اليمن بلاد العرب السعيدة، تمتاز بجمال طبيعتها وتنوع المناخ فيها حتى أن أرضها تعايش هذا التنوع على مدار السنة، أرضها خصبة ولكن في زراعتها تعتمد على الأمطار الموسمية رغم وفرة الأمطار التي تهطل عليها، ولأجل تحقيق الاكتفاء الذاتي لا بد من اتخاذ خطوات هامة من قبل القيادة السياسية، والمؤسسات الوطنية والوجاهات الاجتماعية، وصولا إلى تنمية الوعي الوطني لدى أفراد المجتمع بأهمية السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية والحبوب وغيرها، فمن لا يمتلك قوته لا يملك قراره وهي حقيقة شاهدة في كل مراحل التاريخ القريب والبعيد.
يشهد التاريخ أن اليمن حضارة السدود وأبرزها سد مارب الذي خلد حضارة سبأ وغيرها، لكن الملاحظ اليوم أن مجمل السياسات المتعاقبة أهملت بناء وإقامة الحواجز المائية والسدود، مما جعل الزراعة تعتمد على مياه الأمطار الموسمية، الأمر الذي أثر سلبا على الزراعة بشكل عام وأعاق توفير المحاصيل الغذائية وجعل الرهان على الاستيراد لتغطية الاحتياجات السكانية منها.
إثيوبيا مناخها موسمي وتهطل عليها الأمطار بكثرة وبغزارة طوال العام ومع ذلك أنشأت سد الألفية لتوليد الكهرباء وتوفير الماء، ومن أجل ذلك تجاوزت كل المخاطر والمحذورات لصالح الظفر بأكبر حصة من المياه، لإدراكها أن الماء أساس الحياة والتطور والازدهار.
تركيا رغم الأنهار الجارية في أراضيها، لم تكتف بذلك، بل أنشأت السدود العظيمة وحولت تركيا إلى واحة خضراء، مما جعل زراعتها طوال العام حتى لو كان ذلك على حساب الدولتين المجاورتين سوريا والعراق، ومثل ذلك الصين التي تسعى لبناء أكبر سد في العالم، في المقابل نجد السودان رغم خصوبة أرضيها إلا أن السعي للاستفادة من ذلك من قبيل المحظورات ولديها النيلان الأبيض والأزرق، ولا يختلف الأمر كثيراً عن جارتها مصر التي دمرت الزراعة على أيدي الخونة لصالح المعونة الأمريكية ومن أجل إرضاء الكيان الصهيوني بموجب تفاهمات اتفاقية (كامب ديفيد).
اليمن أدت السياسات المتعاقبة في عدم الاهتمام بالزراعة، مما أدى إلى إندثار المدرجات الزراعية وأصبح الاعتماد على الخارج لتوفير المحاصيل الاستراتيجية من الحبوب والمواد الغذائية، ليتضح أخيرا أن ذلك تم بموجب سياسات رسمية من قبل العملاء والخونة المجندين لصالح أعداء اليمن (أمريكا وإسرائيل)، فقد تم استهداف المنتجات الزراعية، والثروة الحيوانية، والسلع النقدية كالعسل والزبيب واللوز وغيرها.
يجب أن تستفيد بلادنا من كل مصادر المياه بإنشاء الحواجز والسدود وبناء قنوات الري وإعادة تأهيل المدرجات الزراعية، فالماء أساس كل حياة قال تعالى ” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”، كما يجب عدم ترك حصاد الأمطار يذهب سدى، والذي يؤدي إلى جرف التربة، وتدفق السيول وتدمير المباني والمدرجات وكوارث لا حصر لها، وأبرز مثال على ذلك ما حدث في تهامة.
التوسع العمراني يلتهم المساحات الخضراء وسيؤدي حتما إلى نضوب المياه، مما سيؤثر على الإنسان والحيوان والنبات، وهو ما يستوجب اتخاذ معالجات فورية ببناء الحواجز والسدود، لأن الدراسات الجيولوجية تؤكد أن الحرب القادمة ستكون حرب المياه.
يحمد للقيادة السياسية اهتمامها بتوفير الآلات الزراعية والأسمدة بواسطة وزارة الزراعة، وحتى تتكامل الجهود لا بد من التوسع في إنشاء السدود والحواجز المائية، لما لها من فوائد عظيمة في الري والزراعة والصناعة والسياحة والجمال، وإذا كانت إثيوبيا تستهدف غرس أكثر من ملياري شجرة مثمرة، فعلينا في اليمن أن نسابق في مجال إعادة مجد اليمن، لأنها أرض باركها الله، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم “اللهم بارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا، قالوا ونجدنا قال يا رسول الله: هناك الزلازل والفتن وبها أوقال يخرج قرن الشيطان”.
لذا يجب علينا إذا أردنا تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل النقدية والحبوب أن نحافظ على كل قطرة من قطرات الماء، ولا ندعها تذهب هدرا مع ما يستتبع ذلك من آثار ضارة على البيئة والإنسان والحيوان.