إلــهام الأبـيـض
«إذا لم تكن الولاية لعلي، فلمن تكون؟» نزل أمر الله على المصطفى في آيات بينات بيّن كمال الدين وتمام النعمة: «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ» (المائدة: 67). في هذا البلاغ، أمر الله نبيه بإعلان أن «من كنت مولاه، فهذا علي مولاه»، داعيًا في الحشد الكبير من الحجيج: «اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.» هكذا أعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خم تحت حرارة الشمس، ومن فوق أقتاب الإبل، أن علي بن أبي طالب هو الوصي والولي.
إحياؤنا ليوم الولاية هو تجسيد واقتداء بتلك اللحظة التاريخية التي وقعت قبل أربعة عشر قرنًا. نأمل من إحياء هذه المناسبة العظيمة، عيد الغدير، أن يبقى صدى رسول الله وبلاغه قائماً عبر الأجيال. هذا البلاغ الذي أداه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غدير خم، يحمل أهمية كبيرة في الإسلام. قال الله للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»
إحياء يوم الولاية يبقي صوت رسول الله وبلاغه وكلماته النيرة حية في قلوب الأمة، حيث تحمل تلك الكلمات مضموناً هامًا وأساسًا في الدين. مناسبة الغدير، بثقافتها تجاه مسألة الولاية، تدفعنا إلى الاتجاه الصحيح، وفق ثقافة القرآن الكريم، أن نتولى الله، ونتولى رسوله، ونتولى الذين آمنوا. هذا الاتجاه ينسجم مع انتمائنا للإسلام، ومع القرآن الكريم، ومع هويتنا الإيمانية التي تمنحنا العزة والقوة والخير والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة: «وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»
استخدم الله أسلوب التهيئة، الذي يعد من أقوى الأساليب لترسيخ الموضوع في أذهان المتلقين. فكم من التساؤلات دارت في رؤوس الحجاج عندما دعا رسول الله المتقدمين منهم، وانتظر المتأخرين في غدير خم، مما جعلهم ينتظرون بشوق وتلهف ما يريده رسول الله منهم. هذه التساؤلات كانت كفيلة بتثبيت الموضوع لديهم وترسيخه في أذهانهم لوقت طويل جدًا.
الإمام علي (عليه السلام) هو امتداد لولاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وولاية أولياء الله والهداة لعباده، هي امتداد لولاية الله سبحانه وتعالى. هذه الولاية قائمة على الرحمة، تبني أمة على أساس الرحمة والحكمة والعزة، لتكون قوية، وعلى مستوى مسؤوليتها الكبرى في الأرض كأمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. هذه الأمة لها مسؤوليتها العالمية في إقامة الحق والعدل ومواجهة الظلم، في عزتها وقوتها وحكمتها، وفي ارتقاء وزكاء نفوس أبنائها.
للأسف، لم ترتبط الأمة العربية بيوم الولاية ولا بالإمام علي (عليه السلام)، مما أدى إلى تبدل الوضع وتغير الموازين، وكان البديل هو الارتباط بالهيود والنصارى، وكانت النتيجة الذلة والخنوع والعبودية والهوان. هذا هو الحال في هذه المرحلة لأمة ابتعدت عن التولي الحقيقي لله ورسوله والذين آمنوا.
إن ولاية الأمر في الإسلام من القضايا الكبرى التي أعطاها القرآن الكريم أهمية بالغة.