-في غمضة عين، قد تتهاوى أقوى الأنظمة وتنهار أعتى الجيوش، وتتفكك أعظم الدول والإمبراطوريات، وقد شهد التاريخ القديم والحديث الكثير من الشواهد على هذه الحقيقة المتجددة، لكن لم يسمع أحد يوما أن مقاومة ضد محتل قد انتهت واندثرت، أو خبا بريقها، مهما كانت قليلة الإمكانيات، وضعيفة التسليح والدعم والمؤازرة.
-في زماننا، رأينا كيف تلاشى الاتحاد السوفيتي، الذي كان أحد قطبي العالم، ولم تشفع له قوته وسلاحه النووي، وجبروته من تفادي السقوط، ليبدأ عصر القطب الواحد، وما هو من السقوط ببعيد، بالنظر إلى كل هذا الظلم والاستبداد والطغيان والاستكبار والغطرسة، التي باتت تعشش في عقول ونفوس حكام البيت الأبيض، ودعمهم اللامحدود لجرائم ومجازر الكيان الإسرائيلي بحق المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني.
-جاءت ثورات ما سُمي بالربيع العربي، فشهدنا سقوط أنظمة عتيدة في المنطقة، قامت على الجبروت والقبضة الحديدية ورعب الأجهزة الأمنية، وكان آخرها – كما شاهد الجميع – النظام السوري الذي سقط إثر تطورات وأحداث دراماتيكية متسارعة، لم تخطر على قلب بشر.
-جميع المخلوقات – أفرادا وكيانات – محكومين بالزوال، وهذا من الحتميات المؤكدة، وربما يتفاوت أمد البقاء وفقا لتمسك هذا وذاك، بالقيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، وتحقيق العدالة وإقامة الحق في الأرض، وسبحان الحي الدائم الذي لا يموت، لكن المقاومة ضد الباطل والظلم والاحتلال والطغيان، تبقى الأكبر عمرا والأكثر صمودا وبقاء.
-اليوم تسجل مقاومة الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة – وخصوصا في قطاع غزة – واحدة من أكبر المعجزات في هذا الزمن، وهي تسطر كل هذا الصمود، أمام كل قوى الشر في العالم، وقد تخلى عنها القريب قبل البعيد، إلا ما رحم ربي.
-حتى اللحظة – ورغم كل الدمار، ووحشية العدو الصهيوني، واعتماده سياسة الأرض المحروقة، في مساحة جغرافية لا تتجاوز 300 كيلو متر مربع هي كل قطاع غزة – ما زالت المقاومة في شمال القطاع تنفذ العمليات العسكرية المؤلمة في عمق الكيان، وتُلحق الخسائر الفادحة بجحافل جيش العدو المدعوم بأقوى جيوش العالم، وأحدث أنواع السلاح، وأعظم التقنيات في مجال تكنولوجيا الاتصال والرصد والمتابعة.
-سر الصمود الأسطوري لمجاهدي المقاومة الفلسطينية يكمن في قوة الحق في نفوسهم، واعتمادهم على الله في أعمالهم التي يبتغون بها وجهه سبحانه وتعالى، وليس البحث عن الشهرة والمجد والصيت وغير ذلك من الاعتبارات والأهداف الدنيوية الضيقة.
-الاحتلال فعل كل ما في وسعه، وتمادى في إبادة السكان المدنيين لأكثر من 14 شهرا، وضرب كل مقومات الحياة، وكثف من جرائم القتل والهدم والتجويع وتخريب المنازل السكنية والمرافق الخدمية، بهدف خلق فجوة بين المقاومة وحاضنتها الشعبية، واعتمد آلة إعلامية ضخمة لتشويه المقاومة، وبث السموم حولها، بالتعاون مع أبواق عالمية وبعض الوسائل العربية، للأسف الشديد، لكنه فشل وما زال يفشل ويفشل، أمام صمود واستبسال المقاومة، التي تتمتع بشرعية قانونية داخلية ودولية، ودعم ومناصرة وتعاطف كل صاحب ضمير ومشاعر إنسانية في العالم كله، لذلك بقيت وستبقى ما بقي الاحتلال والظلم والجبروت.
-لقد جعلت المقاومة الفلسطينية، وعملياتها المتواصلة من المجتمع الصهيوني – وفي مقدمته الخبراء والباحثون والمختصون – يتحدثون في ارتباك وفزع عن مخاوف حقيقية، على مصير كيانهم الطارئ، ودولتهم المُغتصِبة.