الثورة / متابعات
اتجهت الأنظار إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وذلك بعد سقوط صاروخ أدى إلى مقتل 11 من سكانها وجرح العشرات، في أكبر حصيلة للضحايا على الجبهة الشمالية منذ بداية التصعيد بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي في 8 أكتوبر الماضي.
وسلط سقوط الصاروخ -الذي نفى حزب الله أطلاقه ، وأكد أن العدو الصهيوني هو الذي ارتكب الجريمة- الضوء على مجدل شمس التي يسكنها الدروز السوريون، والتي تقع في نقطة قريبة من الحدود السورية في مرتفعات الجولان.
وتعد البلدة أكبر مركز سكاني لدروز الجولان ويقطنها 12 ألفا، صمدوا في أرضهم عقب الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، وما ترافق معه من تهجير واسع وتضييق منهجي وسياسات التذويب ومحو الهوية.
وواجه سكان مجدل شمس الاحتلال بالمقاومة المسلحة بادئ الأمر، ثم شرعوا بانتهاج المقاومة المدنية المستمرة إلى يومنا هذا، وتمثلت في رفض الجنسية الإسرائيلية، ومقاطعة الانتخابات المحلية، ومقاومة مشاريع قضم الأراضي والهيمنة على الموارد الطبيعية، كما حرصوا على توثيق الترابط الاقتصادي والاجتماعي مع سوريا.
وتعتبر مجدل شمس أكبر القرى المتبقية بعد طرد إسرائيل نحو 130 ألفا من الدروز العرب، بعد احتلالها مرتفعات الجولان من سوريا خلال حرب الأيام الستة عام 1967م.
ولم تعترف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضم إسرائيل لهذه المناطق، ويعتبر القانون الدولي أن المستوطنات -التي أقامتها إسرائيل والبالغ عددها 33 وتحتل غالبية مساحة الجولان- غير قانونية.
وقد شهد عام 1981م، رفض أكثر من 90% من سكان مرتفعات الجولان المحتلة الجنسية الإسرائيلية. ولهذا، أصبح أغلب السكان يحملون وثيقة سفر تعرّف جنسيتهم بأنها “غير محددة” (أي أنهم ليسوا مواطنين إسرائيليين أو سوريين).
وإلى اليوم تحافظ الغالبية العظمى من سكان البلدة على هويتها السورية، إذ لم يقبل نيل الجنسية الإسرائيلية سوى قرابة 20% منهم، وهم يقاطعون الانتخابات المحلية، بينما يتفاعلون بقوة مع ما يحدث مع بقية أبناء وطنهم على الجانب الآخر من الحدود.
المقاومة العسكرية
تتبعت دراسة إدواردو أبو الطيف تاريخ المقاومة العسكرية لدروز الجولان ضد الاحتلال الإسرائيلي، إذ أشارت -استنادا إلى مقابلات مع أعضاء في المقاومة- إلى أن مجموعة من نحو 50 شابًا من الجولان قامت بتشكيل تنظيم حركة المقاومة السرية بعد الاحتلال مباشرة.
ووفقًا لأحد الأعضاء المؤسسين للمنظمة، فقد كان الهدف هو تقديم المعلومات للجيش السوري، وكان حافزهم وطنيًا بحتًا، وخاليًا من أي انتماءات دينية أو عائلية أو قبلية أو طائفية.
وتم توظيف بعض هؤلاء الدروز كعمال بالثكنات العسكرية والمناطق المحيطة بها من قبل الإسرائيليين في مرتفعات الجولان وسيناء، واستخدموا لقاءاتهم في هاتين المنطقتين لتقديم معلومات عسكرية حساسة لحكوماتهم حول خط بارليف والمواقع العسكرية بالجولان (مثل مرصد جبل الشيخ) وهي معلومات كان لها تأثير كبير على نتائج حرب أكتوبر 1973م.
وكان النشاط العسكري الرئيسي لشبكة المقاومة هذه -التي كانت تضم 3 خلايا عاملة- هو جمع المعلومات وإيجاد طريقة للتواصل مع الجيش السوري.
وقد تمكنت مجموعة من 12 شابًا من تصعيد مقاومتهم العسكرية من خلال زرع الألغام بجانب المراكز العسكرية في الجولان، وبلغت ذروتها بالتخطيط بنجاح لتفجير مستودع ذخيرة للدبابات الإسرائيلية كان يضم 1200 صاروخ.
وبعد اكتشاف الاحتلال للخلية الأمنية، حكموا على بعض أعضائها بالسجن من 25 إلى 32 عامًا، وقتل اثنان من أعضائها على يد الجيش الإسرائيلي.
وبحسب الدراسة فإن هذا النوع من المقاومة لم ينجح في تحريك شرائح واسعة من أبناء الطائفة الدرزية السورية بالجولان، فقد اقتصرت المقاومة العسكرية التي مارسها الدروز في الجولان على تلك الفترة فقط، ولم تكن الطائفة ترى مكاسب وازنة من العمل العسكري ضد إسرائيل.
ولذلك أصبح العصيان المدني هو الاستراتيجية العملية الوحيدة التي يمكن للدروز أن يستخدموها كتقنية مقاومة ضد الاحتلال، خاصة وأنهم قادرون على إطلاق وتشغيل هذا النوع من المقاومة دون الحاجة إلى راع إقليمي.
المقاومة المدنية
نجح الدروز في رفض “أسرلة” مرتفعات الجولان وهويتهم في الثمانينيات، وقاوموا لاحقًا التمييز الإسرائيلي فيما يتعلق بتوفير المياه والبنية الأساسية والاستثمار بالأراضي والتعليم وضمنوا حماية بيئة الجولان بوسائل غير عنيفة.
وقد نجحوا في بعض الحالات وفشلوا مرات أخرى. ولكن في المجمل، فإن حقيقة تمكنهم من البقاء في الجولان، ورفض هوية إسرائيل وإجبارها على قبول اتصالاتهم مع مواطنيهم في سوريا، تعكس قصة ناجحة للمقاومة اللا عنفية التي خاضها الدروز في مرتفعات الجولان ضد الاحتلال.
ففي أعقاب ضم هضبة الجولان في ديسمبر 1981م من قبل حكومة الليكود الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء مناحيم بيغن، بادرت الطائفة الدرزية إلى بذل جهودها للرد على سياسات الضم الإسرائيلية.
وقد وُصفت أنشطتها المناهضة لإسرائيل بأنها مقاومة مدنية للاحتلال وتدور في 3 مجالات، كما خلصت إليه دراسة أبو الطيف.
وخاض الدروز سلسلة من المعارك السياسية ضد السلطات الإسرائيلية بهدف الحفاظ على هويتهم العربية السورية في مواجهة الضم ومحاولة أسرلة السكان.
وبدأ هذا النوع من المقاومة أواخر السبعينيات، وبلغ ذروته في أعقاب قانون الضم عام 1981م، واستمر بعد ذلك. وفي هذا السياق كانت نسبة التصويت للانتخابات المحلية في مجدل شمس عام 2018م فقط 3.4%.
وناضل دروز الجولان للحفاظ على ترابطهم مع سوريا على مدار عقود، وبدورها أعفت الحكومة السورية شباب الجولان من الرسوم الجامعية وخصصت لهم راتبا شهريا صغيراً للدراسة في سوريا.
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد كان ما بين 400 و500 طالب يمرون عبر معبر القنيطرة إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة السورية كل عام، بمساعدة الصليب الأحمر.
ومنذ عام 2005م، ساعدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر المزارعين الدروز بالجولان المحتل في بيع منتجاتهم إلى الحكومة السورية.