شفافية العيد

أحمد ماجد الجمال

 

أيام مضت والجميع استمتع بنفحات أيام الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ومضت بسرعة وهي تهب على القلوب والأفئدة، لحظات بدت كأنها تعلقت بين السماء والأرض، في انتظار بشارة التقرب لله، ونستقبل عيد الفطر بقلوب مليئة بالشكر والأمل ومفعمة بالإيمان، ومعاهدة النفس على الاستمرار في الخير والتراحم.

ولأن للعيد في الإسلام مكانة عظيمة فقد جعل الله تعالى في شعائر الإسلام لعباده أياماً مخصوصةً من السنة لإظهار الفرح والسرور وإظهاراً لسماحة الإسلام، وتيسيره على العباد، ومن تلك الأيام أيام عيد الفطر الذي يصادف اليوم الأول من شهر شوال ويفطر فيه المسلمون محتفلين بإتمام عبادة الصيام في رمضان شهر رمضان وقد احتفل المسلمون بأول عيد فطر في الإسلام في السنة الثانية للهجرة بعد صيام أول رمضان في تلك السنة.

وفي العيد يتجدد الخير، حيث يلتقي الناس ويتبادلون التهاني ويزورون أهليهم وأقرباءهم وهذا ما يعرف بصلة الرحم، كما يتزاور الأصدقاء ويستقبلون أصحابهم وجيرانهم، ويعطفون على الفقراء، وقد جرت العادة في كثير من البلدان الإسلامية ان يتخلل احتفالات العيد أكل الحلويات والمكسرات والمشروبات المحلاة وغيرها وإقامة الولائم وتوزيع العيدية على الأطفال والأرحام بحسب القدرات المالية.

وبما أن عيد الفطر يتميز بإغناء الفقراء ولو وقتياً عن السؤال بدفع زكاة الفطر الواجبة لهم على كل فرد مسلم لديه قوت يوم وليلة وبعدها وتؤدى قبل صلاة العيد سَداً لحاجات الفقراء ولو بالقليل في ذلك اليوم، حيث يبدأ الناس يوم العيد بتطهير البَدن، وارتداء النظيف والجديد من الثياب، ثم الَشروع في التكبير لأداء صلاة العيد باعتباره أول الأعمال في العيد بحيث تكون في الصباح بعد شروق الشمس بثلث ساعة تقريبا.

فمع إطلالة أول أيام عيد الفطر المبارك تشرق شمس المحبة والتآخي والتلاحم ويشعر الناس أنهم في أعلى درجات التوافق الروحي وشفافيتها، لأن تلك في اللحظات التي يحيوها تجسد أروع أنواع الحب وأشملها، ففي هذه الأيام المباركة القصيرة تتلاشى كل مشاعر الحقد والبغض والكراهية ليحل محلها النبل والطمأنينة والتراحم, فيخرج الطفل يزهو وهو يحمل في كلتا يديه هدايا العيد ويرتدي أجمل الملابس يصافح بابتسامته كل الوجوه فرحة طفولية جميلة متوارثة عبر العصور، ويشعر الجميع بأن البراءة تمنح وتعطي، ويجدون أنفسهم بأن أجسادهم قد خرجت من الجسد المملوء بالمشاغل والمتاعب والتحديات وفي هذا اليوم يصبحون أناس آخرين، فالكل يبحث عن الصديق ليعايده وعن الفقير والمريض ليزوره وعن القريب وحتى إن كانت بينهم خلافات، تصالح معه وبادر وصافحه، وبالتالي تغسل أدران العلاقات ليحل محلها الحب كل الحب في أروع صوره في أيام العيد خصوصاً، حال إذا قام كل فرد بتعطيل وسائل الاتصال الحديثة مؤقتاً والتفرغ للزيارات واللقاءات الإنسانية المباشرة والاطمئنان والتهنئة بمشاعر حية يملؤها دفء المحبة، وتترك كل تلك الوسائل للأحبة من الأقارب والأصدقاء الذين يعيشون بعيداً عنهم وفي المقابل تترك العيون والأيادي تقابل وتصافح من هم قريبون منهم، العيد هو البياض الذي يحتوي الجميع ليثبت انه بالإمكان زرع الخير والتعاطف وفك طلاسم وعقد العلاقات المتشابكة وإنهاء كل الخلافات المادية البغيضة أو السلوكية والنظر للأشياء بروح وحس إنساني شفاف يمقت الركض خلف تيارات ومدارات المصالح بمادياتها البحتة، العيد فرصة لإعادة الحسابات تجاه العلاقة مع النفس ومع الآخرين، والنظر من زوايا جديدة في إعادة بناء هذه العلاقة وتجديدها وتحسينها وفق مفاهيم أسلوب وقيم الحياة النبيلة..

وبعيدا عن المثالية المبالغ فيها، ولكن بواقعية مرنة قابلة للنظر بشكل أفضل لليوم عما سبق بكل ما فيه من متغيرات من خلال تحسين جميع جوانب الحياة والاتزان فيها ليصبح الأفضل للفرد ولغيره من أفراد المجتمع ويكون على اتصال وثيق بنفسه من خلال درايته لهذه المناسبة، فالعيد أيام هي من أجمل محطات العمر، فلا بد من استثماره والاستفادة من الحكمة التي وجد من أجلها لأقصى درجة لزيادة جودة الحياة في حياتنا كمؤشر حيوي للسعادة .

باحث في وزارة المالية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا