بعينيه الصقريتين، ونظرته المستقبلية يحجز القائد الفلسطيني يحيى السنوار موقعًا متقدمًا في الصفوف الأولى للثوار الأممين المناوئين للاستكبار العالمي، ويضيف إليها بحكم فكره وعقيدته الإسلامية شعاعًا قادمًا من التاريخ الإسلامي المجيد، لا سيما من أرض كربلاء لجهة عدم التكافؤ الحاصل في موازين القوى وقلّة الناصر، كأن السنوار يعطي للثورة الحسينية أمداء شاسعة تنأى بها عن البعد المذهبي والاصطفافات الفئوية الضيقة ويرفعها إلى مقامها الإسلامي الحقيقي ويتعداها إلى الفضاء الأممي الخارج عن التصنيفات التقليدية.
يأتي التماهي الغزاوي السنواري مع كربلاء الحسين (ع) من الرفض وعدم الخضوع للمستكبر مهما بلغ من قوة العدد والعتاد. فالإمام الحسين (ع) وقف وحيدًا أمام غابات الرماح وغزة تواجه كل قوى الاستكبار العالمي كأنما الواقعة واحدة وإنما بصور متعددة.
تقول الإشارات “السيميوليجية” المنبعثة من “كاريزما” السنوار وحضوره ما لم يقله سواها. تقول إن النهج الحسيني لا يمكن أن يكون محصورًا بدين أو طائفة أو مذهب، الحسين نهج وخيار. هو أن تظل رفيقًا للسلاح إن تطلع إلى بلادك طامع أو سال لعاب مستعمر غادر.
كل تغضن (تجعد) من تغضنات جبينه الثائر تلهج بالتحدي الصارخ للعدوان، كأن ملامحه، ونبرته الصادقة خلقت من أجل المواجهة الصريحة وغير المواربة، فمع هكذا عدو ينبغي أن تكون المواقف معلنة صريحة واليوم مع توليه منصب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فإنما يحلق بجناحيه السياسي والجهادي بعيدًا في سماء الجهاد والعطاء الجهادي، وينأى بحركة حماس بعيدًا عن هذا “النتن” العربي قبل “النتن” الصهيوني.
حكاية عاصفة
تتحدث “ويكيبديا” يحيى السنوار عن سيرة قائد ولد بين ركام الهزائم العربية في 29 أكتوبر 1962 في مخيم خان يونس، وتعود جذوره الأصلية إلى مجدل عسقلان المحتلة عام 1948. اتخذ أهله من مخيم خان يونس مسكناً لهم. تنقل يحيى السنوار في مدارس مخيم خان يونس حتى أنهى دراسته الثانوية في مدرسة المخيم الثانوية للبنين، ثم التحق بالجامعة الإسلامية بغزة، فحصل على درجة “البكالوريوس” في اللغة العربية، حيث عمل في مجلس الطلاب خمس سنوات، فكان أميناً للجنة الفنية، واللجنة الرياضية، ونائبًا للرئيس، ثم رئيساً للمجلس.
حركة حماس
في العام 1989 حكمت عليه “إسرائيل” من خلال المحكمة العسكرية في غزة، بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة و25 عاماً أخرى، بعد إدانته بقتل وتعذيب أربعة فلسطينيين بتهمة العمالة، قضى منها 22 عامًا حتى إطلاق سراحه من بين 1027 أسيراً فلسطينياً آخر في عملية تبادل أسرى عام 2011، مقابل إطلاق سراح الجندي “جلعاد شاليط”.
بعد الإفراج عن السنوار في صفقة شاليط عام 2011 عاد إلى مكانه قياديًا بارزًا، فشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي لحماس وقيادة “كتائب عز الدين القسام”، بصفته “ممثلاً لـ”الكتائب” في المكتب السياسي لحماس. وكان السنوار قد أمر عقب انتهاء العدوان “الإسرائيلي” على غزة عام 2014 بإجراء تحقيقات وعمليات تقييم شاملة لأداء القيادات الميدانية، وهو ما نتج عنه إقالة قيادات بارزة.
أدرجت الولايات المتحدة في سبتمبر 2015 اسم السنوار على القائمة السوداء لما يسمى بـ”لإرهابيين الدوليين”، إلى جانب قياديين اثنين آخرين من حركة حماس هما القائد العام لكتائب “القسام” محمد الضيف، وعضو المكتب السياسي روحي مشتهى، وبسبب أنشطته العسكرية واعتقاله الطويل، تأخر زواج يحيى السنوار حتى عقد قرانه على «سمر محمد أبو زمر صالحة» في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، في مسجد النور والإيمان بمنطقة المقوسي بمدينة غزة.
في 13 شباط/فبراير 2017، انتخب يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفًا لإسماعيل هنية، الأمر الذي شجّع سكان غزة على كسر الحصار “الإسرائيلي”، مستندين إلى قول السنوار: “إننا نفضل أن نموت شهداء على أن نموت قهراً وإذلالاً “.
وفي مارس 2021، تم انتخابه لولاية ثانية مدتها أربع سنوات رئيسًا لفرع حماس في غزة في انتخابات أجريت سرًا. وهو المسؤول الأعلى رتبة في حماس في غزة والحاكم الفعلي لغزة، وكذلك ثاني أقوى عضو في حماس بعد إسماعيل هنية.
في 15 مايو 2021، أفادت التقارير أن غارة جوية “إسرائيلية” أصابت منزل زعيم حماس، في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة وسط توتر متزايد بين الصهاينة والفلسطينيين. وفي الأسبوع التالي، ظهر السنوار علنًا أربع مرات على الأقل. وكان أوضحها وأجرأها ما جاء في مؤتمر صحفي يوم 27 مايو/أيار 2021، عندما ذكر (على الهواء) أنه سيعود إلى منزله بعد المؤتمر الصحفي (سيراً على الأقدام)، وتحدى وزير حرب العدو بيني غانتس بتنفيذ عملية اغتياله خلال الـ60 دقيقة التالية حتى يصل إلى منزله. وأمضى السنوار الساعة التالية وهو يتجول في شوارع غزة ويلتقط صورًا ذاتية مع الجمهور.
الشوك والقرنفل
خلال سنوات السجن كان السنوار متابعًا للمجتمع “الإسرائيلي”، وواظب على متابعة ما صدر في الإعلام العبري باستمرار، كما اطلع على الكثير من الدراسات المكتوبة بالعبرية، والتي تناولت الوضع الداخلي لكيان الاحتلال، وهو ما انعكس كثيرًا على أسلوبه وتعاطيه مع مجتمعه. كما أصبح السنوار أحد كبار مسؤولي حماس المسجونين، وأمضى ساعات في التحدث مع “الإسرائيليين”، وتعلم ثقافتهم و”كان مدمنًا على متابعة القنوات في إعلام العدو”، ونشر السنوار في سجنه في ديسمبر عام 2004 رواية باسم: “الشوك والقرنفل” تصور الواقع الفلسطيني من وقت نكسة 1967 حتى بداية الانتفاضة الثانية عام 2000.
يعتبر جيش العدو يحيى السنوار، العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر، وهو على رأس قائمتِها للمستهدفين خلال الحرب التي شنتها على قطاع غزة.
متنقلاً بين مواقع الجهاد، على حبل ممدود من الله محاذرًا السقوط في أودية الذل العربي رؤيويًا، متدينًا، وحدويًا، كربلائيًا، شجاعًا يمضي الرجل العاصفة في تحدي الاستكبار العالمي لا يخيفه اللعب على حافة الهاوية، موقنًا أن الله لن يخلف وعده لعباده الأبرار.