الثورة / وكالات
لم يعد إنكار الخارجية الأمريكية لتهمة ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي إبادة جماعية في قطاع غزة كافيًا لتبرئته منها، ولم تعد محاولات فرض الحصانة -من بعض الدول (مثل فرنسا)- على قادة الاحتلال من المساءلة القانونية على تلك الجرائم، ذات جدوى، أمام تداعيات الاتهامات المدعومة بالوثائق من قبل مؤسسات ومحاكم وشخصيات ومراكز حقوقية ضد الاحتلال بأنه متورط في تلك الجريمة.
مصطلحات “التطهير العرقي” و”الإبادة الجماعية” و”جرائم ضد الإنسانية”، أصبحت أشبه بـ”الحصرية” لقادة الاحتلال (بل وداعميه أيضًا) في خطابات المنظمات الحقوقية وتقاريرها المتجددة، ومن بين آخر ما صدر في هذ الشأن، التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية تتهم فيه إسرائيل بارتكاب جريمة “الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وتطالب بإدراج هذه التهمة ضمن جرائم الاحتلال في ملف المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت الشهر الماضي مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه المقال يوآف غالانت بتهمة “ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.
إفلات من العقاب
وقالت “العفو الدولية” في تقرير أصدرته أمس الأول، إن بحوثها وجدت أدلّةً وافيةً تثبت أن إسرائيل قد ارتكبت، ولا تزال ترتكب، جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة “المحتل”، مضيفة أنها (المنظمة) وثّقت فتح إسرائيل أبواب الجحيم والدمار على الفلسطينيين في قطاع غزّة، بصورة سافرة ومستمرة، مع الإفلات التام من العقاب، أثناء هجومها العسكري على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “يثبت تقرير منظمة العفو الدولية بوضوح أن إسرائيل ارتكبت أفعالًا تحظرها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بقصد خاص ومحدد وهو تدمير الفلسطينيين في قطاع غزّة، مطالبة بأن “تكون نتائجنا الدامغة بمنزلة صيحة تنبيه للمجتمع الدولي: هذه إبادة جماعية، ولا بد أن تتوقف الآن”.
تهمة أمام المحكمة
وفي تحذير هام وغير مسبوق، طالبت كالامار الدول التي تواصل توريد الأسلحة لإسرائيل في هذا الوقت أن تدرك أنها تخل بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية، وأنها عرضة لأن تصبح متواطئة في الإبادة الجماعية.
وأضافت: “لقد أظهرت أبحاثنا أن إسرائيل استمرت لعدة أشهر في ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية، وهي تدرك تمامًا ما تلحقه بالفلسطينيين في قطاع غزّة من أضرار لا يمكن جبرها. وقد تمادت في ذلك ضاربة عرض الحائط بما لا حصر له من التحذيرات بشأن الأوضاع الإنسانية الكارثية، وبالقرارات الملزمة قانونًا من محكمة العدل الدولية التي تأمر إسرائيل باتخاذ تدابير فورية لتمكين المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المدنيين في قطاع غزّة”.
وتابعت كالامار: “لقد ظلّت إسرائيل تزعم مرارًا أنّ أفعالها مشروعة، ويمكن تبريرها بهدفها العسكري المتمثل في القضاء على حماس. ولكن قصد الإبادة الجماعية يمكن أن يكون قائمًا إلى جانب الأهداف العسكرية، ولا يتعيّن بالضّرورة أن يكون هو القصد الأوحد لدى إسرائيل”.
وحثت المنظمة مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على النظر فورًا في إضافة الإبادة الجماعية إلى قائمة الجرائم التي يُحقق فيها، وأن تستخدم جميع الدول كافة السبل القانونية المتاحة لها لتقديم الجناة إلى العدالة. لا ينبغي السماح لأحد بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والبقاء دون عقاب”.
مقررة أممية: نية التدمير واضحة
التقرير الحقوقي لم يُغرّد وحيدًا في الاستنتاجات التي وصل إليها من اتهام الاحتلال بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، حيث وصفت المقررة الأممية المعنية بفلسطين “فرانشيسكا ألبانيز” ما يحدث في غزة من تجويع ممنهج بهدف التدمير بأنه ليس حربًا، بل يجب تسميته “إبادة جماعية”.
وشاركت ألبانيز على حسابها بمنصة إكس -في السادس من الشهر الماضي نوفمبر 2024- تقريرًا للأمم المتحدة يفيد بسماح إسرائيل في شهر أكتوبر 2024 بدخول 30 شاحنة مساعدات يوميًّا فقط إلى قطاع غزة.
وأضافت المقررة الأممية أن عدة وسائل تستخدمها إسرائيل تؤكد استهدافها تدمير الفلسطينيين، لافتة إلى أنّ أكثرها قسوة وتعقيدًا هو خلق ظروف معيشية غير مستدامة وغير إنسانية. وقالت: “لا تسموا هذه حربًا.. إنها إبادة جماعية؛ نية التدمير واضحة. كما أن تواطؤ الدول الأخرى واضح أيضًا”.
بوريل: تطهير عرقي
ومن جهته يرى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن مصطلح “التطهير العرقي” يستخدم بشكل متزايد فيما يتعلق بالوضع في شمال قطاع غزة؛ حيث تشنّ إسرائيل “هجومًا داميًا، حسب وصفه.
وصرح بوريل عبر منصة إكس بأن “عبارة التطهير العرقي تستخدم بشكل متزايد لوصف ما يحدث في شمال غزة”، معربًا عن إدانته بشدة للغارات الإسرائيلية الأخيرة على جباليا بقطاع غزة، ومؤكدًا أن “الواقع اليومي للتهجير القسري ينتهك القانون الدولي”.
وشدد مسؤول السياسة الخارجية الأوروبي، الذي من المقرر أن يغادر منصبه في ديسمبر، على أن “استخدام الجوع سلاح حرب يتعارض أيضا مع القانون الإنساني الدولي”، محذرا من “الاحتمال الكبير لحدوث مجاعة” في شمال غزة.
من داخل الكيان
الأمر لم يتقصر فقط على اتهامات من منظمات حقوقية أو تقارير أممية، بل إن الأمر وصل إلى أن مسؤولا إسرائيليًّا سابقًا اعترف بأن ما تقوم به حكومة نتنياهو في قطاع غزة ما هو إلا إبادة جماعية.
حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان الأسبق لجيش الاحتلال موشيه يعالون إن إسرائيل “تقوم بتطهير عرقي في شمال قطاع غزة، ولم يعد هناك بيت لاهيا أو بيت حانون”، مضيفًا أن “الجيش الإسرائيلي يعمل على تطهير جباليا حاليًّا”.
نقلت هيئة البث الإسرائيلية في الـ 30 من الشهر الماضي نوفمبر، عن يعالون قوله إن “الطريق الذي يتم جر إسرائيل إليه حاليًّا هو طريق احتلال وضم وتطهير عرقي بالنظر إلى ما يجري في شمال القطاع”.
وحول سياسة حكومة اليمين الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو في الضفة الغربية وقطاع غزة، قال يعالون “يتم جرنا الآن للاحتلال والضم والتطهير العرقي، انظروا إلى شمال القطاع والتهجير والاستيطان اليهودي”، مضيفًا أن “نتنياهو يقود إسرائيل نحو الخراب”.
ومع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الخامس عشر، أثبتت الأحداث أن كل محاولات الاحتلال الإسرائيلي الاحتماء بالحصانة الدولية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا على المنظمات الحقوقية والمحاكم الدولية والأمم المتحدة، لم تعد تستطيع الصمود أمام هذا التداعي من الاتهامات المتعاقبة من كافة الاتجاهات، وأن الحماية الدولية والفيتو الأمريكي على أي قرارٍ يدين الاحتلال، على وشك أن تنهار ولم تعد قادرة على الصمود في مواجهة الرأي العام ولا قرار المحكمة الدولية ولا التقارير الحقوقية المتتالية.