الاحــتفـال بالشـــفاء


كان صباحا مختلفا بالنسبة لوالد الطفلة أبرار لم يسبق أن رأيته مبتسما بهذا القدر قبل أن أسأله عن شيء قال كلمة واحدة ” إنها ست سنوات ” .
ثم مضى ممسكا بيد صغيرته التى تبذل جهدا كي تتمكن من السير وتحافظ على مصدر ابتسامة والدها الذي يرافقها كل يوم للوصول الى حيث تتلقى تدريبات العلاج الطبيعي – قبل قليل كانت تكافح للوصول الى المنصة ومصافحة لجنة تكريم الأطفال الذين تحسنت حالاتهم وأصبحوا قادرين على مزاولة حياتهم وتحقيق أشياء من طموحاتهم وأحلام أقاربهم بأن يكونوا كمن خلقوا معهم في ذات العام .
إنه تقليد سنوي كما قال خالد السفياني المشرف الفني لمركز التحدي للعلاج الطبيعي مبتهجا بما أسماه الاحتفال بالشفاء .
في أول يوم جاءات أبرار لم تكن قادرة على الحركة كغيرها من الأطفال الذين تحدث لهم مشاكل أهمها نقص الأوكسجين ولولا الله ثم الإرادة والمثابرة من الأب والأم لما تحسن حالها ولبقيت خارج سير الحياة .
هؤلاء أطفال يلهمون الأصحاء كان هناك حضور للكثيرين ممن يتمتعون بكامل صحتهم ينقصهم فقط الأمل الذي يخرجون به من الإحساس بإحباطات لا تساوي شيئا أمام ما يعانيه هؤلاء البشر , خطوات متسارعة هرول بها أبو وليد وهو جار للمركز وكان متحمسا وهو يهبط السلم الاسمنتي مصفقا بحماس شديد.
تحية
أصفق لهم ” ردد الكلمة بينما سألته عن سر تحمسه , بقي قليلا ثم انصرف وما زال يضرب يديه ببعضهما بذات القوة عندما يقول هم فإنه يعني هؤلاء الذين يفتقدون القدرة على السير ومع ذلك لم يتوقفوا عن ممارسة الأمل والرغبة في الحياة ومنافسة من لا ينقصهم غير الإحساس بما يفتقده الآخرون .
لم يجلس خالد السفياني ولا فردوس ولا سالم ولا إبراهيم ولا أنور ولا سبأ ولا عميد ماجد الأعور ولا القشمري طيلة ساعات الاحتفال لقد كانوا كمن لديه ضيوف عليه أن يظهر الحفاوة بقدومهم لأجله إنهم يقضون سنوات في محاولة جعل هؤلاء الأطفال يسيرون ويعيشون كأقرانهم وأن لا تحول مشكلاتهم الصحية دون تحقيق طموحاتهم.
شعور
قالت فردوس وبرفقتها زميلتها بصوت واحد من وسط ضجيج الفرح والاحتفال ” نشعر بالفخر ” – الفخر بالقدرة على منح الآخرين المهارات التى يفتقرون إليها والتى تجعلهم أفضل .
سنوات طوال من الصبر والتقدم ببطء ولولى وجود الصبر ماتحققت نتيجة واحدة ولا تمكنت ماريا من وضع قدميها على الأرض ووضع بصمة خاصة بها على الكون الذي منحه لنا الخالق لنمر عبره .
كانت ماريا وبقية الأطفال مبتهجين حاملين في وجوههم وقلوبهم فرحة لا يحملها مكتملوا الأجساد ناقصو الحلم – كل يوم تقريبا تأتي الأم برفقة صغيرها من مكان بعيد تصل قبل أن يصل الآخرون تعلمنا كيف يكون لنا هدف كيف نرسم على الرمل ونواجه الريح كلما هبت ومحت نرسم من جديد إنها تقوم بمهمة مماثلة تحمل ابنها على كرسيه وتحركه وتخبره بأنه لابد من أن يأتي يوم يستغني فيه عن كرسيه المتحرك كل يوم تغرب فيه الشمس لا يغرب معها إرادة امرأة لا تملك الكثير من الامكانيات وتظهر وحيدة مع ابنها لا تتخلى عنه ولا يستغني عنها بينما الآف ممن يتركون أبناءهم أمام الضياع وأمام العجز رغم إمكانياتهم إلا محدودة عندما تصل الى بوابة المركز تبحث عن من يحمل عنها حقيبة اليد وتهبط مع ابنها السلم الإسمنتي تتحدى الجاذبية بنظرية جديدة لا علاقة للفيزياء بها وتظل تعارك الكرسي إلى أن تصل صالة التدريب محاطة ببسمة وكلمات قل من يفهمها .
روح
ثم يأتي رجل من أطراف العاصمة استأجر هناك منزلا ليبقى جوار ابنه وكل يوم ينافس الشمس على الشروق يقول إنه لا يريد غير أن ابنه يسير كما يفعل من ولدوا معه نفس العام ولا ضير أن يتخلف قليلا .
كل هؤلاء ممن نراهم ولا نبصرهم الا يستحقون الفرحة ونحن نغمرهم بها فإن علينا أن نشيد بروحهم وبروح كل من يساعدهم على الوقوف ونرثي لحال أولئك الذين يمتلكون كامل الصحة ومع ذلك تعاني حياتهم الإعاقة الدائمة والخوف الشديد – التنمية جدار يقيمه كل واحد بطريقته هناك من يشيده بيد واحدة وآخر بقدم فقط وآخر بلا يدين وآخر لا يفعل شيئا غير التفكير بهد الجدار الذي بنته يوما جمالة البيضاني الحية في كل تفاصيلنا رغم أنها غادرت كرسيها إلى حيث تنام بطمأنينة وهدوء ودعوات تحفها كلما حلت الحركة في بدن يعاني – لا تقولوا لى أن ما قامت به ليس تنمية إذا ماتعريف ما قامت به .

قد يعجبك ايضا