«صفًا من عشرات المتظاهرين، يجلسون في الشارع تحت المطر المستمر؛ بينما آخرون خلفهم يرفعون لافتة كُتب عليها «لا تحتفلوا بالإبادة الجماعية»، و«افرضوا حظر أسلحة الآن!».. فريق من أفراد الشرطة المدججين بالسلاح والهراوات يصلون المكان على دراجات هوائية ويشتبكون مع المتظاهرين ويقتادونهم بعيدًا».
هذا المشهد ليس سينمائيا وإنما حدث في نيويورك الخميس، حين تعمد متظاهرون قطع الطريق أمام سير احتفال بما يسمى عيد الشكر دعما للفلسطينيين، ومثل هذا المشهد وما هو أكثر منه عنفاً شهدته شوارع وساحات أمريكا ودول أوروبية بين الشرطة والمتظاهرين، جرى في بعضها إلقاء القنابل المسيلة للدموع وفي بعضها سحل عدد من المتظاهرين، ووقوع إصابات بين رجال الشرطة، وعلى مدار أكثر من عام والمشهد يتكرر، وهذا يحدث في بلاد «الفرنجة» حيث لا يربطهم بفلسطين والشعب الفلسطيني أي رابط إلا رابط الإنسانية ورفض التجبّر والتسلط على رقاب شعب، ونهب أرضه وحتى التآمر على نفيه من هذه الأرض.
أثبت الأحرار حول العالم أنهم أكثر حياة من شارعنا العربي والإسلامي الميت، باستثناء القِلة القليلة، حيث استسلمت شعوبنا لإرادة الحكام المنسلخين من دينهم وقيمهم بهذه السلبية تجاه استمرار هذه المعاناة المريرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة منذ أكثر من عام.
يتصاعد أعداد الشهداء والجرحى، والمفقودين تحت الأنقاض.. وكلما زاد العدو من جرائمه، جعل الإطار يضيق أكثر على الأنظمة التي يبدو أنها تحذف تباعا أي قناة تنقل مشاهد من المأساة الفلسطينية، ولا تحاول هذه الأنظمة حتى الاستفادة من حالة التماهي هذه مع الكيان بحيث تطلب على الأقل أن يخفف من إحراجها أمام شعوبها العالم.
وتعلم هذه الأنظمة أن استمرار العدو بكسر كل القواعد الأخلاقية والإنسانية في عدوانه على الفلسطينيين، إنما يجري من شعور بالأمان بأنها -الأنظمة- لن يكون لها أي موقف مناهض لهذا العدوان.
حالة من الإفلاس، وحالة فظيعة من البرود للمشاعر، بحيث لا تحرك هذه المعاناة المشهودة للعالم بأسره، الضمائر لنجدتهم والضغط لإيقاف آلة القتل عن مواصلة الإبادة التي تُذكرنا بالإبادة الأمريكية لشعب الهنود الحمر من اجل الاستيلاء على أرضهم، ومع علم الأنظمة المفلسة بأن ما يجري، لا عنوان شرعي له، إلا أنها قبلت بالوقوف مع العدو بهذه السلبية وأحيانا بالهروب من المسؤولية إلى تحميل المقاومة الفلسطينية تبعات ما يجري وكفى، وكأنه ما عادت هناك قضية ظلت في مناهجنا لعقود قبل أن يجري التآمر على حذفها من المتطلبات الدراسية للطلاب.
اليوم الفلسطينيون يناشدون كل الضمائر الحية التحرك لرفع هذا الظلم التاريخي عنهم، حيث الانعدام شبه التام لكل وسائل الحياة، وتتعاظم المأساة مع دخول فصل الشتاء، وقبل أيام جرفت مياه البحر وأتلفت نحو 10 آلاف خيمة للنازحين في القطاع؛ بسبب تأثير المنخفض الجوي، يسكنها مئات الآلاف ما يجعلهم عرضة لأمراض خطيرة خصوصًا مع قدوم الشتاء ومخاطر البرد والفيضانات، فكيف يمكن تقبّل حدوث مثل هذا لبشر ولو كانوا في أقاصي الأرض ولا تجمعنا بهم أرض ولا دين، فما بالك وهو يجري في جزء منا، في مواطنين أبرياء لا شأن لهم بالمعركة الدائرة مع الكيان، خذلتهم كل الشعارات والعناوين؟!!
يعلم الجميع أن إسرائيل لا تقاتل بأخلاق وبأنها تستهدف المدنيين، وهذا كاف لاعتباره حُجة يمكن منها رفع أي حرج أو التزام بأية قيود أخضعت أنظمتنا نفسها لها أمام أمريكا والكيان الإسرائيلي والغرب.
مع ذلك ستظل الحقيقة التي لا يمكن لأي مؤامرات أو مخططات أن تطمسها، أن الأرض لأهلها، وأن كل جولات العدوان لن تُخرس الأصوات ولن تُبدد إيمان أبنائها بحقهم، كما أن استمرار الحركة النضالية الممتدة منذ (75) عاما لن تتوقف، وسيظل واقع العدو غير آمن.