لو لم يكن الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية والغربية مؤثرًا، لما توجّه السيد علي الخامنئي في رسالته الأخيرة إلى المعنيين فيه بالقول “أنتُم تُشكّلون الآن جزءًا من جبهة المقاومة، وقد شرعتُم بنضالٍ شريفٍ تحتَ ضُغوطِ حكومتكم القاسية التي تُجاهر بدفاعِها عن الكيان الصهيوني الغاصب وعديمِ الرَّحمة”، يُدرك الغرب جيدًا معنى هذا الكلام، وقد وصلهُ الأثر الفعلي للتظاهرات العالمية لا سيما داخل الجامعات، عندما تضررت صورة “أمريكا العظمى” في العالم وظهرت حقيقة الشعارات التي نادت بها الولايات المتحدة طيلة السنوات الماضية.
يكفي أن نراجع أداء البيت الأبيض وتعليماته للشرطة وإدارة الجامعات الأمريكية، لنفهم أولًا كيف أوجعت هذه التحركات قادة الولايات المتحدة ورئيسها وأثرت في المشاريع والسياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، وندرك ثانيًا حجم الزيف والادّعاء الأمريكي بالحريات ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تجرّدت منها أمريكا بشكل كامل حين ارتبط الأمر بمصالح الكيان “الإسرائيلي” وصورته وبقائه.
لم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة أو التلاعب بالعقول عبر الدعاية الغربية التي اعتمدها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات طويلة، صحيح أن واشنطن نجحت لعقود من الزمن في ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان ضدّ الفلسطينيين من خلال تواطؤها ولا مبالاتها، إلا أنّ الإبادة الجماعية التي ارتكبها كيان العدوّ في قطاع غزّة ولا يزال، كشفت عن الواقع الصارخ للحياة تحت وطأة الاحتلال، كما عكست الاحتجاج العالمي على الفظائع المرتكبة في غزّة إيمانًا أساسيًا بالسلام والعدالة والكرامة الإنسانية.
ويكفي أن نتابع بالأرقام انعكاس الحرب في غزّة ومجازر الاحتلال بحق الفلسطينيين، على المزاج الشعبي في العالم وتغيير نظرته وترابطه بالقضية الفلسطينية وحقيقة الاحتلال، لنكتشف حجم المأزق الصهيوني على صعيد صورة الكيان أمام العالم. ففي آخر استطلاع للرأي أجرته مؤخرًا مؤسسة “يوغوف” يظهر واضحًا التغيّر الملحوظ في الرأي العام، حيث أصبح 56% من مواطني المملكة المتحدة يؤيدون الآن وقف تصدير الأسلحة إلى “إسرائيل”، وهذا الأمر يمثل تحولًا كبيرًا عن المواقف السابقة، ويعكس هذا الوعي والتعاطف المكتشف حديثًا إدراكًا متزايدًا لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضدّ الفلسطينيين.
كما يعتقد 59 % من المشاركين في الاستطلاع أنّ “إسرائيل” ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان في غزّة، في إدانة صارخة للعنف والقمع الذي يعانيه السكان الفلسطينيون، وتشير بيانات استطلاعات الرأي إلى تحوّل في المشاعر العامة في جميع أنحاء العالم الغربي، مع تزايد الدعم لوقف إطلاق النار والدعوات إلى إجراء محادثات “سلام”.
وحتّى في الولايات المتحدة التي لطالما كانت مؤيدًا قويًا لـ”إسرائيل”، كان هناك انخفاض ملحوظ في تأييد الرأي العام للمساعدة العسكرية لـ”إسرائيل”، ما يشير إلى خيبة أمل متزايدة من الوضع الراهن على المستوى السياسي، وتأتي نتائج هذا الاستطلاع لتُضاف إلى دراسة سابقة لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، نشرتها في بداية الحرب على غزّة، عكست بشكل واضح المسار الجديد والتبدّل الذي يسير فيه العالم على مستوى دعم القضية الفلسطينية ورفض سياسة الإبادة التي ينتهجها كيان العدو.
وفي معرض حديثه عن تأثير التضامن العالمي مع فلسطين، وخصوصًا الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة، يذكر الكاتب الأمريكي رضا بهنام كيف “تحدى الطلاب الأمريكيون مشروع “إسرائيل” الاستعماري الاستيطاني الوحشي، وإدانة مشاركة بلادهم في الإبادة الجماعية في غزّة، والغضب من المؤسسة الرسمية الأمريكية في قطاعاتها، بما فيها إدارة الجامعات التي يرتادونها ويطالبونها بفكّ كلّ أنواع شراكتها التعاونية في كلّ مجال مع حكومة “تل أبيب” الصهيونية”، وهذا بلا شكّ يعكس الصورة الجديدة التي أراد هذا الجيل نسجها بعد سنوات وعقود من المحاولات الأمريكية والغربية لتشويه الحقيقة بين الجلاد والضحية، وربما قد لا يكون امتلاك الجيل الأمريكي الجديد أو ما يُعرف بجيل «Z» آراء فريدة في السياسة الخارجية أمرًا جديدًا، لكن الاحتجاجات الأخيرة التي قادها الطلاب بشأن الحرب على غزّة، “سلّطت الضوء على الاختلافات بين الأجيال في هذا البلد، وقد تنذر بإبعاد سياسي مستقبلي للولايات المتحدة طويل الأمد عن “إسرائيل”؛ عميلتها منذ زمن” كما يؤكد الكاتب جورجيو كافييرو في أحد مقالاته على موقع «Responsible Statecraft» الأمريكي.
Prev Post
Next Post