نشوة العدو لن تطول!

وديع العبسي

 

من الطبيعي أن ينتشي العدو الصهيوني اليوم بتمكنه من اغتيال سيد المقاومة، ومن الطبيعي أن يذهب بأوهامه إلى تصور أن غياب السيد حسن نصرالله يعني نهاية المقاومة، أو كما تشدق نتنياهو بأن الحدث سيغير في الشرق الأوسط، ومن الطبيعي أن يقول أكثر من ذلك ليعبر بذلك عن قناعته بالحجم الذي يمثله نصر الله في جبهة الرفض والجهاد ضد وجوده.
غير أن العدو مع ذلك يؤكد باستمرار أنه لا يستفيد من التجارب التي يعيشها أكانت لجهة الضربات التي يتلقاها أو حتى عمليات الاغتيال الغادرة التي ينفذها ضد قادة المقاومة، فخلال العقود الماضية لم يتوقف الكيان عن استهداف القادة، لكنه طوال هذه العقود لم يستطع أن ينهي حالة اللا استقرار التي يعيشها في كيانه ووجوده بسبب عمليات المقاومة، وكلما تصور باغتياله أحد القادة أنه يقترب من كتابة النهاية لهذه الجبهة ظهرت المقاومة أكثر قوة وتماسكاً، وهذا الأمر عايشه فعليا مع قادة حماس كما وقادة حزب الله، إذ لم يحدث أن خفت بريق المقاومة يوما بسبب هذه الاغتيالات.
محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، آفي يسسخاروف تصور مؤكداً أن الخلاص من عنفوان حزب الله لن يتأتى إلا باستهداف نصرالله، لما يمثله من ثقل لدى الوسط المقاوم عموما، ومثل هذا التفكير لا يبتعد كثيرا عن التصورات التي دائما ما كانت تحصر الفكر والأهداف في شخص القائد أو كان يراد لها ذلك حتى يمكن السيطرة على الكل بالسيطرة أو التخلص من هذا القائد.
وتصورات العدو العقيمة يتبعها ممارسات عقيمة لا تؤتي أي أُكُل، ولذلك يبقى باستمرار يدور في دوامة التحضير والاستنفار والترقب للمخاطر المحدقة به.. وهي الحقيقة التي أكدها الحزب أمس، فمع الإعلان عن استشهاد السيد نصرالله، لم تتوقف الهجمات على الكيان، وزد على ذلك تأكيد الحزب أن الهدف الذي أراده العدو باغتيال نصرالله صعب التحقُّق، وهذا التأكيد ينطلق من كون مساندة غزة مسألة لا ترتبط برؤية أو برنامج شخص أو قائد وإنما هي عقيدة راسخة ومتجذرة منبعها الدين والإنسانية والأخلاق، وهي قيم لا يفهمها العدو ولذلك لا يمكنه إنهاء عملية المساندة لغزة والدفاع عن المقدسات الإسلامية من أي انتهاكات.
نشوة العدو لن تطول، ورهانه خاسر، وسيلعق الخيبة حتى وهو يرتكب كل ما يمكن بلا أي محاذير أخلاقية أو إنسانية، وسيدرك أنه حتى مع تجاوز كل الأعراف والمواثيق واللجوء إلى فعل البلاطجة ومنطق العصابات فإنه لن يكون له وأد الإيمان بالقضية الفلسطينية، والقادة وكل المنخرطين في العمل المقاوم يدركون أنهم مشاريع شهداء وأنهم محط عمليات العدو، مع ذلك فإنهم قد وجدوا في توجههم، الحياة، لذلك فهم يتجددون مع كل عملية استهداف صهيونية ويبقى الرفض للإذعان للمشروع الصهيوني عنوان كل مراحل الجهاد حتى كيّ هذه الغدة السرطانية.
ربما المعيب فيما يحدث، هو هذه الحالة من الجمود للموقف العربي والدولي، حيث لا صوت ينتقد أو ينتصر للقيم الإنسانية، حيث جرائم العدو بحق اللبنانيين وصلت مستوى محظوراً من التجاوز، ما يثبّت هذه الوضعية الاستثنائية للعدو والتي تبيح له ارتكاب أي شكل من الإجرام دون أن يلقى اعتراضاً.
وبالنسبة للشامتين، فإنه من المؤلم حقا أن يصل البعض بالخلاف إلى حد جعل الموت، واستهداف العدو أحداً منا مادة للتندر والشماتة، وحتى لو لم نتشارك مع الشهيد في الدين والتاريخ واللغة والجغرافيا، فإننا نتشارك بالإنسانية التي تلفظ مثل هذه الروح العدائية غير الخلّاقة.
أما المقاومة، فإنه كما أكد حزب الله أمس، استمرار عمله المقاوم ضد الكيان الغاصب بخمس عشرة صلية صواريخ دكت مناطق الكيان، فإن ما ظهر على كل أصوات المقاومة الحرة في أصقاع الأرض يشير بالفعل إلى تحولات في تفاصيل مشهد المواجهة مع العدو، ستقود إلى إنهاء ما هو باقٍ من أمل للحركة الصهيونية في تثبيت وجود الكيان في المنطقة وسيطرته عليها.

قد يعجبك ايضا