قبل سنوات قدم لي أحد العاملين في ميكانيك السيارات حلا خاطئا وتبين له ذلك حينها , ومنذ أيام طرحت لذات العامل نفس المعلومات الخاصة بالمشكلة التي تواجهني فاجأني بطرحه ذي الحل الخاطئ القديم وبعد أن ذكرته بما حدث قبل سنوات أصر على انه متأكد من صواب طريقته في الهندسة .
تبرع أحد زملائه بمواجهته بغلطته قبل ان ينضم اليه البقية في التأييد ليعترف انه لم يجرب الحل الذي طرحه لنا وأنه فقط يتوقع ان السيارة عندما تحتاج إلى إعادة التشغيل فإنها تواجه مشكلة كهربائية ولا علاقة لنظافة الوقود بالأمر وهو توقع خاطئ وفقا للتجريب والخبرة .
المشكلة ليست دائما في السيارة فقط ولكن قد تكون بالطريقة الهندسية أو بالمهندس ذاته الذي لا يستفيد من الوسط الذي يعمل فيه ويبقى كما هو في أول يوم التحق فيه بالعمل وظل متمسكا بعدم القدرة على اكتساب المهارات ويحتاج كل مرة إلى تجريب كل الاجزاء ليعرف الخلل وغالبا لا يصل اليه الا بالمصادفة كما يقول الزميل انيس الجهلاني الذي يضطر دائما الى شراء أجزاء وقطع سليمة لسيارته لأن المهندس لم يتعرف على الخلل الحقيقي ويلجأ إلى التخمين والشك في كل الاجزاء والقطع .
بل إن هناك من يغادر من ورشة الصيانة معتقدا أن المشكلة التي لا حل لها قد انتهت وسريعا ما يكتشف أن المشكلة تطورت أكثر وعليه العودة أو البحث عن مكان آخر كما يحدث دوما مع سامي انعم الذي يستغرب من حال العاملين الذين يكررون العمل على سيارته لكنهم لا يغيرون من طريقة تعاملهم البدائية وهي توقع وجود الخلل في كل قطعة يسهل تغييرها .
سبب مرئي
السبب الذي يسهل رؤيته أن العاملين لا يحبون عملهم ويقومون به فقط اضطرارا وهو ما يجعلهم غير قادرين على تنمية أي مهارات وتظل أسراره كما هي حتى بعد أن يتركوه – وتضطر شركات الصيانة الكبرى الى استقدام عمال يمتلكون مهارات يفتقدها غيرهم ويكلفون اضعاف ما تكلفه العمالة المحلية غير المهتمة بتطوير ذاتها أو بالتعلم من مهارات غيرها ممن يعملون في نفس المكان .
وهو أيضا ما يجعل الآلات الحديثة سواء كانت سيارات أو غيرها لغزا كبيرا أمام كثير من الفنيين الذين يرفضون التعامل مع ما هو جديد فحين تريد شراء آلة حديثة عليك أن لا تنسى السؤال عن امكانية اصلاحها مستقبلا فقد تتركها لوجود مشكلة صغيرة لأن أحدا لا يستطيع التعامل معها أو حتى فتحها ويظل بعض المهندسين يقلبونها بحثا عن سر الفتح ثم يبادرون بالاعتذار عن عدم القدرة على التعامل .
فقدان البيانات
فقد جمال حسن جميع بياناته من اللابتوب خاصته لأن احد المهندسين ضمن له أن يخلصه فقط مما لا يحتاجه ولأن جمال يثق بسنوات عمل الرجل مكنه من تنفيذ خطئه القاتل للبيانات كاملة ليصبح كل ما يريده أن يسترد أقل الأشياء وها هو يبحث عن من يصلح مشكلة صنعها المهندس غير القادر على فهم ما يفعل خلال رحلته الطويلة .
وكثيرا ما يعوض المهندسون فشلهم بسؤال ما اذا كنت تريد أن تبيع جهازك قطع غيار لأجهزة أخرى لأنه لم يعد صالحا للاستمرار في الحياة وقد تتمكن من اصلاح الخلل دون اللجوء إليهم لأنك فقط حاولت وكررت المحاولة قبل ان تعثر على الحل البسيط .
وهناك خبرات أخرى تتطور لدى البعض وهي ليست فنية فبدل من اصلاح الخلل يتجهون نحوك بتهمة انك عبثت بجهازك وانت لا تعرف شيئا وأن تدخلك هو ما عقد مهمتهم ولو انك لم تحاول اصلاح جهازك لكنت يسرت مهمتهم غير الممكنة حاليا ثم يوجه اليك اللوم لأنك حملت جهازك إلى من هم غير مؤهلين وقاموا بالعبث به وليس لديهم أي مهارات للتعامل معه وقد يوضع أمامك عد إليهم حتى ينفعوك وهكذا تظل الحجج تحاصرك حتى تعتقد أنك المذنب الوحيد في الكون وأنك سبب كل الأعطال وبالأخير لا تحصل على حل لمشكلتك وإن توفق احدهم في اصلاح الخلل فتكون جاهزا لدفع أضعاف المبلغ المستحق لأنك فاقمت المشكلة بتدخلك .
شغف
تحتاج المهن الفنية إلى حب وشغف لتصبح ممكنة ومتطورة ويحتاج العامل فيها إلى الإيمان بضرورة أن يتقنها وأن يجعلها مصدرا للتطور وقد يصل به الحال إلى ان يبتكر حلولا للكثير من المشاكل المعقدة .
وهو الباب الذي يستحق منا التشجيع افضل من السير خلف الادعاءات غير المنطقية بالوصول إلى اختراعات وصل اليها العالم قبل قرن من الزمن أو التحدث عن اختراعات في الخيال فقط ولا علاقة لها بالواقع – الابتكار أفضل لأنه الممكن الذي لا يسير خلفه غير القليلين .