أكمل حزب الله رده على العدو “الإسرائيلي” بعد أسابيع من الإعداد والتجهيز والانتظار الصهيوني والأمريكي، وسط دوامة من الخوف والذعر والقلق التي عصفت بالكيان ومستوطنيه، وهذه الدوامة لا يمكنها أن تهدأ أو تنتهي، لأن الحزب ترك الحساب مفتوحًا وسط مواصلة عملياته المساندة لغزة، وأيضًا في ظل الترقب للرد الإيراني على جريمة اغتيال القيادي الكبير في حركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، والرد اليمني على عدوان الحديدة، ولعل الحكمة من تجزئة الرد هو استمرارية هذه الحالة لدى العدو لاستنزافه إلى أقصى حدود ممكنة.
فيما يخص الرد اليمني، فالتحضير له قائم وله مساره الخاص، كما عاد وأكد قائد “أنصار الله” السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطاب يوم الخميس الماضي، مع الإشارة إلى أن التوقيت سيكون مفاجئًا للعدو بإذن الله تعالى.
مسألة الرد قطعية وحتمية، ولا نقاش فيها، واليمن ليس لديه أي سقوف سياسية أو اعتبارات أخرى يمكن أن تؤثر في طبيعة وحجم الرد وتوقيته ولا نوعية الأهداف المرصودة، كل ما يمكن للقوات المسلحة أن تقدمه وتفعله لن تتردد ولن توفر جهدًا في سبيل إيلام العدو والتأثير فيه والجزاء قد يكون من جنس العمل.
الهم الأكبر بالنسبة لليمن، واليمنيين على لسان قائدهم ليس الرد، بل ما هو أكبر من ذلك في ظل المساعي الحثيثة والدؤوبة للارتقاء بالأداء العملياتي المناصر لفلسطين إلى مستويات مؤثرة أكثر، وهذا يعني أن اليمن يحسب حساب معركة مفتوحة مع احتمال معاودة العدو “الإسرائيلي” شن اعتداءات على المنشآت الحيوية والاقتصادية في البلد وهو ما يستوجب ردًا عاجلاً وفاعلاً.
مشاهد النيران المشتعلة في السفينة “سونيون” بحمولتها النفطية التي تصل إلى مليون برميل من النفط وبحكم ارتباط الشركة المشغلة لها بالكيان الغاصب، كانت تكفي ليعلن اليمن الإيفاء بالوعد وإعلان الرد على الاعتداء الصهيوني على خزانات النفط في ميناء الحديدة، وما نجمت عنها من حرائق كبيرة صورها نتنياهو كإنجاز دعائي، لكن هذا لم يكن لأن المسار هو فرض الحصار على الموانئ الفلسطينية المحتلة، وشرط توقف تلك العمليات هو وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.
السؤال هو: لماذا تأخر الرد اليمني ومتى يمكن تنفيذه وما طبيعته؟
مسألة التأخير تكتيكية وضرورية في نفس الوقت، حيث أن قوات العدو في حالة استنفار مع داعميها الأمريكيين والغربيين والعملاء من الأنظمة العربية المطبعة التي تشارك بكل إمكاناتها في اعتراض القدرات والتصدي لأي صواريخ أو طائرات مسيَّرة قادمة من اليمن أو من إيران والعراق، والأمر يستدعي المناورة والبحث عن أي ثغرة لاختراق كل الأحزمة النارية المحيطة بالكيان.
في توقيت الضربة نعتقد أن الموعد اقترب، والأمر قد تكون له علاقة بالاحتفالات بمولد النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله، كمناسبة لها ما بعدها في كل محطات اليمن السابقة على مدى أكثر من عقد من الزمن، وغير رسالة العسكر والأمن فثمة رسالة أخرى يجب إيصالها لأعداء الأمة، وهي التمسك بالنبي الأكرم وبمسراه والمقدسات الإسلامية والانتصار لفلسطين ومجاهديه واجب ديني وأخلاقي ويأتي في صلب الاستجابة لله ولرسوله الكريم.
بحكم المتابعة، فاليمن يحرص على تدشين فعاليات المولد أو تتويجها بعمليات نوعية كانت في السابق تقتصر على مهاجمة السعودية والإمارات قطبي العدوان الأمريكي على الشعب اليمني، وهذا العام قد يكون الاحتفال مختلفًا بطَي ورقة الأدوات الإقليمية المتصهينة كما طويت الأدوات المحلية ليبدأ عهد جديد من الجهاد بمواجهة قادة الكفر وقوى الاستكبار العالمي.
الرد اليمني في الأخير لم يعد منحصرًا في إطار العدوان “الإسرائيلي” على غزة وجرائم حرب الإبادة والتجويع فيها، بل أصبح متعلقًا بمبدأ السيادة والكرامة الوطنية بالنسبة لليمن، ومعيار الالتزام الديني والإنساني والأخلاقي، والرد سيكون بمثابة نهاية مرحلة وبداية أخرى في مواجهة العدو “الإسرائيلي” حتى تحرير الأراضي العربية المحتلة واستعادة المقدسات.