هجوم أطلسي معاكس

عماد الحطبة

 

 

جاء قرار مجلس محافظي الهيئة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران ليشكل حلقة إضافية في الهجوم المعاكس الذي يشنه حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة على جميع الجبهات، بعد سلسلة الخسائر العسكرية والسياسية التي مُني بها هذا الحلف على مدى السنة الماضية.
جاء مشروع القرار، الذي تقدمت به الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، معاكساً لسير الأحداث، إذ قدم رئيس الوكالة الدولية للطاقة روفائيل غروسي تقريراً إلى الدول الأعضاء يؤكد فيه بدء إيران “تنفيذ تدابير تحضيرية” تتفق مع توجهات الوكالة.
على رغم هذا التأكيد فإنه لم تعترض على قرار الهيئة الدولية للطاقة سوى ثلاث دول هي الصين وروسيا وبوركينا فاسو، في حين وافقت عليه 19 دولة، وامتنعت عن التصويت 12 دولة. تجدر الإشارة هنا إلى أن مجلس المحافظين لهذه الدورة يضم ست دول عربية وإسلامية، كانت أظهرت مواقف مؤيدة لإيران قبل أقل من شهر في القمة العربية الإسلامية الطارئة، وهو ما يشير إلى حجم الضغوط التي مارستها دول الناتو على هذه الدول كي لا تصوّت ضد القرار.
على جبهة بعيدة أخرى، في أوكرانيا، جاء الهجوم الصاروخي الأوكراني على العمق الروسي ليدشن مرحلة جديدة من هذه الحرب. من المعروف أن الولايات المتحدة زودت أوكرانيا بصواريخ “أتاكمز”، وكذلك فعلت بريطانيا وفرنسا اللتان زودتا أوكرانيا بصواريخ “ستورم شادو” وصواريخ “سكالب” بشرط عدم استخدام هذه الصواريخ في قصف العمق الروسي.
إعلان جو بايدن تخفيف القيود على أوكرانيا بهذا الشأن، ولحاق فرنسا وبريطانيا، أتاحا لأوكرانيا استخدام هذه الصواريخ، وهو ما استدعى رداً روسياً حاسماً باستخدام صاروخ “أوريشنيك”، أو “شجرة البندق”، ليدمر أكبر مجمع صناعي أوكراني في دينبيرو خلال لحظات. لا يمكن فصل هذا التصعيد عن تدشين قاعدة صواريخ أمريكية على بحر البلطيق شمالي بولندا، وهو ما يحمل تهديداً صريحاً باقتراب الصواريخ الأمريكية من الأراضي الروسية.
في اليمن، أصبحت غارات الطائرات الأمريكية والبريطانية على المدن والمحافظات اليمنية شبه منتظمة. هذا العدوان جزء من عملية “رامي بوسيدون” التي انطلقت في شهر كانون الثاني/يناير 2024، بحيث كانت الطائرات المعادية تشن ما يقرب من 4 غارات شهرياً، ليرتفع هذا العدد بشكل كبير ليصل، خلال بعض أيام شهر تشرين الأول/أكتوبر (2024)، إلى 18 غارة يومياً.
العدوان نفسه تقوم به الولايات المتحدة في شمالي شرقي سوريا باستهداف القوات الرديفة للجيش السوري في غارتين يومي 19 و23 تشرين الثاني/نوفمبر، وهو ما أدى إلى استشهاد عدد من منتسبي هذه القوات، والعدوان الصهيوني على مدينة تدمر وسط سوريا والذي أدى إلى استشهاد 36 شخصاً على الأقل.
في الوقت نفسه، تحرك 32 رتلاً عسكرياً أمريكياً من الأراضي العراقية نحو الأراضي السورية، بحيث ضم كل رتل 50 عربة عسكرية، بينها شاحنات. وكانت قوات الاحتلال الأمريكي أجرت مناورات مشتركة مع ميليشيات “قسد” الانفصالية في محاولة لطمأنة هذه الميليشيا إلى الالتزام الأمريكي بحمايتها، سواء في ظل تململ العشائر العربية في المنطقة، أو الشكوك التي تدور حول دورها في المرحلة المقبلة بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية.
في جبهة القتال في لبنان، يصعّد العدو عملياته الإجرامية ضد المدنيين اللبنانيين، وتدمير البنية التحتية، وتعميم هذه الجرائم على كامل الجغرافيا اللبنانية في محاولة لتعميق الأزمة الانسانية من جهة، وإعطاء خصوم المقاومة الفرصة لتأليب الشارع اللبناني ضدها من جهة أخرى، إضافة إلى محاولة تحصيل مكاسب سياسية داخلية على حساب انشغال حزب الله بالمعركة.
هذا التصعيد بدأ باغتيال سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله، ومجموعة من قيادات المقاومة، بضوء أخضر أمريكي، في محاولة لإرباك قيادة المقاومة وإضعاف قدرتها على التصدي للهجوم البري الصهيوني. اليوم، بعد نحو شهرين على بدء العملية التي لم تحقق شيئاً على الأرض سوى تدمير المنازل وقتل المدنيين، في حين استمرت المقاومة في استهداف الداخل الفلسطيني، واستطاعت صواريخها الوصول إلى نقاط تبعد 30 كم شمالي قطاع غزّة. يتدخل الأمريكي مرة أخرى على شكل الوسيط الذي يشترط إشرافه على تطبيق وقف اطلاق النار في الجنوب اللبناني، بما يضمن التنفيذ الحرفي للقرار 1701، وتراجع المقاومة إلى ما وراء نهر الليطاني.
في قطاع غزّة المجزرة مستمرة، عسكرياً وإنسانياً. يبدو أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر للكيان للاستمرار في مجازره إلى ما بعد استلام الرئيس الجديد مقاليد الحكم في البيت الأبيض. “إسرائيل” تتخذ إجراءات في ثلاثة محاور، ابتداءً من محور فيلادلفيا في الجنوب، مروراً بمحور نتساريم في وسط القطاع، وحتى محور الشمال في محيط منطقة جباليا، هذه الإجراءات تشير إلى نية “إسرائيلية” بالبقاء في القطاع لفترة طويلة. لجأت الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى الخطة نفسها لاغتيال القيادات لإضعاف المقاومة، فكان اغتيال الشهيد القائد يحيى السنوار.
هذا المخطط لن يجد معارضة أمريكية – أوروبية حقيقية، كما أشارت القمة العربية – الإسلامية إلى أن إعادة الإعمار هو سقف رد الفعل العربي الإسلامي، إذ غيّبت القمة احتمالات أي إجراء دبلوماسي أو سياسي أو اقتصادي ضد الكيان الصهيوني في حالة استمرار العملية العسكرية.
يقف محور المقاومة اليوم، وبعد أكثر من عام على بدء المعركة في الموقع نفسه، الذي كان فيه في اليوم الأول. من جهة تصميم استراتيجي من المحور على خوض المعركة مهما بلغت التضحيات، ورؤية واضحة لإمكان تحقيق إنجازات من خلال هذه المعركة. من جهة أخرى، موقف رسمي عربي إسلامي هزيل ميّال إلى التراجع والبحث عن حلول سهلة، استسلامية.
بينهما يقف الجمهور العربي المؤيد قلباً للمقاومة، لكنّه مكبَّل اليدين بالتزامات أنظمته تجاه تحالفاتها مع الكيان والولايات المتحدة.
ما زال رد فعل القوى السياسية العربية المؤيدة للمقاومة دون المستوى المطلوب. المطلوب تكثيف العمل، بصورة يومية للتواصل مع الجمهور من خلال استراتيجية ذات رؤية واضحة، بعيداً عن دائرة رد الفعل على الأخبار. علينا الذهاب إلى الحرب، وعلى جميع الجبهات قبل أن تأتي هذه الحرب إلينا.
كاتب سياسي أردني

قد يعجبك ايضا