الإمام علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه- امتلك من الصفات والخصال الحميدة ما لا يمتلكه سواه؛ لأنه تربى في رعاية وعناية النبي محمد بن عبدالله –صلى الله عليه وآله وسلم-، ويكفي أن قال –صلى الله عليه وآله وسلم- عنه: “أنا مدينة العلم وعلي بابها”، وقوله عنه: “إنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”، خصه بالعلم وأدبه بالأخلاق والصفات الحسنة، ومنحه الزهراء سكناً له، وهي “فلذة كبد أبيها”.
لم يسجد لصنم قط، وأدى الأمانات التي كانت عند النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ليلة الهجرة، وقام بواجب البراءة حينما نزلت سورتها في مناسك الحج، وأهم مقاصده إعلان البراءة من الشرك والكفر، والتي عطل آل سعود مقاصد الحج، كما عطلوا مقاصد الإسلام والإيمان أولاً بالتشدد والتزمت، وأخيراً بالانحلال والتفسخ، فأباحوا المراقص والكازينوهات والاختلاط وأحلوا ما حرم الله.
من الحكم المأثورة عن الإمام علي –كرم الله وجهه-: “الناس أعداء ما جهلوا”، ولذلك فقد عمد الكارهون للمنهج النبوي إلى تجاهل تاريخ الإمام علي في كل شؤون الحياة؛ لأنه منهج يتسم بالبناء والإيجابية في بناء الشخصية الإنسانية للفرد والأسرة والمجتمع، وخاصة بعد أن استولى بنو أمية على الحكم واستعانوا باليهود كمستشارين لهم حتى أن الإمام زيد بن علي –رحمه الله ورضي عنه- دخل على هشام بن عبدالملك ووجد رجلاً عنده يسب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- (يهودي) فقال له: يا كافر، لو تمكنت منك لاختطفت روحك، وعجلتك إلى النار، فقال هشام: مه عن جليسنا يا زيد”، فقد جمعت السلطة بين صنفين من المبغضين للإمام علي –كرم الله وجهه- وهو أمير المؤمنين- من حبه إيمان، وبغضه كفر ونفاق.
في حجة الوداع أرجف أناس من المنافقين حول الإمام علي -كرم الله وجهه- فأراد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعلمهم بمقامه، فقام فيهم خطيباً في مكان يسمى “غدير خم” بين مكة والمدينة، ثم قال: “كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض…….”، ثم قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: “إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن”ثم أخذ بيد علي -رضى الله عنه- فقال: “من كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه” أخرجه النسائي في الخصائص، وأثبت ابن تيمية الحديث مع زيادة في حقوق آل البيت، “وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار، اللهم هل بلغت”.
تراجع الناس يوم خيبر فكان الإمام علي -كرم الله وجهه- الفارس الذي يفتح الله على يديه، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: “لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار، فدعا رسول الله علياً -رضوان الله عليه- وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: “خذ هذه الراية حتى يفتح الله عليك”، ومضى حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، وما رجع حتى فتح الله على يديه، حتى أن اليهودي سأله: من أنت؟، قال: علي بن أبي طالب، فقال: علوتم وما أنزل على موسى. (سيرة ابن إسحاق).
فاليهود أعداء للحق عن علم، ولكن بعض عداوة الجاهلين للإمام علي بن أبي طالب ناتجة عن جهل وتعصب وهوى، والجهل يذهب بالعلم، لكن التعصب والهوى يتمكن ويزداد.
في غزوة الخندق أسقط الإمام علي فارس قريش عمرو بن عبدود العامري الذي يُعد بألف فارس، فهو المقدام في المدلهمات، وهو العالم في المتشابهات والمصاعب، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه: “لولا علي لهلك عمر، ويل لمعضلة ليس لها أبو الحسن”.
وكذلك أثنى عليه الخليفة أبوبكر –رضي الله عنه، وعثمان، وكل صحابة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يعرفون فضله وعلمه وتقواه وورعه وزهده.
كان بحراً في العلوم والمعارف، وقدوة في الاتباع والسير على منهاج النبوة حتى ولو أدى ذلك إلى استقواء الظلمة والمجرمين عليه، قال ذات مرة: “والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ولا أغدر، ويفجر ولا أفجر”، التزم الحق على نفسه طوال حياته، واستشهد وهو عليه، ومن العجيب أن يختلف الناس في حديث الغدير وتأويله، ورغم سعي الآخرين للاستيلاء على السلطة بعد الخلفاء الراشدين، مستندين إلى الروابط الجاهلية التي حطمها الإسلام، لم يحد الإمام علي –كرم الله وجهه- عن منهاج النبوة، حتى مع الذين خرجوا عليه وسلوا السيوف ضده، فما زال يوصي أصحابه بالرفق بهم، ويقول: “هم إخواننا بغوا علينا”.
أخبره النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه سيموت شهيداً، ولما جاء الأجل قال: “الحمد الله الذي رزقني الشهادة”، وأوصى أولاده –سلام الله عليهم- باستيفاء القصاص دون زيادة، ولا تمثيل.
ما تركه الإمام علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه- من مبادئ وقيم إنسانية تنظم شؤون الحياة في شتى المجالات، ففي القضاء رسالته العظيمة للأشتر النخعي، وفي السياسة تلك المبادئ والقيم التي نحتاج إلى مؤلفات لشرحها، وفي الزهد والورع والإيمان أيضاً، فقد كان من شعاره: “يا دنيا غري غيري، فقد طلقتك ثلاثاً”.
ومن الغريب والعجيب أن الذي ينكر ولاية الإمام علي، وهي ثابتة بنص الحديث هو ذلك الاتجاه الذي يدافع عن السلطان والحاكم ويوجب له الطاعة حتى لو فعل ما يستوجب الكفر، مثل موالاة الكافرين واليهود والنصارى، وأباح ما حرم الله وما هو معلوم من الدين بالضرورة، كتحليل الخمر والزنا والفسوق وغير ذلك، أو أعاد بناء واستقدام الأصنام وشرع لها، ومن هنا نجد أن هذه الأفكار تعمل على محاربة ولاية الإيمان، وولاية المؤمنين، وتدافع عن ولاية المجرمين والطغاة –على حساب الإيمان والإسلام-، فهم يتحدثون عن صفاته، وواجب الأمة وعلماء الأمة في تبصيره ومواجهة أي بادرة انحراف عن منهج الحق والعدل، وهو ما أدى إلى الاستبداد والظلم والطغيان، واغتصاب حقوق الشعوب وإهدارها، والسعي لخدمة أعدائها؛ لأنهم يتحكمون في كل شؤونها، وبإمكانهم تولية من يريدون، وعزل كل من يخالفهم، فولاية الإمام علي –كرم الله وجهه- تحصين للأمة من اتباع اليهود والنصارى، واتباع الهوى والعمل بما يخالف توجيهات القرآن الكريم، والسنة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم.