بين خطوط أمريكا وخطوط اليمن

وديع العبسي

 

 

يتمادى الكيان الصهيوني في الاستخفاف بالمجتمع الدولي ويحاول سحب الجميع معه إلى مساحة تمنحه قدرة أكبر على المناورة أكثر بالوقت، ويتماهى المارق الأمريكي مع هذه النوايا، فيذهب لتوجيه المفاوضات وفق بوصلة المتطرفين الصهاينة، وفي جولات المفاوضات الأخيرة شهدنا كيف تراجع بايدن عن مقترح قدمه وجرى التوافق عليه، إلا أن الكيان عاد ووضع شروطا جديده ليتراجع المقترح إلى مستوى رغبات المدلل الصهيوني.
واليوم، يصعّد العدو من عدوانه على الضفة، من جهة، في محاولة- كما هو واضح- لترميم ما أصاب أكذوبة هيبته من تصدع في غزة، ومن جهة أخرى لقصد مكشوف وواضح هو التلاعب بالوقت في انتظار وصول الصهيوني غير المتزن ترامب إلى البيت الأبيض بأجندته الجديدة لمستقبل الكيان من توسيع لجغرافيته وترسيخ لوجوده على حساب الفلسطينيين وحتى العرب، لذلك يواصل العدو عمليات الاغتيال لرجال المقاومة بالتزامن مع استمرار المجازر بحق المدنيين في غزة.
وخلال الأسابيع الماضية شهدنا تمادي العدو إلى العربدة في الحديدة وبيروت وطهران، ظنا منه أن هذه التجاوزات يمكن أن تربك محور المقاومة وتُبقي قوة الردع بيده، إلا أن النتيجة جاءت صاعقة له وللأمريكان والأوروبيين الداعمين له، إذ بات اليوم محاصَراً بحزام من نار، قوامة دول المقاومة: اليمن، لبنان، العرق، إيران، وسوريا، إضافة إلى غزة والضفة، ومن يدري ربما الداخل أو أراضي الـ 48، أيضا تنتفض في لحظة غير محسوبة، ولعل الضربات التي بدأت تدك أهدافا في قلب ما تسمى تل ابيب ما هي إلا تاكيد على عدمية الجدوى لما ارتكبته العصابة الإسرائيلية بمظلة أمريكية في لبنان واليمن وايران من هجمات، عبرت بها عن يأس ولم تستعد هيبة الردع، وهذا تحديدا ما يقلق أمريكا والحركة الصهيونية كثيرا، ففي لبنان اغتالت القائد فؤاد شكر، لكن قوة حزب الله استمرت بعنفوانها، وفي إيران اغتالت القائد إسماعيل هنية فخَلَفَه مُرعب الصهاينة القائد يحيى السنوار ، أما في الحديدة فكان مظهر اليأس الصهيوني أوضح، حين استهدفت العصابة الصهيونية، بنية تحتية لا علاقة لها بالمعركة.
وفي سياق ما هو في الانتظار، نجح حزب الله في تقديم نموذج بسيط لما صار يحاصر الكيان المحتل من مخاطر وجودية من خلال عملية (يوم الأربعين)، ولا يزال في جعبة (حزام النار) الكثير، من اليمن والعراق وايران، ليس فقط على مستوى الرد على تهور الكيان وتجاوزه الخطوط الحمراء وإنما على صعيد التعامل معه باعتباره عدواً يحتل أراضي عربية.
وبطبيعة الحال تتجه الأنظار اليوم إلى رد صنعاء وطهران، على أن أمريكا تحسب بشكل ملحوظ للفعل اليمني وتتخوف من الجرأة المعهودة لليمنيين خلال ردهم، ولأجل ذلك ربما كثّفت خلال الأسابيع القليلة الماضية، تأكيد التزامها بالدفاع عن الكيان، من باب الترهيب، خاصة إذا ما أوجعته الضربات الانتقامية، أو إذا لم تراع هذه الضربات ما يعتبره البيت الأبيض بالنيابة عن الكيان خطوطا حمراء.
ما يتخوف منه الأمريكي حسمه السيد القائد في كلمته الخميس الماضي، حين جدد التأكيد بألا سقف سياسي ولا اعتبارات أخرى يمكن أن تحد من مستوى عمليات المساندة لغزة، أو مستوى الرد على قصف الحديدة، وجاء الطرح بلا أدنى شك موضوعيا وواقعيا إلى أبعد درجة في الشكل والمضمون، وقزّم محاذير أمريكا الفجّة، فالكيان الصهيوني تجاوز كل الأعراف والقوانين والثوابت العالمية، حين تخطى كل الخطوط الحمراء فقصف الأعيان المدنية في الحديدة، وانتهك الأراضي اللبنانية وذهب لاغتيال جبان بحق القائد فؤاد شكر، وتعامل باعتباره فوق كل القوانين واغتال القائد اسماعيل هنية في ظرف هو من الخطوط الحمراء، حسب الأعراف الدولية أثناء تنصيب بزشكيان رئيسا للجمهورية الايرانية.
لأجل ذلك يبدو طبيعيا أن ترفع المقاومة سقف استهدافها للعدو، وان تضرب بما تحدده أمريكا لشكل الرد وحدوده عرض الحائط، فالعين بالعين والسن بالسن، وهذا هو قانون الحياة والحكم العدل، ولا يعقل أن يتاح للقطيع الصهيوني أن يضرب أين ما يشاء كيف ما شاء ومتى ما شاء، ثم نطالب الضحية بالتروي، أو نلوح له بالخطوط الحمراء.

قد يعجبك ايضا