في هذا الزمن، مع مرور زمن طويل كيف يمكن أن نكون في قلة وعينا، في ضعف محبتنا، في ضعف علاقتنا، في مستوى ارتباطنا الإيماني برسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) مع هذا الزمن الطويل الذي امتد بنا، إذا كان حال بعض الذين عايشوه، وعرفوه، وسمعوه، وأبصروه، وصلوا خلفه، وجاهدوا تحت رايته، وعاشوا معه، كانت تصدر منهم تصرفات غريبة جدًّا، لا تنِم عن المستوى المطلوب من المحبة، من التعظيم، من التوقير، من التأثر، من التفاعل، كيف بنا وقد تعرضنا لكثير من المؤثرات، هذا البعد الزمني الذي شابه كثير من العوامل:
أولها: التحريف للسيرة النبوية بمرويات وأخبار لا صحة لها: كثير من المرويات والأخبار التي دست في كتب التاريخ وفي كتب السير مما تسيئ أبلغ الإساءة إلى رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- أما جانب النقص فهو ذاك، كيف غُيبت أشياء مهمة، كيف أهملت قضايا رئيسية، كيف لم يركّز الكتاب وأصحاب السيّر والمؤرخون على مسائل مهمة جدًّا للأمة، تحتاج إليها الأمة في كل زمن، تقدّم الصورة العظيمة عن حياة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-.
النقص جانب كبير، ولكن أيضاً فيما ورد، فيما أثر، فيما كتب، فيما نقل، شابه الكثير من التحريف، والكثير من الافتراءات، والكثير من المنقولات والروايات والأخبار التي يجمع كل المؤرخين وكل الدارسين والباحثين أن فيها ما فيها: من الخلل، من التحريف، من التشويه، من الأكاذيب، مما يسيء جدًّا إلى رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله) لدرجة أن البعض من الكتاب المرتدين عن الإسلام، كـ(سلمان رشدي مثلاً)، أو المستشرقين الغربيين (بعض الأوروبيين وبعض الغربيين) ممن كتبوا عن الرسول أو عن الإسلام استفادوا منها في التشويه لرسول الله، وفي الاستشهاد بها والاعتماد عليها في الإساءة إلى رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله) بل لدرجة أن بعض الأفلام المسيئة للرسول التي أنتجت بهدف الإساءة إليه استفادت من بعض تلك المرويات، ثم تُعتَمَد تلك المرويات في مناهج رسمية في العالم العربي وتصبح مصدراً معتمداً في معرفة السيرة النبوية، وفي الرجوع إليها والاعتماد عليها، وبعض الروايات في بعض الكتب، أخبار فظيعة، منتقصة، استفاد منها أعداء الإسلام من المستشرقين بعضهم، وأيضاً استفاد منها واعتمد عليها التكفيريون؛ ليجعلوا منها الوجه المعبر عن الإسلام وعن الرسالة والرسول؛ فقدموا صورةً سوداويةً فظيعةً مشوهة وقاتمة عن الرسول وعن الإسلام.
ثانياً: النمط المعتاد في تقديم السيرة:- مثلاً عادةً يركّز الكتاب في السيرة والمؤرخون على أشياء معينة اعتادوا على التركيز عليها والإيراد لها، ثم لا يهتمون بقضايا مهمة وقضايا رئيسية، كان المفترض أن يسلطوا الضوء عليها، وهي في غاية الأهمية، وفائدتها كبيرة جدًّا، ثم أسلوبهم في التقديم ليس أسلوباً جذاباً ومؤثراً، يترك أثره الكبير في الوجدان والمشاعر والأحاسيس، ويترك أثره العظيم في الواقع العملي… |لا| تقديم جاف، وسرد غير مؤثر، غير منظم، لا يركّز على شخصية الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- بقدر ما يتأثر مثلاً: بالظروف المذهبية، بالجدل المذهبي، بالرموز المذهبيين…الخ.
ثالثاً: التراجع في الاهتمام بهذه المسألة، وانكماش مساحتها وحضورها في التثقيف والتعليم: كلما طال الزمن وكلما امتد الوقت وكلما كثرت المؤثرات في واقعنا في الحياة، كلما قلّ الاهتمام بهذا الجانب، وكلما غاب هذا من الذهنية، وبالتالي من الوجدان والواقع العملي.
رابعاً: الحرب الناعمة، الحامية الوطيس، المستهدفة للمجتمع، لشبابنا، لنسائنا، لأطفالنا: الحرب الناعمة: هي من أخطر ما يواجهه مجتمعنا المسلم، حرب خطيرة جدًّا، حرب تأتي إلينا من خلال وسائل التثقيف والتعليم والإعلام، تستغل فيها المناهج، يستغل فيها الإعلام بكل وسائله: من مواقع التواصل، إلى المواقع على الانترنت والشبكة العنكبوتية، إلى القنوات الفضائية، وغيرها من الرسائل حرب وزخم هائل جدًّا يتوجه نحو التأثير علينا في ساحتنا الإسلامية، في ثقافتنا، في آرائنا، في سلوكياتنا، في تصرفاتنا، في عاداتنا، في تقاليدنا، في اهتماماتنا، ويستهدفون زكاء أنفسنا، ويستهدفوننا- أيضاً- بالتضليل: التضليل الثقافي، والتضليل الفكري، يسعون لاحتلال قلوبنا، واحتلال مشاعرنا، واحتلال أفكارنا، واحتلال ثقافتنا، والتحكم بآرائنا وتوجيهنا… هذه من أخطر الحروب على الإطلاق، هم أطلقوا عليها هم (الحرب الناعمة) التي تجعل خصمك يفكر كما تريد له أن يفكر، وبالتالي سيفعل ما تريده أن يفعل، ويتصرف كما تريد له أن يتصرف، وفق الوجهة التي حددتها له الحرب الناعمة هذه تسعى إلى فصل مجتمعنا عن مبادئه، عن قيمه، عن رموزه وعن مقدساته.
الحملة الوهابية ضد رسول الله ورموز الإسلام
أيضاً، الحملة الوهابية التكفيرية التي سعت إلى تقطيع أوصال الإسلام، والفصل ما بين منهجه ورموزه ومقدساته، وجعلت التعظيم لرموز الإسلام، وفي المقدمة رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- ثم من بعده أهل بيته -عليهم السلام- جعلت من هذه المسألة شركاً وكفراً وخروجاً عن الملة، وجعلت منها مسألة كافية لاستباحة الدماء وقتل المسلمين واستباحة الحرمات، حتى عبارة ولفظ ومفردة (تعظيم) جعلتها ممنوعة في حق رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وأنه لا يجوز إطلاقها أبداً، أن تقول: [نعظم رسول الله]، [ هذا شرك] هكذا يقولون، وللأسف أوردوا هذا حتى في المناهج الدراسية الرسمية في بلدنا، منعوا التعظيم للرسول -صلوات الله عليه وعلى اله- بينما الله -سبحانه وتعالى- يقول في كتابه الكريم: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} ، لاحظوا معي {وَمَن يُعَظِّمْ} يورد المفردة نفسها، {شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، شعائر الله مطلوب منا أن نعظمها، وأن هذا يعبر عن تقوانا لله؛ لأن القلب الذي يعظم شعائر الله هو عظمها لله ومن أجل الله، فكان ذلك نابعاً من حالة التقوى، حالة التقوى التي تملكت قلبك وحضرت في مشاعرك، فعبر عنها شعورك في حالة التعظيم التي انطلقت من داخل القلب والوجدان إلى حالة السلوك والعمل والتفاعل والتصرف والتعبير، {وَمَن يُعَظِّمْ}، هذه حالة (وَمَن يُعَظِّمْ)، عبارة (وَمَن يُعَظِّمْ)، مفردة (وَمَن يُعَظِّمْ) قالوا: [ممنوع أن تستخدمها تجاه رسول الله، شرك، تذبح بالسكين، أو تعدم بالرصاص، هل تعظم رسول الله]!! هذا عندهم أكبر مشكلة، وأنت معناه جعلت منه وثناً، وصنماً…الخ.
هم سعوا إلى إبعاد الأمة عن الرسول وعن تعظيمه، عن الارتباط الوجداني ومحبته الكبيرة التي ثمرتها: التمسك به، التأثر به، الاهتداء به، الاقتداء به، وجعلوا العلاقة مع الرسول علاقة ، جافة جدًّا، تنظر اليه كمجرد شخص وصّل رسالة، كأي رسول عادي معه مكتوب من شخص وصّله، وإلا من طرف أوصله وراح له مع السلامة، يقولون: [رسول معه رسالة وصلها وراح له، مع السلامة، مع السلامة خلاص]، جهل كبير بطبيعة الدور العظيم الموكل الى الأنبياء، وبعظمة الأنبياء وأهمية الأنبياء ودور الأنبياء، ثم طمسوا كل آثاره، كل آثاره في المدينة وفي مكة وحاربوها محاربة شديدة جدًّا، ويجعلون من أي احترام، بأي مستوى من الاحترام والتقدير والتعظيم لآثار الرسول، للآثار الإسلامية شركاً فظيعاً، أمر رهيب يعني، كان لهم أيضاً- بسبب نفوذهم في كثيرٍ من المناطق، في كثيرٍ من البلدان، والمظلة السياسية التي حظوا بها من خلال النظام السعودي والأنظمة المرتبطة به- تأثير كبير في أن تنشأ علاقة جافة جدًّا بين الأمة وبين نبيها؛ لأن طغيان طرحهم وثقافتهم وتوجههم امتد إلى المناهج التعليمية، إلى الخطاب الديني، إلى المنابر الإعلامية، ففصلوا الأمة وجعلوا علاقتها علاقة بالمنهج دون الرموز ودون المقدسات؛ ليكونوا هم من يحلُّ في هذا المنهج حاكمين عليه، مقدمين له، أسوةً فيه؛ فكانوا سوء الأسوة، وسوء القدوة، وأفظع وأوحش- والعياذ بالله- ما يمكن أن يقتدى به؛ لأنهم كانوا المحرفين والمنحرفين عن هذا المنهج.
أيضاً من العوامل: الضعف في المواكبة العصرية في وسائل التقديم للسيرة، وللتثقيف المؤثر في الوسائل المبتكرة والمعاصرة، في وسائل الإعلام…الخ.
Prev Post
Next Post