يدرك الكيان الصهيوني أنه- رغم تنكيله البشع، غير الإنساني وغير الأخلاقي بالأبرياء الفلسطينيين – قد خسر خسارة فادحة لجهة وجوده واستقراره وثباته في الأرض العربية المحتلة، عقب أشهر من المحاولات البائسة لاستعادة أسراه باعتبار ذلك أهم مؤشرات الانتصار، وليس القتل والتخريب.
ومع أن الأمر لم يحن بعد لتقييم الكيان خسائره من هذه المعركة الهوجاء التي شنها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل طيلة أكثر من ثمانية أشهر، إلا أن المعطيات تؤكد أن خسائر استراتيجية حادة قد تكبدها، دفعت راعية العدوان، أمريكا لأن تضع حدودا للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه إسرائيل في عبثها غير المجدي، قبل أن يقع سقف الكيان غير الشرعي على مستوطنيه فتخسر واشنطن وكيلها الحصري والمباشر في المنطقة.
فإسرائيل، شاءت أم أبت، فشلت فشلا ذريعا في استعادة أسراها أحياء، وإن أعلنت أمس عن تحرير أربعة منهم، ولمّا أدركت استحالة بلوغ هذا الهدف، صارت تتحدث عن ضرورة استعادتهم أحياء أو حتى أمواتاً، لم يعد الأمر يفرق لدى قادتها بعد أن استهلك جيشها كل قدراته لإثبات قوته في تمرير وتحقيق أهدافه، حسب ما جاء على لسان نتنياهو، الرجل الذي سيشهد التاريخ أنه الأكثر فشلا في جلب الاستقرار لمستوطنيه، وأنه بداية الانهيار للكيان الذي قام على الدماء وأموال الدعم الغربي ودول الضعف العربي.
وعلى صعيد الخسائر أيضا، لم ينجح الكيان- ومعه أمريكا- في تطبيع التلقي العربي والإسلامي لمشاهد المجازر اليومية، بحيث تتحول تلك المشاهد إلى صور اعتيادية لا تحرك مشاعر ولا تؤثر في ضمير، وعلى العكس من ذلك وسعت المغامرة الأمريكية الإسرائيلية من خارطة العلم والمعرفة بالقضية الفلسطينية على مستوى العالم، وزادت من نسبة المؤيدين وحتى المناصرين لها.
وهناك مساهمة أمريكا وربيبتها- دون أن تدركان- في ترسيخ وجود المقاومة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، ما يعني أن الشيخوخة السياسية قد أثرت على مستوى التخطيط والأداء من قبل غرف الإدارة الصهيونية، سواء لدى الكيان أو تحت الأقبية الأمريكية، وهذا الفشل تأثيره حاصل اليوم، كما سيكون له تأثيره الممتد إلى مستقبل الوجود للولايات المتحدة وليس فقط الكيان المؤقت أصلا.
وهناك هذه الثورة المُعتمِلة في نفوس الشعوب العربية والإسلامية التي لولا سياسات قمع الأنظمة لكانت فجّرت المنطقة وأخرجت كل الغزاة والمحتلين، هذا فضلا عن شحذ همة المقاومة في الداخل الفلسطيني، ودول المحور التي بدأت مع فعلها المقاوم المؤثر تتكون شخصية المقاومة على مستوى المنطقة وذاع صيتها في جميع الأرجاء خصوصا وان أجندتها حقوقية أصيلة ترد الاعتداء وتهاجم من أجل استرداد الحقوق وإيقاف الانتهاكات التي تمارسها أمريكا وإسرائيل في المنطقة.
فوق كل ذلك لم يعد بمقدور الكيان الصهيوني وأجهزة التجسس الأمريكية الخلود إلى النوم بهدوء، عن قناعة بأن المخاطر باتت تتربص بهذا التواجد للكيان إجمالا من كل اتجاه دون إدراك من أي جهة يمكن أن يأتي التهديد.
وإثر كل ذلك- ورغم حجم القتل وما خلفه العدوان الصهيوني من خراب ودمار- لا يزال صوت المقاومة الفلسطينية عاليا، ولا إعادة لما تبقى من الأسرى الصهاينة إلا بإيقاف العدوان نهائيا والتزام تام بإعمار ما تهدم.