تسويق التنسيق الأمني.. جدلية الانحطاط!!

يكتبها اليوم / مطهر الأشموري

 

وزير خارجية روسيا قال إن الهيمنة الغربية على العالم استمرت حتى الآن خمسمائة سنة..
محلل سويدي من العيار الثقيل أكد أن الهيمنة الغربية استمرت خمسمائة سنة، لكنه استنتج واستقرأ أن هذه الهيمنة بدأت في الاضمحلال وتسير إلى انهيار كحتمية..
أريد طرح هذا الفكر والتفكير والمتغير والتغيير على منظمة أو تنظيم فتح الفلسطينية لأن القضية الفلسطينية ارتبطت بهذه الهيمنة الغربية في وضع الاستعمار القديم أو الاستعمار الجديد “الاستعمال” وهو الأبشع والأشنع من الاستعمار..
من المضحك والمبكي في آن، أن تُحمِّل فتح في بيانها المقاومة الفلسطينية فيما حدث ويحدث في غزة لأن البديل الفتحاوي “أوسلو” لم يفشل فقط بل تحول إلى سخرية ومسخرة صهيونية يجعل مما تسمى سلطة مجرد حارس أمني للكيان الصهيوني، فهل يصح أو يصبح النضال هو دور الحارس الأمني، وهل من بديل للنضال لدى فتح غير الحارس الأمني؟..
إنني على ثقة أن داخل تنظيم أو منظمة فتح قيادات وكوادر وحتى قواعد لا تقبل بل وترفض أن يكون دور الحارس الأمني هو المشروع أو الطريق لتحرير واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لأنه ببساطة انجراف إلى الخط الأمريكي الاستعماري يحوّل النضال من مشروع وقضية وتحرير إلى مجرد وظيفة في دور وضيع “الحارس الأمني”..
أشهر مثل أمريكي يقول “إذا أردت السلام فارفع السلاح”، لكننا عربياً منذ كامب ديفيد نرفع شعار السلام خيارنا الاستراتيجي، ومثل هذا لا وجود له في أي فكر عالمي أو ثقافة وطنية، لأن العالم يجمع أن الحرب هي الخيار الاستراتيجي التي توصل إلى سلام مقبول ومشرف..
محمود عباس رفع هذا الشعار كما مبارك مصر والأنظمة العربية المتواطئة مع الكيان منذ النشأة، وفي مشهد محزن في لقاء متلفز أكد عباس السلطة “السلام خيارنا الاستراتيجي”، فيرد الصحفي “ولكن نتنياهو يرفض مجرد التفاوض فما قيمة خيار تسميه بالاستراتيجي”؟..
يرد عباس ” ولو.. فلا خيار معنا غير التفاوض”..
كيف يصبح التفاوض هو خيار وحيد واستراتيجي في ظل رفض الطرف الآخر التفاوض معك وحتى الالتقاء بك؟..
لعلنا نقول لـ”فتح” ما تعرفه، وهو أن المقدّس لدى حماس والجهاد والجبهة الشعبية والمنظومة الوطنية وفصائل فلسطينية أخرى هو النضال والكفاح المسلح، وبالتالي فهذه الرؤية الفلسطينية النضالية تشترك في هذا الخط أو المرتكز في رفض الخط الأمريكي الاستعماري فوق ما قد يصرفه من كلام وشعارات كما حين يتحدث في ظل محطات ومتغيرات عن دولة فلسطينية أو حل الدولتين..
الأسوأ من ذلك ما يطرحه رئيس السلطة – وهو رئيس فتح – عن أن العلاقات الأمنية مع الكيان هو المقدّس الوحيد..
إذاً فتح بعد تجربة مريرة إن لم تكن مذلة ومهينة لا زالت تثق بالخط الأمريكي، فالشعب الفلسطيني فاقد الثقة تماماً بهذا الخط والشعب الفلسطيني ليس المجاميع القليلة التي تحمي أمن الكيان مقابل مرتبات بالدولار..
في منحى آخر، كيف تنظر فتح لمتغير وتغيير في الصراع الدولي وتقف فيه الصين وروسيا ضد أمريكا ومعها بريطانيا والغرب كسياسات ومشاريع؟..
المسألة تتجاوز مسألة الاستثمار الآني لما جرى في غزة بإدانة أو استهداف حماس ربطاً بشماعة “الإرهاب”، فمثل هذا ليس مجرد قصور بل ضيق أفق واستيعاب خاطئ في القراءة والاستنتاج وستكون فتح أول الضحايا والضحية الأكبر لتطورات في المتغير وفي معطى هذا الصراع الدولي..
الأفضل لفتح أن تبقي على خط رجعة ومراجعة وطني وأن لا تواصل اندفاعها في الخط الأمريكي المتصهين، وبالتالي تبقى إمكانية تواصل وتوصيل للتعامل مع الأمر الواقع لفتح والأمر الواقع العام الفلسطيني تبعد خيار اقتتال داخلي تدفع إليه خيارات و”خيالات” السلطة ربطاً بفتح أو فتح ربطاً بالسلطة، وذلك ما يتكشف بوضوح من تصرفات السلطة بعد اجتماع موسكو الذي تبنته روسيا..
فالسلطة تعاملت مع ذلك ليس فقط باعتباره قوة إسناد لانفراديتها بما تسمى سلطة، ولكن بين أخطر تخريجات ذلك هذا البيان “الفتحاوي” الذي يحمّل حماس المسؤولية وذلك ضمناً ومباشرة يعفي الكيان من مسؤولية التدمير والإبادة الجماعية، فكيف لنا فهم الدافع أو “الحاجية” لمثل هذا إلا بقدر ما هو حاجية للخط الأمريكي وربطاً به للكيان؟..
قد تكون “حماس” كفصيل فلسطيني أخطأت في أي مسائل أو خيارات سابقة مثلما فتح سارت في “خطايا” منذ وجودها في جنوب لبنان حتى التوقيع على اتفاق أوسلو، ومع ذلك فحماس مارست في 7 أكتوبر 2023م – ومعها فصائل أخرى فلسطينية – عملاً نضالياً بطولياً وأسطورياً من يُخطئه فهو “الخطيئة” وليس فقط خط الخطيئة..
ما كان لفتح ولا لأي فصيل فلسطيني أو حتى عربي أن يسير في تخطئة أهم عمل وإنجاز نضالي فلسطيني أياً ما حدث أو سيحدث في غزة أو رفح أو غيرهما..
الجزائر تحررت بعد تضحية بمليوني شهيد وروسيا قدمت 27 مليوناً في الحرب العالمية الثانية، فهل تصبح تحرير الجزائر أو وضع روسيا – وهي تستعيد تموضعها كقوة عظمى عالمية – هو الخطأ أو الخطيئة وفق البيان الفتحاوي.. وماذا كان البديل للجزائر أو روسيا؟..
رئيس جزائري سابق “هواري بومدين” قال ذات مرة “موقفي هو مع فلسطين مظلومة أو ظالمة”..
الرجل يعي أن فلسطين تستحيل أن تكون “الظالمة”، لكنه أراد تأكيد أبعاد الموقف الجزائري..
لعلي أقول إنني مع فلسطين الشعب والقضية والنضال لاستعادة الحقوق المشروعة، وفي المواقف البينية عربياً وحتى فلسطينياً أنحاز للحق وللحقوق وللحقيقة وللواقعية، ومنذ 7 أكتوبر 2023م أصبحت في انحياز لحماس وذلك ما يجبرني عليه إنجازها والفصائل الأخرى المشاركة معها، لكنه يستحيل ما عشت أن أكون مع قداسة أو تقديس التنسيق الأمني مع “الكيان الصهيوني”، فهل مثل هذا يتطلب جدلاً لإقناع أم يحتاج قناعاً لجدلية؟!.

قد يعجبك ايضا