرية التي تكاتفت مع تلك اللجان إلى جانب التلاحم الشعبي الكبير في دعم جبهات القتال ودعم الصمود اليمني الكبير الذي نكس رأس دول تحالف العدوان وأفشل مخططاتها في احتلال اليمن في غضون أيام كما كانت تعلن.
صمد اليمنيون لسنوات رغم العدوان والغارات والحصار البري والبحري والجوي وظلت دول تحالف العدوان تتخبط في مبرراتها ما بين التحجج بالقضاء على “إيران” باليمن وما بين إعادة ما أسمته بالشرعية التي احتجزت قياداتها بالرياض وما بين مبررات شتى باءت جميعها – بحسب معطيات الواقع – بالفشل الذريع .
وبعد عشر سنوات من العدوان والحصار تغيرت المعادلة واستطاعت صنعاء أن تحول موقعها من الدفاع إلى الهجوم وباتت تمتلك القوة الصاروخية التي تحوي في طياتها – بحسب خبراء عسكريين – صواريخ نوعية وطيران مسيّر “الدرونز” التي باتت تصل إلى العمق السعودي والإماراتي والصهيوني، وأضحت تلك القوة بقدرتها قصف المنشآت النفطية السعودية وبدقة عالية وهو الأمر الذي أجبر السعودية وبقية قادة تحالف العدوان على وقف هجماتهم الجوية على صنعاء.
وخلال سنوات العدوان على اليمن قامت دول تحالف العدوان وفي مقدمتها السعودية والإمارات على تغذية الصراعات بمناطق سيطرتها وتفريخ المليشيات والفصائل المسلحة تحت مسميات وتقاسمت السعودية والإمارات تلك المليشيات المسلحة أبسط نفوذها على مناطق سيطرتها.
وبحسب تقارير محلية ودولية فإن لتحالف دول العدوان أهدافاً وأجندات استعمارية ومطامع متعددة في حربهم وعدوانهم على اليمن واليمنيين ومن تلك المطامع السيطرة على الجزر والموانئ والمنافذ البحرية اليمنية لوأدها على حساب إنعاش الموانئ الإماراتية والسعودية مثل وأد موانئ ومنافذ عدن والمكلا والمخا والشحر وبلحاف وميدي والغيضة وعدد من المنافذ البحرية على البحرين العربي والأحمر والتي إن تم تشغيلها بالشكل المطلوب ستتأثر الموانئ الإماراتية والسعودية بشكل سلبي.
كما عملت دول تحالف العدوان خلال العشر السنوات الماضية على نهب ثروات الجزر اليمنية في محاولة لطمس معالمها وضمها للإمارات أو السعودية كما يجري الآن في جزيرتي سقطرى وميون اليمنيتين.
وخلال سنين العدوان المتواصلة عملت دول تحالف العدوان السعودي الإماراتي على احتلال منابع النفط والغاز اليمني ونهبه في محافظات حضرموت وشبوة ومارب وتوريد قيمة ما يظهر منه للعلن إلى حسابات قيادات تابعة لها عبر البنك الأهلي السعودي.
كما قامت دول تحالف العدوان وبحسب إحصائيات خلال سنوات العدوان بمحاولة تنفيذ المخطط السعودي القديم الحديث المتمثل بمشروع السعودية بمد أنبوب نفط عبر صحراء الربع الخالي مرورا بمحافظتي حضرموت والمهرة وصولا إلى البحر العربي والذي إن تم إنجازه سيوفر ملايين الدولارات شهريا بدلا من عناء تصدير النفط السعودي عبر البحر الأحمر.
وتذكر الإحصائيات أيضاً أنه وخلال سنوات العدوان قامت دول تحالف العدوان على اليمن بنهب الثروات اليمنية السمكية والنفطية إلى جانب نهب مناجم الذهب بمحافظة حضرموت ونهب الآثار اليمنية ورصد تقرير دولي تهريب أكثر من مليون قطعة أثرية للخارج خلال سنوات العدوان الماضية.
وتتعدد أشكال النهب والتدمير الموثقة لدول تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي وتتعدد أجنداته الاستعمارية التي من ضمنها أيضا سيطرة الدول العظمى المشاركة بالعدوان وفي مقمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وسيطرتها على مضيق باب المندب الممر الدولي الهام.
إلى ذلك ظهرت مطامع أخرى تتمثل بتسهيل وصول ضباط كيان الاحتلال الإسرائيلي للجزر اليمنية المحتلة خاصة بعد إعلان دويلة الإمارات تطبيعها مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
وبالنظر إلى مطامع دول العدوان في اليمن تتضح جليا الصورة الحقيقية لأهدافها الحقيقية وأكذوبة دفاعها عن اليمنيين الذي لم توفر لهم سوى الدمار ولم تخلف لهم في حربها سوى تفاقم المجاعة الذي وصل بحسب تقارير أممية حد وجود أكثر من اثنى عشر مليون يمني تحت خط الفقر وملايين الأطفال الذي يعيشون في مجاعة وسوء تغذية وتشريد وقتل الملايين وكل ذلك لأجل تحقيق دول العدوان لأهدافها غير المشروعة على حساب أشلاء اليمنيين ودمار اليمن.
اليمن قبل العدوان وبعده
يقول الكاتب شارل أبي نادر، في ذكرى العدوان الأميركي – السعودي على اليمن، والذي بدأ في 26 آذار / مارس 2015، وما يزال ممتدًا بأشكال مختلفة وأهمها الحصار لا بد من الإضاءة على ما وصل إليه اليمن اليوم من قدرات وتأثير وقوة على الصعيد الإقليمي، وربما أيضًا على الصعيد الدولي، وذلك من خلال إجراء مقارنة موضوعية بين ما كان عليه قبل العدوان ومعه، وما وصل إليه بعد عشر سنوات من الحرب والضغوط المختلفة وعلى الجوانب والمستويات كافة.
طبعًا، في كلّ عام، تأخذ ذكرى العدوان كامل الاهتمام: من داخل اليمن نظرًا إلى كونها شكّلت نقطة مفصلية في تاريخ البلاد على الصعد كافة: السياسية والشعبية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، ومن خارج اليمن كونه استطاع أن يسرق الأنظار والأضواء بصموده وثبات أبنائه، ويفرض نفسه بقوّة، بمواجهة أطراف خارجية، إقليمية وغربية، تملك فارقًا شاسعًا في الإمكانات والقدرات على المستويات العسكرية والمالية كافة.
وفي المقارنة بين قدرات اليمن العسكرية قبل العدوان العام ٢٠١٥ وقدراته حاليًا، يقول الكاتب شارل أبي نادر، بأنه لا مجال للموازنة بتاتًا، فاليوم تفرض الوحدات العسكرية اليمنية نفسها بصورة لافتة وصادمة، في مناورة عسكرية برية وبحرية وجوية، من خلال امتلاكها لإمكانات ضخمة على صعيد الأسلحة النوعية، وخاصة في المسيّرات المختلفة المهام والصواريخ الباليستية والبحرية.
وبواسطة هذه الأسلحة النوعية، يقارع اليمن اليوم، مروحة واسعة من القوى العسكرية الغربية القوية، وخاصة الأميركية والبريطانية المنتشرة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، بتنفيذ حصار خانق وفاعل على الموانىء الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، نصرة للشعب الفلسطيني في غزّة وفي الضفّة الغربية والقدس.
وفيما يتعلق بالبعد القوميّ، يقول شاربل ” بعد سنوات من العدوان السعودي – الأميركي عليه، والذي كان بغطاء ما يسمّى “التحالف العربي”، يفرض اليمن نفسه بمواجهة العدوان الأميركي – الصهيوني على الشعب الفلسطيني، لاعبًا أساسيًا، إذ يبرز من بين هؤلاء العرب الذين شكلوا هذا التحالف ضدّه في آذار من العام ٢٠١٥، حاميًا أول لقضية فلسطين، والتي من المفترض أن تكون قضية هؤلاء العرب أعضاء ذلك التحالف الذي فرضه الأميركيون ضدّ اليمن؛ وفي الوقت الذي يخاذل أغلب هؤلاء العرب قضية فلسطين، ارتهانًا أو خوفًا أو خيانة، يقف اليوم اليمن المحاصر، في ذكرى مرور عشر سنوات على العدوان عليه، موقفًا قويًا وثابتًا وشجاعًا ومشرِّفًا، ليشكّل رأس الحربة في الدفاع عن قضية فلسطين وعن قضية كلّ هؤلاء العرب.
وفي بُعد اليمن القومي؛ يقول شربل “بعد سنوات من العدوان السعودي – الأميركي على اليمن، والذي كان بغطاء ما يسمّى “التحالف العربي”، يفرض اليمن نفسه بمواجهة العدوان الأميركي – الصهيوني على الشعب الفلسطيني، لاعبًا أساسيًا، إذ يبرز من بين هؤلاء العرب الذين شكلوا هذا التحالف ضدّه في آذار من العام ٢٠١٥، حاميًا أول لقضية فلسطين، والتي من المفترض أن تكون قضية هؤلاء العرب أعضاء ذلك التحالف الذي فرضه الأميركيون ضدّ اليمن؛ وفي الوقت الذي يخاذل أغلب هؤلاء العرب قضية فلسطين، ارتهانًا أو خوفًا أو خيانة، يقف اليوم اليمن المحاصر، في ذكرى مرور تسع سنوات على العدوان عليه، موقفًا قويًا وثابتًا وشجاعًا ومشرِّفًا، ليشكّل رأس الحربة في الدفاع عن قضية فلسطين وعن قضية كلّ هؤلاء العرب.