ترُكز موجهات قائد الثورة، وتوجيهات المجلس السياسي الأعلى، في أكثر من مناسبة، على أهمية أن تضطلع (المقاطعة) بدور رسمي فعَّال يبنى على خطة تحويلية استراتيجية بعيدة المدى تهدف لتوفير البدائل، وأنه ينبغي التركيز على وضع خطة تحويلية تعمل على استغلال مسار المقاطعة لترتيب الخطوات نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي، مع منح امتيازات وتسهيلات ضمن الخطة التحولية، تمهد بشكل أو بآخر لإحداث التحول الكامل الذي يغنينا عن الحاجة إلى ما تنتجه وتصدره إلينا دول الاستكبار من منتجات نحن قادرون على إنتاجها محلياً.
وفي المقابل، تبرز على أرض الواقع مشاريع الأسر المنتجة كركائز أساسية وشرايين حياة لهذا التحدي، ولتكتسب في أهميتها البالغة في بناء وتطوير أسس الاقتصاد المجتمعي المقاوم، ولترسم مسارا مهما تفرضه ضرورات تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فضلا عن تزامن بزوغها مع التحديات الرئيسية والمستجدة التي تواجه اليمن في سعيها لتطوير هذا المسار، ناهيك عن محدودية القدرات التمويلية والاستيعابية للاقتصاد الوطني بفعل العدوان والحصار، والتي تعوق مساعي تكوين بيئة استثمارية نشطة على نطاق إنتاجي واسع.
“الثورة” وأثناء تجوالها في أجنحة المهرجان الأول للمانجو المقام بحديقة السبعين بأمانة العاصمة الأسبوع الماضي، توقفت أمام خيام جناح الأسر المنتجة المشارك في المهرجان، للتأمل في ما تحويه تلك القلاع الإنتاجية البسيطة في كيانها.. خيمتا منتجات “آلاء” و”درر بلادي”، محطاتنا تزودنا منهما بالحصيلة التالية:الثورة / يحيى الربيعي
منتجات آلاء
الأولى، كانت خيمة “منتجات آلاء” وهي المثال المميز لفكرة مشروع “ٱلاء علي محمد”، احدى الأسر المنتجة.
وحسب آلاء، يرتكز المشروع على إنتاج منتجات محلية خالية تماماً من المواد الحافظة والنكهات والملونات الصناعية، معتمداً بشكل كامل على المواد الطبيعية والخامات المحلية من الخضروات والفواكه والحبوب والبذور والأعشاب وغيرها، التي يمكن تحويلها إلى مخللات، زيوت، عطور، منظفات، مستحضرات تجميل، وأدوية ومنتجات أخرى كثيرة.
وتعبر آلاء عن سعادتها بنجاح مشروعها بالقول: يوماً بعد يوم، نلحظ زيادة في وعي المستهلك اليمني بأهمية الإقبال على المنتجات المحلية، حيث بدأ الناس يفضلون المنتج المحلي على نظيره المستورد، وخاصة المنتجات التي تمثل بدائل وطنية عن بضائع ومنتجات ضمن قوائم مقاطعة بضائع الشركات العالمية الداعمة للكيان الصهيوني في حربه على غزة.
ولفتت ٱلاء علي إلى أن هذا التحول لم يقتصر على المستهلكين فحسب، بل شمل أيضاً المنتجين الذين قرروا استبدال مدخلات منتجاتهم من المواد الخام المستوردة بمواد خام محلية، استخراجاً من ثروات بلادنا الغنية بكل ما هو نافع وجميل.
وأكدت أنه “بات المستهلك يحرص أن يحتوي ما يقوم بشرائه من المستحضرات والزيوت والمربيات والمخللات وسائر منتجات الأسر المنتجة على مواد خام محلية بنسبة 100 %”.
وتبشر “آلاء” بمستقبل مفعم بالخير الوفير، خاصة وأنها أكدت، في إجاباتها على سؤال عن عائدات المشروع، أنها تفي بشيء من متطلبات المعيشة اليومية، رغم أن مبيعاتها لا تزال محصورة على سوق الخميس، ومبادرة اليمن السعيد أو ما ينظم من مهرجانات أو معارض عامة.
درر بلادي
وفي الصعيد ذاته، أوضحت مديرة مشروع “درر بلادي” أن فكرة المشروع، بدأت بمبادرة متميزة تعكس ذات التوجه الذي سلكته زميلاتها من الأسر المنتجة، إلا أن مشروعها اتخذ من التين الشوكي مادة خام أساسية بالإضافة إلى مواد ثانوية لاستخراج مجموعة منتجاتها.
وتعمل وفاء الشرفي- مديرة المشروع وزوجها وبناتهما على توسيع نطاق هذه الفكرة لتشمل استخراج الزيت من بذور التين الشوكي وتحويل السائل إلى خل، بالإضافة إلى الاستفادة من بقايا البذور كمقشر للبشرة، ومن ثم تطوير المشروع ليشمل استخراج صنوف متعددة من المنتجات التي تعتمد التين الشوكي مادتها الخام.
وتقول وفاء إن المشروع في تطوير متواصل، وإنها الآن في طور توسيع نطاقه الإنتاجي ليشمل منتجات جديدة كزيت بذور الصدر، بما يضيف تنوعًا كبيرًا إلى خط الإنتاج، مؤكدة القول: “جميع زيوتنا هي من الزيوت الأساسية، النقية والفاخرة، وقد ابتكرنا استخدامات متعددة لبقايا الإنتاج بما في ذلك خلطات خاصة للعناية بالشعر”.
وتسترسل: تتألف منتجاتنا للعناية بالشعر من “درر بلادي” من مزيج فريد يضم بذور التين الشوكي وبذور الصدر إلى جانب إكليل الجبل، مقدمة حلولاً طبيعية وفعّالة لمجموعة واسعة من مشاكل الشعر، وتعكس هذه المنتجات الالتزام باستغلال الثروات الطبيعية المحلية وتحويلها إلى منتجات عالية الجودة تلبي احتياجات المستهلكين.
وقالت “لقد قمنا بتوسيع نطاق إنتاجنا ليشمل استخلاص زيت السمسم، الذي عند دمجه مع بعض المستخلصات الأخرى؛ واستخدامه كحمام زيت، يبرز فعالية مذهلة، ولكن، العائق الأكبر الذي واجهناه يتمثل في الوعي المحدود بقيمة زيوت التين الشوكي، التي تتصدر قائمة أجود وأثمن زيوت التجميل، بالرغم من أن بلداناً مثل تونس قد جعلت من زراعتها وتصديرها أساساً لاقتصادها”.
وتواصل: ان زيوت التين الشوكي تباع في دول غير اليمن، بأسعار استثنائية، حيث يصل سعر العبوة ذات الـ 10ملجم من زيت الصدر إلى 2000$ في تونس مثلا، بينما نبيع عبوة التين الشوكي بـ 5 آلاف ريال يمني للـ 10ملجم، وذلك نظراً لندرة المنتج وكمية الزيت المستخلصة من البذور، للأسف، رغم جهودنا في الترويج لمنتجاتنا عبر صفحتنا على فيسبوك، فإن الإقبال ما زال أقل من المطلوب، وما زالت مبيعاتنا معتمدة على فرص موسمية كالمعارض والفعاليات.
وتتابع “تقديم المنتجات في معارض مثل “يوم الخميس للأسرة المنتجة” في ميدان التحرير و”مبادرة اليمن السعيد” في حديقة السبعين، أتاح للزوار التواصل مباشرة معنا، ومن ثم شراءها وتجربتها، هذا التفاعل أسهم في بناء الثقة وزيادة وعيهم بأهمية المنتج المحلي الذي يعتمد على مكونات طبيعية خالية من أي إضافات كيماوية أو ألوان صناعية قد تؤثر سلباً على الصحة”.
وتؤكد، وفاء، أن الإقبال على منتجات زيت التين الشوكي- رغم انه اقل من المطلوب، إلا انه يشهد تزايدا مع الوقت، خصوصاً مع تنامي الوعي بفوائدها بين زوار معارضنا ومتابعينا على الفيسبوك.
وتضيف آلاء علي: إلى جانب مشروعنا الرئيسي المتمثل في “زيت بذور التين الشوكي”، قمنا بتوسيع نطاق منتجاتنا ليشمل الخل والمقشر وخلطات الشعر، ونسعى دائماً لتحسين جودة منتجاتنا وإدخال منتجات جديدة لزيادة دخلنا وإثراء سوق التجميل بمنتجات أصيلة وفعالة، وبالتأكيد فإن الخل بات يمثل أحد المنتجات الرئيسية التي بدأت تحقق منها عائدات مالية تسهم في مصروف البيت على نحو شبه يومي، ولله الحمد. (وفاء تختم قصتها).
تعاون موسع
في السياق، تشرفنا بالاستماع إلى تعليقات بعض الزائرين الذين عبُروا عن إعجابهم بما تعرضه خيام الأسر المنتجة سواء في هذا المهرجان أو في سوق الخميس أو في غيرها من المناسبات، والتي تتلخص في تأكيد الغالبية على أن دعم النهوض بالإنتاج المحلي متوقف على مدى مساعدة صغار المنتجين في تعزيز قدراتهم الإنتاجية والتسويقية.
مشيرين إلى ضرورة توجه الجميع نحو توطين منتجات الأسر المنتجة كبديل عن كل ما هو أجنبي، كخطوة عملية نحو مقاطعة حقيقية للبضائع الإسرائيلية والأمريكية، بل وكل المنتجات العالمية التي تدعم الكيان الصهيوني.
مؤكدين أهمية استمرار تكثيف جهود كافة الجهات ذات العلاقة، على المستويين الرسمي والمجتمعي، على مسار تذليل ما تواجه الأسر المنتجة وصغار المنتجين من صعوبات ومعوقات، سواء فيما يتعلق ببرامج التدريب والتأهيل على مهارات ومعايير التصنيع وأساليب التعبئة والتغليف والتسويق، وتسجيل العلامات التجارية وحقوق الملكية أو حماية منتجاتهم من الإغراق الذي يضم السوق المحلي بالمنتجات الخارجية المنافسة لمنتجاتهم المحلية.
تصوير/ فؤاد الحرازي