عن العدو وتفكيك خطابه

عبدالرحمن مراد

 

 

يقال أن كل نهضة وتقدم تبدأ بثبات أخلاقي وكل تخلف وتراجع يبدأ بسقوط أخلاقي، ومن الملاحظ أن العدو بدأ يشتغل على الصغائر فلا يدع شاردة أو واردة إلا وقال فيها شيئا يفصح عن نذالة خصومته وفجورها، بالأمس اشتغل العدو على حوادث قد تكون عارضة تحدث في أي تجمع إنساني وحاول استغلالها استغلالا رخيصا كحوادث القتل التي تحدث بين الفينة والأخرى لسبب اجتماعي أو آخر، ويحوّل القضايا إلى قضايا رأي عام، وحين تتم المحاكمة وتنفيذ أحكام القضاء بصورة عاجلة يجعل منها قضايا أخرى يهدف من ورائها إلى بث الريبة والشك في موضوع الأحكام، وسلامة الإجراءات القضائية، وهو يجهد في تأليب الرأي العام ويحاول تفكيك بنية المجتمع، ويحدث فصلا بين السلطة وحواضنها الاجتماعية، ومثل ذلك يعزّ عليه بسبب واحد وبسيط وهو أن السلطة الوطنية بصنعاء تبسط يدها على كامل الأرض، وتحقق نجاحات أمنية غير مسبوقة، وحين المقارنة تكون كفة السلطة الوطنية بصنعاء راجحة على سلطة المحتل ومرتزقته، كما أن الكثير من القضايا والجرائم التي شهدها المجتمع الواقع تحت نير الاحتلال ومرتزقته، لم تضبط ولم يحقق فيها، بل يقال إن السلطة القضائية مشلولة الكف والساعد في مناطق الاحتلال .
اليوم يحاول العدو أن يطلق العنان لبعض مرتزقته من رعايا السفير ويقومون بحملة تمس الجوانب الأخلاقية في تعبير فاضح عن حالة السقوط والشعور بالهزيمة والتفسخ القيمي وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الصراعات والخصومات ويستنكره كل من يحمل ضميرا حيا وقد استنكره الخصوم أنفسهم ونصحوا السفير بتوجيه الرعايا الذين ينساقون وراء توجيهاته بالكف عن هذه المهزلة التي تعبر عن السقوط في الرذائل ولا تنال إلا من الذين يقولون بها ويرعون توجهها .
صنعاء خلال حالة الاضطراب والتموج والثورات وخلال زمن العدوان مع ما صاحب ذلك من أحداث ظلت تقدم نموذجا إنسانيا فريدا، ونموذجا فريدا للمدنية والتعايش، ونموذجا فريدا للدولة المتخيلة التي كان المجتمع ينشدها خلال السنين الخوالي، وقد فشل المرتزقة في تقديم أي نموذج بل كانوا دمى يلهو بها الأمريكي والإسرائيلي والسعودي والإماراتي، وهو الأمر الذي جعل من تلك الثلة من البشر دون قيمة واقعية، أو أخلاقية .
اليوم يفرش المرتزقة الجفون للمستعمر كي يحتل اليمن، فبريطانيا تعود هذه المرة ليس إلى عدن بل إلى المهرة في حالة من حالات تبادل الأدوار بين الدول السبع، في حين تضع أمريكا يدها على عدن وقاعدة العند وباب المندب وميناء بلحاف بشبوة، وتتواجد في جزر البحر، كما تضع إسرائيل يدها على جزيرة سقطرى، في مقابل ذلك تتواجد فرنسا في الطرف المقابل في القرن الأفريقي، يحدث ذلك في الجنوب الذي قالت الأيام أنه لم يستقر ولن يستقر ،ومن يدعون الشرعية يمارسون التضليل ويقرون بالوصاية على اليمن وأهله حتى تمر من تحت الطاولة مشاريع المستعمر الأجنبي الذي يبسط يده على الموانئ والممرات البحرية وعلى الجزر اليمنية ذات الأهمية الاستراتيجية في طرق الملاحة الدولية .
لقد وقع العدو في التناقض في خطابه الذي يستهدف اليمن، ولذلك سوف بفشل كما فشل في عدوانه رغم ضخامة آلة الدمار والرعب التي استخدمها في العدوان، وفشل العدو لا يعني أن نقعد مع القاعدين ونقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، بل يتطلب جهدا مكثفا لبيان الزيف والتضليل وفضح الأكاذيب والأضاليل بخطاب مواز يتسع نطاقه ليشمل كل وسائل الاتصال والتواصل، وقد أصبحنا اليوم مطالبين بوضع الخطط والاستراتيجيات التي تفضح العدو وتبين للناس والرأي العام العالمي ما غاب عنهم، كل الوسائل اليوم متاحة، ولا بد لنا من تنظيم جيش إلكتروني، كما يحاول العدو أن يصنع، حتى نخوض معركة الوعي وننتصر فيها، فالمعركة العسكرية يقر العدو بفشله فيها، وقد قرأنا تصريحات في سالف الأيام تقر بذلك، ولذلك فالمعركة القادمة التي يعد لها العدو هي معركة فصل السلطة عن مجتمعها، وثمة أخطاء إجرائية تحدث شرخا في جدار الوجدان العام لابد من الوقوف أمامها ببصيرة ووعي ودراية وعلم حتى لا نجعل للعدو شروخا ينفذ منها ليبث سمومه .
اليوم تطرأ قضايا يجتهد فيها البعض فيقع في الخطأ وقد يقع في الصواب لكن صوابها قد يشكل حالة صادمة لمن اعتاد ذلك الحال، وليس من الحكمة أن نصدم المجتمع بموانع اليوم في قضايا يعتادها في سوالف أيامه اجتهادا منا، أو رفضا منا لها، فالله حين أراد تحريم الخمر على قوم كانوا يرونه من ضرورات وجودهم كثف الحديث عنه، وخلق له البدائل في الحياة الأخرى وتدرج في تحريمه على مراحل ثلاث، ولذلك قد يضخم العدو الصغائر ويخلق منها كبائر حتى يصل إلى مبتغاه، وهو ما يحدث اليوم بالفعل، فكل حادث يحدث كقضايا اعتيادية يتداخل العدو حتى يجعل منها قضايا كبرى وله غاياته وأهدافه من وراء ذلك .
المعركة مستمرة والانتصار فيها يتطلب منا وعيا واستعدادا نفسيا لمواجهتها، كما يتطلب قدرات ثقافية واستراتيجيات واشتغالا ممنهجا، فتفكيك خطاب العدو في المرحلة الراهنة من ضرورات الانتصار فيها .

قد يعجبك ايضا