دارت القصة في هولندا وبدايتها كانت خسارة الفريق الصهيوني، ولأن الصهاينة اعتادوا أن يدللهم العالم ولو بادعاء فوزهم، ارتفع مستوى ضغط الدم عند المشجعين الصهاينة فقاموا بتنظيم وقفة عبثية مناصرة لكيانهم الغاشم، ثم قاموا بالاعتداء على بعض المنازل وإنزال الأعلام الفلسطينية وتمزيقها.. أحد مالكي هذه المنازل، وهو مواطن مغربي، كتب «الصهاينة بعتدوا ع بيتي»، حينها هبّ أبناء الجاليات العربية وعدد كبير من مناصري فلسطين في هولندا، وسيطروا على الموقف، وقاموا بتأديب الصهاينة، دهس ولطم وركل وطعن ومحاولات خطف.
هذه الرواية هي التي تداولها الناشطون في هولندا، والتي تكشف عن النزعة العدوانية للصهيوني إينما كان، وتعامله بهذه الاستعلائية التي يَفترِض فيها أن على الجميع أن يراعوا مشاعره وأن يعطوه الميزة لكونه صهيونياً، لكن ما حدث في أمستردام كشف له حجمه ونظرة العالم تجاهه.
طبعاً عقب الحادثة التي أهانت الكيان، أصدر رئيس حكومة الاحتلال الإرهابي تعليمات بإرسال طائرتين لنقل المشجعين فوراً وإعادتهم للأراضي المحتلة، وعلى متنها فرق طبية في مقدمتها فريق علاج الآثار النفسية وأخرى للإنقاذ، فيما منع جيش الاحتلال جميع العسكريين من السفر إلى هولندا حتى إشعار آخر، بل ووجّه بعودة الجنود الموجودين حاليا هناك فوراً، وهي ردود أفعال مثيرة للسخرية، ولا تنُم إلا عن سيطرة العقلية العنصرية على الكيان، واستفحال الغباء الذي لم يمكّن قادته من قراءة دلالة ما حدث.
المسألة ليست مستوطنين، وليست ساميّة، وإنما هي رفض عالمي للفكرة الصهيونية القائمة على الإجرام والبطش، ورفض للممارسات العدوانية بحق الأبرياء المدنيين في غزة ولبنان، ورفض للتعامل فوق القانون، كما هي ضد انحياز الأنظمة الدولية الأعمى للرواية «الإسرائيلية».
أحداث هولندا أظهرت بوضوح أن الكيان الإسرائيلي لا يزال منبوذاً في الأوساط الشعبية، وبعيدا حتى عن تطبيع وجوده مع العالم، إنه حالة منبوذة، وحالة لا تزال تخضع لكثير من الجدل لأنه كيان غير طبيعي، حتى مع وجود من يؤيده ومن يتعصّب معه وله، فإن هذا لا يخفي حقيقة أنه إنما يختبئ طوال الوقت خلف الظل الأمريكي، وسيظل باقي «الثمانين» من عمره خلف الظل الأمريكي، لأنه غير شرعي، ومهدد طوال الوقت بالزوال، وجبهته الداخلية تؤكد ذلك بتآكلها ورحيلها من الأراضي المحتلة، ما ينسف فكرة الدولة.
قام الكيان على نوايا إخضاع العالم للإرادة الصهيونية، وكانت المنطقة العربية الأكثر ملاءمة لزرع بذرة هذه الحركة الخارجة عن القانون، لكون هذه الجغرافيا تتمتع بالكثير من المميزات والخصائص، على صعيد المكان وعلى صعيد الثروات، فضلا عن كونها جغرافيا المسلمين والعرب، الذين يرى اليهود فيهم أعداء أزليين، ومن امتلاك مقادير هذه الخصائص يمكنه السيطرة على العالم، وذهب الصهاينة للعمل بما خلصت إليه المؤتمرات الصهيونية لإنشاء التواجد في المنطقة، وصولا إلى فرصة الوعد البريطاني المشؤوم وعد (من لا يملك لمن لا يستحق).
ثم بدأ أساطين المال والجريمة في صنع طبقات حماية للكيان غير الشرعي، لعلمهم بأنه قابل للكسر، فصادر اللوبي الصهيوني قرار الولايات المتحدة وبالتبعية قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وصنع مدعاة (الساميّة)، وفرض محاذيرها على الدول الأوروبية والغربية كأذرع حماية من أي توجه يرفض مصادرة الحقوق لأجل كيان لقيط يقوم على الجريمة وسفك دماء الأطفال والنساء وتجويعهم.
ما حدث في أمستردام، ناتج عفوي لهذه المحرقة والإبادة التي تمارس ضد الأبرياء في فلسطين دون أي رادع أو موقف حازم من المجتمع الدولي، وهذا ما لا يريد العدو الصهيوني ومعه الشيطان الأمريكي أن يرياه، لأنه يكشف أصولهما الحيوانية التي تقتل بلا أدنى خوف، وتتمرد على الأعراف والقيم والأخلاق بلا أدنى مستوى من الخجل.
وهذا التعبير العنيف الرافض للغطرسة الصهيونية، حدث من قبل ويحدث دائماً وبأشكال مختلفة، في كثير من الدول وخاصة أثناء وعقب المباريات، وهو مرشح للتصاعد، فهناك نفوس لا تزال تنبض بالإنسانية، وإن لم يكونوا مع فلسطين فهم على الأقل مع الإنسانية التي ترفض هذه الممارسات الحيوانية من قبل أمريكا و”إسرائيل”».