خفف الله تكاليف الجهاد على المرأة المسلمة، ومن بين كل التكاليف والواجبات التي فرضها على الرجال والنساء، ومع ذلك فهناك بطولات خلدها التاريخ للمجاهدات في ساحات القتال والمواجهات، صحابيات كريمات وتابعيات ماجدات، ولا تزال المرأة المسلمة في كل العصور تقدم النماذج الرائعة في البطولة والتضحية، ومن ذلك نسيبة بنت كعب، وخولة بنت الأزور، وغيرهما كثر، في العصر الحاضر شاركت المرأة المسلمة المجاهدين في معارك التحرير والاستقلال، واليوم تمثل الأم والمرأة الفلسطينية النموذج الأروع في مواجهة ومقارعة الاحتلال الصهيوني والمتحالفين معه.
لم تعد المرأة الفلسطينية حبيسة المنزل تديره وترعاه، بل أصبحت هي الأب والأخ والعم والصديق بعد أن فقدت الآباء والإخوان والكاسب والحامي، وساهمت في كل المواجهات، وأثبتت إيمانها ورجولتها في كل المصاعب والمحن ولم تسلم من القتل فنالت منازل الشهداء – والأسر في سجون الاحتلال، الإحصائيات الأخيرة للإجرام الصهيوني تؤكد استشهاد (9801) حتى الآن، وتجاوز الرقم العشرة آلاف نظرا لأن هناك شهداء مازالوا تحت الأنقاض لم تتم مواراتهم الثرى، فالضحايا من الأطفال والنساء يتجاوزون 72% وهي أرقام رهيبة تدل على مدى الإجرام والإرهاب الصهيوني.
يعترف أحد الجنود الصهاينة ويصيح بغضب أنه قتل طفلا ويبكي أنه لم يجد رضيعا يقتله، وتقول مجندة إنها قتلت طفلا صغيرا وتناثرت دماؤه على يديها، ويحاصر جيش العدو مستشفى الخدج وينزع كمامات التنفس عن الأطفال فيموتون بلا رحمة، ويبلغ الآن عدد الأطفال الذين باتوا بلا أب ولا أم أكثر من (17.000) طفل، ويبلغ إجمالي الشهداء الذين وصلوا إلى المستشفيات أكثر من (34.454) شهيداً، ولأن الاحتلال يريد تحقيق الإبادة الجماعية إلى جانب الجرائم ضد الإنسانية، فهو يعمد إلى حصار غزة، ويعاونه في كل ذلك الصهاينة العرب من قادة ورؤساء دول الطوق والمطبعين معه، فالمجاعة تهدف إلى قتل الأطفال في أرحام أمهاتهم، وقتل الرجال وتحطيم إرادة وعزيمة المقاومة والجهاد لدى المجاهدين.
وبينما تساق نساء وأطفال غزة إلى مواكب الموت والقتل والشهادة، تساق نساء الأقطار المطعبة إلى الأسواق والحفلات المختلطة ويتم السماح بكل ما يخدش الحياء من تقنين الدعارة والسماح بالمثلية وتحطيم قواعد المجتمع من خلال تفكيك الأسرة والبيت لصالح إرضاء اليهود والنصارى، إنها حرب شهادة ومحرقة للصامدات المؤمنات، وحرب إفساد واضلال في الجهة الأخرى، والمستفيد الأول والأخير هم من جعلوا المرأة سلعة في مزاد البيع والنخاسة والانحطاط، فالمرأة ليست نصف المجتمع فحسب، بل إنها المجتمع بذاته، وهنا تحضرني المقولة الشهيرة (إذا علمت رجلا فقد عملت فردا، وإذا علمت امرأة فقد عملت أمة)، ويضع أمير الشعراء أحمد شوقي في العصر الحديث قاعدة وأساس النهوض بالمجتمعات من خلال المرأة فيقول -رحمه الله-:
من لي بتعليم النساء فإنهن في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.
دمر الحلف الأمريكي أفغانستان وفعل ذات الأمر في العراق والآن في فلسطين على أيدي الصهاينة ودمر الأخلاق في دول المتحالفين معه ويسعى لإكمال المهمة في بقية الدول التي لم يتمكن منها بواسطة الأجندات التي يفرضها من خلال المنظمات العاملة تحت إشرافه وهيمنته، فهو يريد تحقيق المكاسب والإنجازات والمرأة المسلمة هي الهدف والغاية، فمصالحه لا تكتمل إلا بإفسادها.
ورغم أن الغرب بشكل عام يتغنى بالحرية والديمقراطية، إلا أنه لا يستطيع التعايش مع قطعة من القماش تلبسها المرأة تدلل بها على حرية اختيارها وعفتها والتزامها بأمر ربها وخالقها، مع أن أبسط مبادئ الديمقراطية هي احترام آراء الآخرين وحرية اختيارهم في كل شؤون الحياة، إلا أن كل ذلك مباح إذا تعلق الأمر بالمساس بعقائد المسلمين كإحراق المصحف، وسب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكن إحراق الإنجيل أو التوارة لا يجوز، ولبس الحجاب أمر يتنافى مع الديمقراطية ودليل على التخلف والإرهاب.
لقد تعلمت نساء غزة وفلسطين عامة كيف يكنَّ رجالا كالرجال بعد أن غيب الصهاينة الرجال في السجون، فنسبة الأمية تشير إلى الصفر في قطاع غزة رغم الكثافة السكانية والحصار والحرب، حتى أن المخيمات تدرس تحفيظ القرآن الكريم والعلوم وغيرها من المواد وهو ما جعل الصهاينة يسعون لإبادة كل شيء على أرضها، غرس الناشطون في حديقة البيت الأبيض أكثر من ثلاثة عشر ألف علم بعدد الأطفال الذين استشهدوا على أيدي المجرمين الصهاينة، وضج الطلاب في الجامعات “يكفي إجراما وإبادة ووحشية أيها السفاحون”، وناحت ممثلة الإمارات في الأمم المتحدة باكية على من قتلهم الصهاينة من نسائهم وأطفالهم واتهموا المقاومة بأنها قتلتهم واتضح الأمر أنهم هم المجرمون لا غيرهم.
احتجز رجال المقاومة بعض الرهائن وسلموهم في صفقات التبادل سالمين موفوري الصحة لم يخدش لهم شيء وساق المجرمون العزل عراة وجعلهم رهائن، وافرج عن بعض الأسرى الذين لم يموتوا تعذيبا مشوهين ومشلولين، وشاهد العالم ذلك، وبينما يرتكب الصهاينة المجازر ضد النساء والأطفال، وضعت زوجة ملك المملكة الأردنية الهاشمية معاناة القتلة والمجرمين قضية لها فهي (تتحدى نفسها لتضع مكان أم إسرائيلية لديها طفل أخذ رهينة، وشاب سمع عن الاضطهاد الرهيب الذي تعرض له الشعب اليهودي في أوروبا)، وتؤكد على عودة الرهائن إلى منازلهم في أسرع وقت ممكن، وهي تتناسى عمداً التذكير بحقيقة الإجرام الذي يطال أبناء الشعب الفلسطيني الذي تحول الفتك به إلى أرقام تقرأ مع أن كل رقم يمثل قصة ومأساة من الوحشية والإجرام، وإذا كانت تتباكى على رهينة أو مائة أو ألف، فإنها تدرك أن الشعب الفلسطيني يعيش رهينة الفصل العنصري سواء في أرض غزة أو الضفة أو غيرها من البلدات والمدن الفلسطينية التي تحت الاحتلال الصهيوني المدعوم من أنظمة العمالة والخيانة ومن الحلف الصليبي المجرم، لم يكن للعرب والمسلمين دور في اضطهاد اليهود، وأوروبا شاهدة على ذلك، فقد نزحوا إلى دولة الخلافة الإسلامية وعاشوا فيها، لكنهم في كل مرة يجدون فرصة يثبتون أنهم مجرمون وسفاحون ولا يحترمون دينا أو عهدا أو ميثاقا.
العالم اليوم يشهد على إجرامهم ضد كل شيء في فلسطين وغزة ونساء غزة اليوم في التضحية والفداء كرجالها أبطال يثبتون للعالم أنهم شعب الجبارين ومن اصطفاهم الله سبحانه وتعالى ليكونوا شهداء على الحق وجنوده وأهل لاستحقاق الوسام النبوي الذي خصهم به صلى الله عليه وآله وسلم، فالله سبحانه وتعالى يقول “وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم” صحيح سنن الترمذي صـ504 برقم (2229).