عندما اجتاحت إسرائيل لبنان ووصلت إلى بيروت في العام 1982م فإنها فقط كانت تحتاج إلى إبلاغ أمريكا بأنها ستقوم بهذه العملية..
لا تحتاج لمشاركة أمريكا ولا تعمل حساباً لأي طرف داخلي في لبنان ولا حتى على مستوى المنطقة..
تذكرت هذا الاجتياح وأنا أتابع أكثر من محلل إسرائيلي في فضائيات وهم يطرحون ـ بلا حياء ـ بأن على حزب الله أن يقصف المناطق التي صورها بطائرة الهدهد وما لم يعمل ذلك فتهديده لا معنى له..
حزب الله طرح بوضوح بنك أهداف له سيستهدفها إذا قامت إسرائيل بالاعتداء على لبنان..
إسرائيل هي التي تهدد لبنان بالحرب وتحويل بيروت إلى غزة وإعادة لبنان إلى العصر الحجري وإسرائيل في هذا السياق هي من يعنيها بدء الحرب على لبنان التي تهدد بها، وحين يطالب منظرون أو محللون من الكيان بأن يكون حزب الله هو من يبدأ لشن الحرب فهذا يعني أن إسرائيل لا تريد حرباً أو لم يعد بمقدورها شن هذه الحرب..
إسرائيل 2024م لم تعد إسرائيل 1982م وهي لا تستطيع شن حرب على لبنان كما 1982م ويريد نتنياهو توريط أمريكا في شراكة حرب على لبنان ستصير تلقائياً حرباً إقليمية إن لم تكن عالمية وذلك ما لا تريده أمريكا وهو لغير صالح أمريكا، والأرجح أن ذلك سيلحق بأمريكا أضراراً أو يخلق مخاطر كبيرة في ظل ما يعتمل من صراعات عالمية تجعل أمريكا مأزومة ـ وربما مهزومة ـ ومثل هذه الحرب قد تزيد الأزمات أو تفضي إلى هزيمة لأمريكا أو تقرّ بها من أزمة.. حيث أن إسرائيل لا تستطيع بمفردها شن حرب على لبنان، فكل جهودها تتمحور حول جر أمريكا وتوريطها في هذه الحرب وكأن ما يطرح في فضائيات من مطالبة حزب الله بأن يكون البادئ فذلك ضمن جهود التوريط لأن حزب الله لو بدأ فعلاً الحرب المفتوحة فذلك لم يترك لأمريكا غير المشاركة وتتحقق التوريطة كما يريد “النتن”..
الذي استغربه هو هذه الضحالة في التفكير والطرح، لأنه من المستحيل أن يسير حزب الله كبادئ في حرب مفتوحة كهذه وعندما يتصورون أن أطروحات كهذه قد تدفعه لذلك فذلك لم يعد ضحالة فقط، بل مستوى من الغباء المتراكم المركب..
حزب الله أهم جبهات الإسناد لغزة وسيظل في هذا الإسناد حتى توقف الإبادة الجماعية والعدوان على غزة وذلك هو موقف محور المقاومة وكل جبهات الإسناد..
كل جهود أمريكا ودول الغرب فشلت في إقناع جبهات الإسناد بأن تسير في موقف دون شرط وقف العدوان والإبادة الجماعية في غزة..
إسرائيل بأمريكا والغرب ليس أمامهم سوى إيقاف العدوان وجرائم الإبادة في غزة أو السير إلى أي حرب يشاؤون أو يريدون..
إذا كان نتنياهو أو إسرائيل تريد حرباً على لبنان أو حرباً إقليمية وأمريكا لا تريد ذلك، فتلك مشكلة الكيان وأمريكا وليست مشكلة المقاومة أو حزب الله أو محور المقاومة وليس من حق أي أحد أن يطالب بمنع أو إيقاف الإسناد ولا الهروب العاجز إلى مطالبة حزب الله بأن يبدأ بشن حرب واسعة أو مفتوحة، وإذا كان مثل هذا ليس من ضحالة وغباء وعجز فماذا يكون؟..
محور المقاومة عبر جبهات الإسناد سار في خيار وقرار لا مراجعة له ولا تراجع وهو إسناد غزة حتى إنهاء العدوان وفك الحصار وقبل ذلك وقف الإبادة الجماعية..
أي ضغوط أو إغراءات أو ترغيب وترهيب للسير في موقف أقل من القرار والخيار الاستراتيجي إنما يقدم الغباء والعجز معاً، أما مطالبة حزب الله بأن يبدأ بشن حرب مفتوحة فذلك غباء الغباء وعجز العجز..
إن من حقي أن أحذر أمريكا من العدوان على لبنان، كما هو من حقي تحذير أمريكا من توريطة يريدها لها نتنياهو، ومع ذلك يعنيني التوقف والتحذير من العدوان بداهة لا غبار عليها، فيما لا أحتاج تداخل تحذير من ورطة أو توريط نتنياهو لأمريكا، لأن ذلك إن لم يقلل قيمتي ففيه تقليل من قيمة طرحي، فكيف لمن يظهرون في فضائيات مثل “روسيا اليوم” ويطالبون حزب الله بأن يبدأ الحرب المفتوحة؟..
اجتياح بيروت 1982م هو ما أدى إلى نشوء حزب الله، وحزب الله هو الطرف الوحيد الذي حرر أرضاً لبنانية محتلة بالقوة وبدون اتفاقات كما دول عربية أخرى في انتصار 2000م الذي عزز بانتصار 2006م، وأن يطالبه منظرون صهاينة بأن يكون البادئ بشن حرب واسعة ومفتوحة، فذلك شرف وتشريف لحزب الله مقارنة بلبنان 1982م، ولكن حزب الله ليس فقط طرفاً ومقاومة ولكنه مدرسة سياسية نوعية واعية متزنة رصينة في أفقه وفكره وفي خياراته وقراراته..
زمان كان يقال لنا كعرب إننا في مواجهة إسرائيل لا نعرف من نواجه وحالة إسرائيل أمام حزب الله تجسد حقيقة أن إسرائيل لم تعد تعرف من تواجه حتى باتت تمارس استغباءً لم يعد يفيد شيئاً أو يقدم شيئاً غير الغباء الإسرائيلي أمام حزب الله..
ولازال في جعبة محور المقاومة وجبهات الإسناد ما يصنع مفاجآت صاعقة في حال أي عدوان من قبل إسرائيل أو أمريكا ومن يلف لفيفهما من فوق وحتى من تحت الطاولة، وهذا الفرس وذاك الميدان.!!
Prev Post