غزة الشموخ وقمة الذلّ العربي

د. عبد الرحمن المختار

 

 

انعقدت قبل نصف شهر قمة الحكام العرب هذه المرة في المنامة، عاصمة مملكة البحرين العظمى، انعقدت وانفضت، ولا شيء تغير لا السكون إلى حركة، ولا الانخفاض إلى ارتفاع، ولا الانحدار إلى صعود ورفعة، ولا الذل إلى عز، ولا الخزي إلى شرف، ولا العار إلى إباء، ولا التبعية إلى حرية وسيادة واستقلال، ومفردات المواجهة في هذه القمة مثل ما سبقها، نعزي، نبارك ، نعرب، نؤكد، ندعو، نطالب، ندين، نشجب، نجدد، نندد، نشدد، نرحب، نعبّر، وكذلك بقيت كما هي عبارات المجاملة والنفاق، بدعوة كريمة، وإيمانا بأهمية العمل العربي، وإدراكا للأهمية الاستراتيجية للامة العربية على الساحة العالمية، وإيمانا بقيم التسامح والتعايش الإنساني، والتزاما بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وحرصا على التمسك بالتضامن والتآزر.
ولعل انعقاد قمة الحكام العرب في هذه المرة في نطاق جغرافي صغير في المنامة عاصمة (مملكة البحرين) يحمل دلالة مؤداها أن الحكام العرب صِغار بصغر جغرافيا قمتهم، وأنهم مصابون بالصَغار، فإلى جوارهم الأسطول الخامس الصهيوأمريكي، وهم مكبلون في عاصمة المملكة العظمى أشد من أي مكان آخر، وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي كان يمكن أن ينتظره أهالي قطاع غزة من قرارات تنتج هذه القمة؟، بالتأكيد لا يمكن أن ينتج عن هذه القمة الهزيلة شيء يذكر غير المطالبة والدعوة الشجب والتنديد والترحيب والتعبير والتحذير والاستمرار في التخدير! ولا شك أن المطالب تظل كذلك على حالها فأمر البت فيها بيد المُطالب، الذي لا يرى أبداً أنه معني في الوقت الراهن بالنظر في تلك المطالِب، ناهيك عن الاستجابة لها.
إنه الصّغار والهوان الذي ارتضاه الحكام العرب لأنفسهم ولشعوبهم، بدلا عن الانفة والإباء، في مواجهة من باءوا بغضب الله، في مواجهة من ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وهو ما يعني وكما وصف السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه- أن الحكام العرب في حالة ذل ومسكنة أسوأ من حالة اليهود، فحالة العرب أذل وأخزى، وهي مرتبة أدنى من الحالة التي كان عليها اليهود، غير أننا نجد الحكام العرب في حالة أخرى، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بشعب عربي مسلم، نجدهم وحوشاً ضارية، وفرسانا لا يشق لهم غبار.
وإذا ما نظرنا إلى بؤس الحكام العرب وذلهم وهوانهم، الذي تجسد في كلماتهم في قمة المنامة عاصمة مملكة البحرين، وما ورد في كلمات الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ، من عبارات هزيلة، كلماتها وحروفها ممجوجة مبعثرة مرتجفة كسيحة، لا تكاد تقوى على الإفصاح عن مضمونها، لدرجة أن البعض منهم عندما أراد أن يتميز عن أقرانه، ليس في الموقف، فالموقف واحد موحد، وهو التخاذل والخذلان والهوان والذل والمسكنة، لكن التميز في التعبير عن هذا الموقف الذليل المتمسكن المتخاذل، فرفع ذلك البعض نبرة صوته قائلا( يجب على الحرب في غزة أن تتوقف)! لم يجرؤ على توجيه كلامه إلى إسرائيل، فيقول يجب على إسرائيل وقف الحرب على غزة فوراً، ولم يجرؤ أن يوجه كلامه إلى أمريكا، فيقول على أمريكا التوقف فورا عن إمداد الكيان الصهيوني بالسلاح والمال، فهذا الأمداد سبب استمراره في تنفيذ أفعال الإبادة الجماعية! الملك صب جام غضبه على الحرب وأوجب عليها أن تتوقف، لكنه لم يجرؤ على مخاطبة من يقتل ويدمر، ولا من يمده بشحنات السلاح.
وإذا ما فندنا خطاب جلالته بشكل دقيق لوجدنا أنه يخاطب المقاومة ضمنا ويحملها مسؤولية الحرب، ومسؤولية استمرارها وما ترتب عليها، وفي أحسن الأحول يمكن حمل كلامه على أن في غزة أطراف متحاربة متكافئة في كل المجالات وعلى كل المستويات، وأن كلامه موجه للطرفين لوقف تلك الحرب، فخاطب الحرب مراعاة لمشاعر طرفيها.
إنه الضعف والانحطاط الذي آل إليه حال الحكام العرب بسبب تبعيتهم وارتهانهم للقوى الصهيوغربية، وانفصالهم عن شعوبهم، وسقوطهم في هاوية الذل والمسكنة، وفي عمق سحيق فاق العمق الذي سقط فيه اليهود سابقا، هذا هو حال حكام الشعوب العربية في قمة المنامة عاصمة مملكة البحرين العظمى، فكيف كان حالهم قبل قرابة عقد من الزمان في قمة شرم الشيخ سنة 2015م؟ في ذلك الحين، وعندما تعلق الأمر ببلد عربي مسلم، وبدون أي مبرر، كانت درجة حرارة قمة الحكام العرب في شرم الشيخ عالية جدا، وصلت تقريبا إلى درجة الانصهار، بسبب شدة الانفعال، على ما اقترفه شعبنا اليمني من جرم شنيع من وجهة نظر أولئك الحكام، حين قرر شعبنا العمل على استعادة حريته وسيادته واستقلاله، والتخلص من الوصاية والتبعية، وطرد الخونة والعملاء، الذين أباحوا البلاد للغازي المحتل الأمريكي!
نعم هذا هو السبب الحقيقي للعدوان على شعبنا، وإن تذرع الحكام العرب حينها في قمة شرم الشيخ، بما أسموه الانقلاب الحوثي، وضرورة إسناد الشرعية، لاستعادة السيطرة على الدولة في عاصمتها صنعاء، وحتى لا يتعرض الذل القومي العربي لأي موجات تحررية استقلالية أخرى من شأنها أن توقظ الشعوب العربية من سباتها، فتنفض غبار الذل والمسكنة والمهانة عن كاهلها، وتفتك بحكامها الذين رهنوا مصيرهم ومصير شعوبهم، ومستقبل الأجيال بيد القوى الاستعمارية الصهيوغربية.
من يراجع بيان قمة شرم الشيخ سيلاحظ النبرة الحادة والقوية، التي تحدث بها الحكام العرب في ذلك الحين، حينها قالوا بكل إصرار وعزيمة ( ندرك أن التحديات العربية باتت شاخصة لا لبس فيها ولا تحتاج إلى استرسال في التوصيف بقدر الحاجة إلى التدابير اللازمة للتصدي لها، وقد تجلى ذلك بشكل ملموس في المنزلق الذي كاد اليمن أن يهوي إليه، وهو ما استدعى تحركا عربيا ودوليا فاعلا، … نؤكد احتفاظنا بكافة الخيارات المتاحة بما في ذلك اتخاذ اللازم نحو تنسيق الجهود والخطط لإنشاء قوة عسكرية مشتركة لمواجهة التحديات الماثلة أمامنا، ولصيانة الامن القومي العربي).
كل ذلك الانفعال ناتج عن انزعاج الحكام العرب، من خرق شعبنا اليمني لحالة التبعية والمسكنة، وعزمه بكل إصرار على الانتقال من التبعية إلى الاستقلال، ومن حالة الذل إلى العزة، ومن السكون إلى الحركة الفاعلة، انزعاج الحكام العرب كان اشد من انزعاج مشغلهم، وحامي عروشهم، ولذلك فقد أظهروا في قمة شرم الشيخ أنهم أشد حرصا من القوى الاستعمارية الصهيوغربية على التمسك بحالة الضعف والذل والهوان والمسكنة والتبعية، حينها لم يطالبوا مجلس الأمن الدولي، ولا منظمة الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي، ولا حتى دعوا رب العالمين أن ينتقم من شعبنا اليمني، الذي أزعجهم بكسره حاجز الصمت، وتجاوزه سياج الذل والمسكنة والهوان والتبعية، الذي يحيط بأولئك الحكام، وانطلاقه صوب تحصيل العزة والحرية والسيادة والاستقلال، حينها لم يكن أمام الحكام العرب في قمة شرم الشيخ وفقا لما جاء في بيان قمتهم من خيار سوى الإعلان عن تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة الخطر القادم من جنوب الجزيرة العربية، الذي يهدد حالتهم المستقرة في قعر مستنقع التبعية والذل والهوان والمسكنة!
وقد جسد مخرجات قمتهم تلك ما جاء في بيانها الختامي من وجوب التحرك الفوري على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، لمواجهة الخطر الداهم القادم من جنوب الجزيرة العربية، وبالفعل فقد حركوا لتنفيذ ما جاء في بيان قمتهم الساخنة أسلحة البر والبحر والجو، وأطبقوا الحصار، وأسرفوا في القتل والدمار، وخراب البنيان والديار، لم يراعوا أخوة ولا ديناً ولا جواراً، ذلك هو حالهم في قمة شرم الشيخ وما تلاها خدمة لأهداف مشغلهم، وأما حالهم في قمة المنامة عاصمة مملكة البحرين العظمى، فهو العجز والذل والمسكنة والخنوع، لا نخوة ولا شهامة، ولا عروبة، ولا اخوة ولا دين، ولا شافع لدى حكام الخزي والعار يشفع لدماء أطفال غزة المسفوكة ظلما وعدوانا، على مدى ثمانية أشهر، ولأجسادهم الممزقة في مخيمات الصفيح في رفح بالقنابل والطائرات الصهيوأمريكية، المخزي أيضا في بيان قمة البحرين العظمى التأكيد على استمرار دعم ما أسموه مجلس القيادة الرئاسي، طبعا في مواجهة شعبنا اليمني الذي اتخذ موقفا مشرفا في نصرة إخوانه في قطاع غزة بكل ممكن ومتاح!

قد يعجبك ايضا