تابعت الإعلام الإسرائيلي الذي احتفى لعدة ساعات بنجاح جيشهم في اغتيال القائد القسامي محمد الضيف، وظلت وسائل إعلام العدو تتغنى بقدرات المخابرات الإسرائيلية على تحديد موقع الرجل، وتثني على إبداع القيادة العسكرية في الهجوم العنيف المفاجئ والمنسق، حيث استعان الجيش بثمان قنابل تزن القنبلة الواحدة 2000 رطل، قصفت بها المنطقة التي ظن العدو أن محمد الضيف يقيم بها، بل وتعمد العدو قصف محيط المنطقة كلها، يهدف الحيلولة دون نجاة الرجل المستهدف، وللتأكيد على حجم الحقد الإسرائيلي على محمد الضيف، قصفت الطائرات الإسرائيلية سيارات الإسعاف، وسيارات الدفاع المدني، التي سارعت للقيام بواجبها، بل قصفت طائرات العدو كل إنسان فكر بالاقتراب من المكان للمساعدة والإنقاذ.
كان حجم الفرح في الإعلام الإسرائيلي يعادل حجم الفرح عشية الانتصار على الجيوش العربية في حرب حزيران 1967، وأخذت نشوة الإنجاز العسكري برؤوس وسائل الإعلام العبرية المسموعة والمرئية، وراح المحللون والباحثون يتحدثون عن محمد الضيف التاريخ، وعن محمد الضيف الكفاءة والقدرة، وعن محمد الضيف الوجع، وعن دوره في الصعود بالمقاومة من الصفر إلى القمة.
واصل الإعلام العبري حديثه عن الضيف، وراح يجري المقابلات مع المحققين الإسرائيليين الذين حققوا مع الضيف زمن اعتقاله في السجون الإسرائيلية 1989، وكيف كان صلباً عنيداً، وكيف كانت علاقته مع السنوار في تلك الفترة، بل ذهب الإعلام الإسرائيلي إلى تفسير معنى كلمة الضيف، وأن الاسم الحقيقي لمحمد الضيف هو محمد ذياب المصري، وأن الضيف صفة لذلك المطارد من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم المطارد من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، ولأن الرجل لم يكن يستقر في بيت، أو يقيم في مكان، ولأنه ظل يتنقل بين بيوت المؤيدين له في قطاع غزة، فقد أطلق عليه لقب الضيف، لأن إقامته في البيوت كانت قصيرة، تشبه إقامة الضيف.
لم يكتف الإعلام الإسرائيلي بالحديث عن صفات الضيف وقدراته الذهنية، وفشل العدو الإسرائيلي في اغتياله المتكرر لسبع مرات قبل هذه المرة الثامنة، سبع محاولات كان مصير الجيش الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية في كل مرة، هو الفشل، رغم إصابة الضيف في أكثر من محاولة اغتيال، ورغم استشهاد زوجته وبعض أبنائه في إحدى محاولات اغتيال الرجل، ولكنه نجح في التملص من الموت، حتى نشرت بعض الصحف العبرية صورة محمد الضيف على رأس صفحتها الأولى، وكتبت تحتها بالبنط العريض: أين هو الموت؟
الإعلام الإسرائيلي تحدث عن دور محمد الضيف في بناء القوة العسكرية لحركة حماس، وكيف انتقل بها من بضع مسدسات، وبضع رصاصات، إلى هذا المستوى من التسليح والقدرات العسكرية المتطورة، حتى ارتقت كتائب القسام إلى التخطيط لمعركة طوفان الأقصى، وتعمد الإعلام بث كلمة محمد الضيف التحريضية التي وجهها للأمتين العربية والإسلامية، صباح انطلاق معركة طوفان الأقصى، وترجم العدو بعضها إلى اللغة العبرية، وتحدث الإعلام عن دور الضيف في تعزيز مكانة يحيى السنوار داخل الحركة، حتى جعل منه المسؤول الأول في غزة.
لقد اعتبر الإعلام الإسرائيلي غياب محمد الضيف عن ساحة غزة بمثابة قصم ظهرٍ للمقاومة، وأن اغتيال الضيف يشكل ضربة قوية للعسكريين داخل الحركة، وهذا الاغتيال سيسهم في سرعة التوصل لاتفاقية وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين داخل قطاع غزة.
حديث العدو الإسرائيلي عن الضيف بهذا القدر من التبجيل والتعظيم، لم يأت لتبرير المجزرة التي اقترفها جيش العدو بحق المدنيين في مواصي خان يونس، بل جاء من باب التحذير من عمليات انتقامية لاغتيال الرجل، وجاء الحديث عن النجاح في اغتيال الضيف ليعكس حاجة المجتمع الإسرائيلي إلى جرعة انتصار، إلى خبر يدخل الثقة والأمل في قلوب الإسرائيليين، الذين أمسوا يتشككون بقدرات القيادة السياسية والعسكرية.
في النهاية يقرُّ إعلام العدو الإسرائيلي بأن الجيش كان يعرف بأنه سيقترف مجزرة بحق المدنيين في حالة اغتيال الضيف، ومع ذلك، كان قرار المستوى السياسي بقصف المنطقة كلها بالقنابل، دون أن يرف لهم جفن، وهم يستمتعون لمقتل وجرح مئات المدنيين.
وفي نهاية اليوم، تتكشف الحقيقة، وتتحول الفرحة الإسرائيلية إلى دمعة، حيث يعترف إعلام العدو الإسرائيلي أنه يجهل نتائج المجزرة التي نفذها ضد سكان خان يونس، ليظل السؤال المطروح على الأعداء: هل تم اغتيال محمد الضيف؟ أم أنه خرج من قلب المجزرة سالماً، كما خرج سالماً من سبع محاولات اغتيال سبقت المرة الثامنة.
نجاة محمد الضيف حسرة تملأ قلوب الإسرائيليين، يحاولون تلطيفها بتكرار القول: إنهم لا يمتلكون المعلومة الدقيقة عن مصير محمد الضيف ـ حتى اللحظة ـ فكيف يكون ذلك؟ وهم يدعون بأنهم يمتلكون المعلومات الدقيقة عن سلامة الأسرى الإسرائيليين في غزة، وأن أحداً منهم لم يكن في مواصي خان يونس وقت اقتراف المجزرة!