مستقبل فلسطين والمنطقة بين مشروعين

إيهاب شوقي

 

 

ليس مصادفةً أن تتقاطع الجرائم الصهيونية، في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي طهران، بتوقيتها مع تهجّم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي على إيران ودعوته لتفعيل حلف “إبراهام” وتطويره باتّجاه حلف عسكري.. دفع نتنياهو بعدوانه على لبنان وإيران الأمور إلى حافة الهاوية، هادفًا إلى تفعيل الحلف الذي تحدث عنه أمام الكونغرس، فنال تصفيقًا حارًا بعد طرحه.
إثبات قيادة أمريكا للعدوان لا يحتاج إلى دلائل، لأنّ واشنطن “وتل أبيب” وجهان لعملة إرهابية واحدة، ويكفي الإشارة هنا إلى أن البيت الأبيض لم يكتفِ بالمساهمة في تنفيذ العدوان، لكنه دفع ببوارجه مجددًا لحماية العدوّ من الرد المنتظر، وأعلن عن تواصله مع شركائه في المنطقة لتنسيق كيفية الدفاع عن الكيان بمواجهة رد جبهة المقاومة.
يتمخض عن هذا الواقع مشروعان: مشروع جبهة المقاومة ومشروع الهيمنة والاستعمار الأمريكي والصهيوني وجبهته الممثلة بحلف “إبراهام”، والذي تبلور واتضحت معالمه وأدواره بعد “طوفان الأقصى” مع صمت الأنظمة العربية وتحييدها لتمرير جرائم العدوّ في غزة واحتلاله المعابر، ومساعدته على الالتفاف على الحصار اليمني للممر البحري بإنشاء ممرات برية لنقل البضائع إلى كيانه. إضافة إلى هذا كلّه؛ هناك التعاون الاستخباري والدفاعي لصد الصواريخ والمسيّرات الإيرانية في أثناء الرد على جريمة القنصلية في سوريا، ما يعني اصطفافًا صهيو- عربيًا في مواجهة المقاومة، عبر عن نفسه في حملات تشويهها التي نشطت بعد الجرائم الصهيونية.
وهنا لا بدّ من الإضاءة على بعض العناوين والملاحظات:
1 – لم تنجح محاولات العدوّ لاستعادة الردع مع جبهة المقاومة التي توّعدت بالرد وأجبرته بمصداقيتها على الاستنفار، ودفعت راعيه الأمريكي لجلب بوارجه وحاملات طائراته وفضح شركائه والتنسيق معهم لحماية الكيان.
2 – فشلت محاولة العدوّ لنسف المسار التفاوضي الراهن باغتيال قمة هرم التفاوض الممثلة بقيادة حركة حماس السياسية، واستبدالها بمسار تفاوضي ناري مباشر خاضع لسياسة حافة الهاوية. ذلك؛ لأنّ المقاومة أعلنت أنّها ستردّ، وأغلقت باب التفاوض والمناقشة، ولم تخشَ تلك السياسة. والأهم أنّها لم تطرح نفسها طرفًا مفاوضًا؛ بل أكدت أنّها ما تزال جبهة الإسناد للطرف الرئيس، وهو حماس، وأنّ الحل هو وقف إطلاق النار في غزّة.
3 – لم تنجح محاولة العدوّ لتغيير عنوان المعركة، في أنها حرب مع “إيران وأذرعها” وليست حرب إبادة لغزّة وجبهات إسناد من المقاومة، فالعدوّ فتح بذلك على نفسه النيران وأعطى بغبائه ذريعةً لتدخل الجبهات بمزيد التصعيد في مراحل أعمق ممّا سبق، جراء انزلاقه في توسعة دائرة المعركة وتخطيّه للخطوط الحمر مع هذه الجبهات.
هذا؛ ولا يحتاج العدوّ إلى ذرائع؛ فخطواته العدوانية تأتي في سياق عدوان أمريكي مبيت بالأساس، ما يضع جبهة المقاومة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية بواجهة صهيونية، إذ إنّ نتائج هذه المعركة سيتوقف عليها مستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة ككل، وقد يرغب العدوّ في دمار المنطقة؛ كونه يعي أنّه كيان مؤقت، ولكن أبناء هذه الأرض يرغبون في الحفاظ عليها وإزالة هذا الكيان وطرد أمريكا من المنطقة بأقل كلفة ممكنة، وهو ما يكمن وراء تغليب العقل والحكمة، وإلّا المقاومة لا تنقصها الشجاعة والفداء، بدليل تقديم قادتها في طليعة الشهداء.

قد يعجبك ايضا