اختار العدو «الإسرائيلي» ساعات الفجر لشن هجومه على الجيش المصري والسوري والأردني يوم الإثنين الموافق 5 يونية 1967م، وساعات الفجر لدى عدونا «الإسرائيلي» مقدسة، فهم ـ بشكل عام ـ ينامون مبكراً، وينهضون مبكراً، ويبدأ يومهم العملي من الساعة الخامسة فجراً، لذلك شن الجيش «الإسرائيلي» هجومه على الجيوش العربية في تلك الساعات التي كانت فيها القيادة تستمتع بإغفاءة الفجر.
هجوم الفجر المباغت مارسه العدو «الإسرائيلي» في عدوانه على غزة وسيناء سنة 1956م أيضاً، حين استيقظ الجيش المصري على قصف مطاراته، ومحاصرة قواته، وهجوم الفجر مارسه العدو «الإسرائيلي» في كل اعتداءاته على لبنان سنة 1982م، ومارسه بعد ذلك التاريخ سنة 2006م، يوم حاول العدو مفاجأة المقاومة اللبنانية فجراً، فتصدوا له بمرصاد اليقظة والاستعداد.
اليوم يتبدل المشهد الميداني، فرجال المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، هم أصحاب الفجر، فهم يتوجهون لتنفيذ عملياتهم العسكرية بعد صلاة الفجر، يفاجئون عدوهم «الإسرائيلي» في مقتل داخل دباباتهم ومصفحاتهم، بعد أن أرهقهم الليل وهم ينتظرون ويراقبون المنطقة بقلق ورعب وتوجس، وسط بيئة معادية داخل قطاع غزة.
لقد صار الفجر رفيقنا نحن الفلسطينيين، وصار طريقنا، وصارت معظم عمليات المقاومة تنفذ بعد صلاة الفجر، في تلك اللحظات المعبأة بالإيمان بالله، والثقة بأننا أصحاب أعدل قضية على وجه الأرض، وأننا لا نقاتل عدواناً وظلماً، ولا يواجه أبطالنا عدوهم طمعاً بالمال وعرض الدنيا، ولا طلباً لترقية وظيفية، أو لتنظيف السيرة الذاتية، ولا يقدم المقاوم روحه طمعاً في التكريم، ولحساب تلك الحكومة أو ذاك الحزب، أبطال فلسطين يقاتلون عدوهم مقتنعين بأنهم يقومون بواجبهم الديني والوطني، وأن المقاتل سينال إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة، لذلك تراهم مقتحمين لمواقع العدو، وهم حفاة، وتراهم مقبلين، ولا تراهم مدبرين، ولا تراهم مترددين في المواجهة، وهم لا يفكرون بأنفسهم، ولا بمصيرهم، بمقدار ما يشغلهم النجاح في المهمة المكلفين بها، والحريصين على تنفيذها بنجاح يرفع من شأن الأمة، ويحط من قدر الصهاينة.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني