عملت السعودية دائماً، بسياستها وذراعها الديني الوهابي على الحيلولة دون أي صيغة عملية فاعلة للوحدة بين المسلمين في مواجهة أعدائهم وعلى رأسهم الصهيوني والأمريكي، وهذا ضمن مهامَّ وظيفيةٍ عديدة لصالح أولئك الأعداء الذين أنشأوا كيانها لتنفيذ تلك المهام بتزامن غير عفوي مع إنشاء الكيان الصهيوني الخبيث على أرض فلسطين.
ومن أهم وأخطر تلك المهام المناطة بنظام بني سعود تأمينُ ذلك الكيان غير الشرعي المزروع عنوة في أرض أولى القبلتين والقضاءُ على أي مصدر للخطر على ذلك الكيان الغُدِّي اللقيط، والذي يُعد التوأم السيامي بالنسبة للكيان السعودي بكل الأبعاد والمعاني السياسية والاستراتيجية، إلى درجة أن أعداء هذا هم أعداء ذاك والعكس صحيح.
ومن بين تلك الأخطار المهددة لكيان العدو الصهيوني، كما لمحها مُنشِؤُه وحاضنُه الغربي الاستعماري.. الحج، الذي يجتمع فيه سنويا ملايين المسلمين في أهيب وأخطر بوتقة موحِّدة لمشاعر وضمائر أبناء هذه الأمة المستهدَفة بكل أشكال التربص والعدوان.
من هنا يُدرَكُ على سبيل المثال، ودون كبير عناء، أن حسابات ومخاوف العدو الصهيوني الأمنيةَ من كثرة أعداد المصلين المسلمين الفلسطينيين في المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة التي قد تصل إلى مئات الآلاف في بعض المناسبات.. ورعبه من ذلك، الذي يدفعه إلى القيام بإجراءات تعسفية لتقليص تلك الأعداد وحصرها في عشرات الآلاف في كل مرة (??،??،??،??)، وكانت تصل في فترات ماضية إلى مابين???-???ألفاً، وكذلك قَصرُ المسموح لهم بالصلاة على فئات عمرية معينة.. هي نفس المخاوف والدوافع إلى نفس الإجراءات بخصوص الحجاج وأعدادهم في مكة والمدينة بالنسبة إلى السعودي، والحساباتُ الأمنية هي ذاتُها ولتأمين العدو ذاته! لكنها تنفَّذ هناك على يد العدو الصهيوني الظاهرِ وأجهزةِ قمعه، بينما في أرض الحرمين يقوم بها النظام السعودي (الصهيوني المُضمَر) الذي هو كما يعرِّفه بعض المحللين المتعمقين «قبةُ إسرائيلَ الحديدية» الحقيقيةُ الخفية!.
ولا شيء غير هذا الواقع المتستَّرِ عليه يفسر التقليص التدريجي لأعداد الحجاج عبر الإجراءات والاشتراطات التعسفية والمعسِّرة للحج حتى وصلت اليوم وبعد التوسعات العديدة للحرمين إلى أقل من نصف أعدادهم قبل عدة عقود وقبل «التوسعات» المتباهَD بها سعودياً، فكيف ولماذا جرت المعادلة عكسياً: توسعاتٌ للحرمين يقابلها تقليصٌ لأعداد الحجيج؟!
وما الذي يدفع النظام السعودي إلى هذا التقليص التدريجي للحجاج عبر الإجراءات والاشتراطات والتعقيدات غير الشرعية وغير المبررة والذرائع الغامضة وغير المفهومة، رغم أنه لم يعد يعتبر الحج سوى موسم مهم للدَّرِّ المالي الوفير؟!.
إن دافعه نحو كل ذلك، وحسبما توضحه القرائن والدلائل المشار إليها، هو مَهمتُه ووظيفته السرية الموكلة إليه غربيا وأمريكيا، والتي تتلخص في نزع المضمون الإيماني التوحيدي الإيقاظي لوعي المسلمين وحماسهم وغيرتهم تجاه مظلومياتهم وقضاياهم عن تجمعهم الأكبر في الحج، والقضاءِ على بُعده أو مضمونه الجهادي البرائي من أعداء الله وأعدائهم الذي يرى فيه أولئك الأعداء خطراً حقيقياً لو بقي وأتيح له أن يفعل فعله في وعي وفكر وضمير ملايين المسلمين المجتمعين على ذلك الصعيد المهيب الموحِّد الطاهر، فكان لا بد من فعل شيء ما يؤمِّنهم وهم يمارسون أبشع أشكال عدوانهم بحق هذه الأمة من تلك «المحاذير» الكامنة في ركن الحج، وكان أفضل من يضطلع بهذه المهمة الخطيرة والماكرة هو نظام بني سعود من خلال تلك الإجراءات والتدابير المسطِّحة بل الماسخة للحج والمؤدية إلى تقليل أعداد الحجاج وضبطها في المستوى الذي يتيح له السيطرة على أي حراك يقومون به في سياق البراءة من الصهاينة ومَن وراءهم وما يرتكبونه من جرائم في فلسطين وفي غير مكان من بلاد الإسلام الشاسعة.