فلسطين.. بين خيانة القريب ومؤامرة البعيد..!

طه العامري

 

 

ما يجري بحق الشعب العربي الفلسطيني منذ عام 1916م حتى عام 2023م شيء وما يجري بحق هذا الشعب منذ أكتوبر 2023م وحتى اليوم شيء آخر، مقارنة بالجرائم التي ترتكب بحق هذا الشعب منذ أكتوبر 2023م والتي لم يسبق أن ارتكبها أي من طغاة التاريخ..!
ما يتعرض له أطفال ونساء وشيوخ فلسطين وخاصة سكان قطاع غزة من حرب إبادة ممنهجة، حرب استباح فيها العدو الصهيوني كل القوانين والتشريعات السماوية والأرضية والقيم والأخلاقيات الدولية والإنسانية، حرب سيكتبها التاريخ في أقدس وأنصع صفحاته بأنها (عار) غير مسبوق في جبين الإنسانية والنظام الدولي الذي سقط وسقطت كرامته وقيمه وأخلاقيات منظومته الكونية بكل قيمها ومعتقداتها..!
يكذب ويخدع العالم من يتوهم أو يعتقد أن الكيان الصهيوني فوق القانون الدولي وأن هذا العالم المترامي الأطراف عاجز عن لجم هذا العدو وإيقاف عربدته وجرائمه، بل يكذب من يتوهم ويعتقد أن العرب والمسلمين عاجزون عن إيقاف هذا العدو، الذي أسقطت عنه المقاومة كل أساطيره الزائفة ونسفت فكرة تفوقه وقدراته الردعية التي ظل لعقود يتحدث عنها لتخويف أنظمة الذل والعار والخيانة..!
إن ما يتعرض له الشعب العربي في فلسطين سوي في قطاع غزة أو في بقية الجغرافية العربية الفلسطينية على يد العدو الصهيوني الذي يدمر الحرث والنسل ويبيد أسراً بأكملها ويلغيها من السجل المدني بالقتل والحصار والتجويع، بعد أن استخدم الجوع كسلاح لقتل أبناء فلسطين، دون تفريق بين الطفل والشيخ وبين المرأة والمقاوم، فالفلسطيني بنظر هذا العدو طفلا كان أو شيخا، امرأة أو شابا أو كهلا طاعنا، جميعهم بنظره (إرهابيين) يجب أن يقتلوا، ويجب التخلص منهم حتى لا يهددوا وجود الاحتلال ويقلقوا سكينته..!
ثمة اعتقاد صهيوني يقول  بأن الفلسطيني الطيب هو الفلسطيني الذي لم يولد بعد، وما يجري في قطاع غزة منذ تسعة أشهر، ليس جرائم إبادة صهيونية، بل جرائم إبادة يشارك الصهاينة فيها العرب والمسلمون والنظام الدولي والإنسانية بكل معتقداتها ودياناتها، جرائم تمارس أمام أنظار العرب والمسلمين والمجتمع الدولي ورعاة النظام الدولي الذي أثبت أنه نظام إجرامي منحط مجرد من كل القيم، والأخلاقيات الإنسانية، باعتباره شريكا فعالا في هذه الجرائم التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا لا في العصور والأزمنة الغابرة ولا في العصر والزمن القريب، إذ لم يرتكب مثلها لا (النازيون) بكل ما يلفق ضدهم من تهم زائفة، ولا الصليبيون ارتكبوا مثلها ولا أبطال محاكم التفتيش في اسبانيا الذين احرقوا بعض المسلمين أحياء ولكنهم كانوا اقل إجراما من الصهاينة والأمريكان..!
أعرف أن النظام العربي والإسلامي مجرد قطعان من المرتهنين والخونة والعملاء الذين يدينون بالولاء والتبعية لأمريكا والترويكا الصهيونية إلا من رحم ربي وهؤلاء قلة محدودة، غير أن غالبية الأنظمة العربية -الإسلامية تعد شريكا فعليا في حرب إبادة الشعب العربي في فلسطين، إذ ليس معقولا أن تكون (حركة حماس وفصائل المقاومة) التي تواجه العدو ومن خلفه أمريكا والغرب الاستعماري أكبر قدرة وأكثر اقتداراً من الأنظمة العربية -الإسلامية!
نعم تعد المقاومة أكثر إيمانا بقضيتها وقضية شعبها وبحقه في الحرية والاستقلال، وأكثر إرادة وعزيمة من أنظمة الذل والارتهان العربية والإسلامية، لكن ورغم تسليمنا بخيانة وعمالة هذه الأنظمة، إلا أن ما يجري من جرائم بحق أبناء فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، فعل يفترض أن تخجل منه هذه الأنظمة رغم عمالتها وخيانتها، لأن ما يجري يلحقها بالخزي والعار ويفقدها شرعية وجودها ناهيكم عن سقوطها الأخلاقي وتجردها من قيم العروبة وأخلاقيات وقيم الإسلام، بل ويجردها من كل انتمائها الوطني والقومي والديني والأخلاقي والإنساني..!
أدرك يقينا أن الشعب العربي في فلسطين سوف ينتصر على أعدائه بدليل بشاعة الجرائم التي يرتكبها هذا العدو والتي أجبرت بشاعتها كل شعوب العالم على الخروج للشوارع والتنديد بها وإدانة مرتكبيها، في وقت نرى فيه صمت غالبية العرب والمسلمين أنظمة وشعوباً، بل ونتابع هذه الأنظمة وهي تساوي بين الضحية والجلاد، بين أصحاب الحق وطغاة الباطل..!
ونتابع كيف ذهب بعض العرب يتسابقون لتلميع أنفسهم أمام أمريكا والصهاينة ويحاولون إثبات ولائهم ومتانة علاقتهم بالصهاينة ويتآمرون على المقاومة ورموزها ويتفرجون على أطفال ونساء وشيوخ غزة وفلسطين يتساقطون شهداء بالآلاف وجرحى ومشردين ومدن تهدم على رؤوس ساكنيها ومرافق خدمية تسوي بالأرض، لم تسلم منهم حتى المرافق الأممية المحصنة أو يفترض أنها كذلك، لكن العدو يتجاهل كل هذا ويواصل عربدته فيما الأنظمة العربية، الإسلامية المزعومة تغمض عيونها عن كل هذه الجرائم التي أيقظت ضمير شعوب العالم ولم يستيقظ لها الضمير العربي الإسلامي، الذي لم يكتف بخيانته بل نراه وبكل وقاحة وانحطاط يشكك بكل طرف يقف إلى جانب المقاومة والشعب الفلسطيني مساندا ومناصرا..!
نرى من يشكك بمواقف اليمن في البحر الأحمر وخليج عدن وبمواقف صنعاء المبدئية في إسناد أبناء فلسطين، ونرى من يسخر من دعم وإسناد المقاومة الإسلامية في لبنان لأبطال فلسطين، ويشكك بمواقف سوريا ونظامها القومي العروبي ويشكك بمواقف المقاومة العراقية، حتى يصل تشكيكهم إلى موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كان لها الدور الأكبر في صمود غزة الأسطوري، إيران التي احتضنت المقاومة وقدمت لها كل أشكال الدعم المادي والمعنوي والعسكري والأمني، حين تخلى عنها النظام العربي بطلب من أمريكا والصهاينة في عام 2002م، لتصبح (شيطنة إيران) في خطاب بعض الخونة العرب المتأمركين والمتصهينين الذين لم يخجلوا من بشاعة خيانتهم الوقحة، بل راحوا يفسرون مواقف إيران وفق المنطق الصهيوني الأمريكي الاستعماري ويتحدثون عن مخططات (إيران الفارسية) وعن أطماع (الشيعة) في تهميش (أهل السنة)، حتى صرت وانا المحسوب على أهل (السنة) أخجل من نفسي، حين أرى أبطال أهل (السنة) يقاتلون العرب والمسلمين ولم أر فيهم من يواجه الصهاينة والأمريكان، بل أراهم أذناباً للصهاينة والأمريكان وعملاء لهم وأدوات بيد أجهزتهم يحركونها ضد خصومهم عربا كانوا أو مسلمين أو مناصرين للقضايا العربية الإسلامية.
ليصبح  بنظرهم (الخطر الإيراني) أخطر من (الخطر الصهيوني)، بل يتحدثون عن ضرورة وأهمية قيام  تحالف عربي -صهيوني أمريكي غربي استعماري، لمواجهة النفوذ الإيراني ومواجهة ما يطلقون عليه (وكلاء إيران) في المنطقة من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين وصولا لصنعاء ويطلقون على هذا الامتداد الجغرافي بمحور (الإرهاب أو محور الشر)، لأن كل من يقف ضد العدو الصهيوني وضد الاستعمار الأمريكي -العربي هو إرهابي وشرير وعدو للإنسانية، والمقاومة الفلسطينية بنظرهم التي تقاوم الاحتلال هي (مقاومة إرهابية) وتؤيد غالبية الأنظمة العربية الإسلامية هذه التهم طمعا في إرضاء أمريكا والصهاينة مقابل الحصول على فتات من المساعدات الأمريكية -الغربية مع أن هذه الأنظمة للأسف عاجزة عن إطعام شعوبها أو توفير الخدمات الأساسية لهم مثل المياه والكهرباء والعمل وتوفير رغيف الخبز، بما فيها الأنظمة النفطية التي تمتلئ شوارعها بالمتسولين ..!
أدرك يقينا أن غالبية الشعوب العربية الصامتة والعاجزة عن التعبير عن مشاعرها تجاه جرائم الإبادة في فلسطين خوفا من بطش حكامها وأنظمتها، هي في قرارة نفسها تلعن حكامها وأنظمتها وتحتقرهم وتزدري كل ممارساتهم الخيانية..!
إن الأمة العربية والإسلامية شهدت طوابير من حكام الخيانة وأنظمة العهر الارتهان عبر التاريخ، لكنها لم تشهد أحقر من خونة اليوم، وإن كان خونة الأمس برروا خيانتهم بالعجز والجهل وعدم امتلاك القدرات، فإن خونة اليوم يمتلكون الوعي وكل القدرات التي تجعلهم على الأقل يعبرون بصدق عن رفضهم لما يجري وإن بالتصريحات  والإدانات التي تعودناها من خونة الأمس، وعجز خونة اليوم عن القيام بمثلها، لقد فشل خونة اليوم حتى في الاقتداء بأسلافهم من خونة الأمس، ففي مصر أم الدنيا يقف على رأسها من هو أكثر سوءا من اسلافه، ومثله في الأردن، والسعودية والإمارات وبقية المكونات العربية التي يحكمها خونة وعملاء لم يشهد تاريخ الأمة لهم مثيلا..!
لم يطلب أحد من هذه الأنظمة حشد جيوشها ولا تقديم المال والسلاح للمقاومة، بل كان كل ما نرجوا منها أن تحذوا حذو أنظمة مثل نظام جنوب أفريقيا أو نظام كوبا وكولومبيا وفنزويلا، ويكفي أننا لم نسمع عن نظام عربي أو إسلامي تجرأ وانضم للمحكمة الدولية إلى جانب دولة جنوب أفريقيا، وهكذا بحد ذاته دليل على خيانة وارتهان هذه الأنظمة التي انصاعت لأوامر نتنياهو الذي طالبها بالصمت فصمتت صمت أهل المقابر..!
لذا نقول ودون أن نخوض في معرفة القلوب وما فيها إن كل موقف يقف مع الشعب الفلسطيني داعم لقضيته من قبل أي قبل كان هو موقف نحني له الهامات ونؤيده ونعتز ونتفاخر به، ونلعن ويلعن التاريخ كل متخاذل ومتفرج لما يجري بحق هذا الشعب، وكل اللعنات لأولئك الذين يتحدثون عن مساومة إيقاف العدوان مقابل التطبيع مع العدو المجرم، فكل مطبع بعد هذا الإجرام الصهيوني هو صهيوني لا صلة له لا بالعروبة ولا بالإسلام ولا ينتمي للإنسانية.

قد يعجبك ايضا